أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

أسطورة نتانياهو:

"داعش" وجدل الانتخابات المبكرة في إسرائيل

18 ديسمبر، 2014


بعد حل الكنيست في 13 ديسمبر الجاري، وتحديد موعد الانتخابات القادمة في 17 مارس القادم، تدور تساؤلات عديدة حول القضية التي ستكون محور الجدل السياسي والانتخابي في إسرائيل أو تلك التي ستحتل قمة أولويات الرأي العام هناك.

من بين القضايا التي هيمنت على اهتمامات الإسرائيليين في السنوات الأخيرة ثلاث قضايا رئيسية، تتعلق الأولى بالسياسات الاقتصادية - الاجتماعية التي طبقها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على مدى ما يقرب من ست سنوات، والتي أدت إلى تزايد معاناة فئات من الطبقة الوسطى ومعها الطبقة الفقيرة.

وتتعلق القضيتان الأخريان بعملية التسوية المعطلة مع الفلسطينيين، ثم التهديدات التي تواجه الأمن الإسرائيلي بسبب اكتساب الجماعات المصنفة كونها جماعات إرهابية أرضاً واسعة على حدود الدولة العبرية من جهة، وعدم توصل الدول الغربية لتسوية نهائية مع إيران حول حدود مشروعها النووي من جهة أخرى.

نتنياهو لم يحقق أي اختراقات حاسمة

نجح نتنياهو - زعيم حزب الليكود - منذ عودته لرئاسة الحكومة في عام 2009 في جعل قضية مكافحة الإرهاب ومواجهة المخاطر الأمنية على إسرائيل في صدارة اهتمامات الرأي العام الإسرائيلي، وبدا خلال هذه السنوات أن المواطن الإسرائيلي كان على استعداد لتجرع السياسات الاقتصادية المرة لليكود في مقابل معالجة المخاطر الأمنية.

أما الآن، فيبدو أن تسويق هذه المعادلة بات صعباً - ولكنه ليس مستحيلاً -، فمن الزاوية الذاتية (المتعلقة بشخصية نتنياهو) يمكن استيعاب فكرة ملل المجتمع الإسرائيلي من شخص ارتبط ظهوره على المسرح السياسي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي بتركيزه على قضية الإرهاب (من وجهة النظر الإسرائيلية) واعتبارها القضية الأخطر على العالم عامة، وإسرائيل خاصة. ولكن على الرغم من كل وعوده؛ فإنه لم يتمكن من تحقيق اختراقات حاسمة في الملفات التي وعد بحلها؛ فحركة حماس لم يردعها وجود نتانياهو في الحكم واشتبكت في حربين كبيرتين مع إسرائيل عامي 2012 و2014. كما أن حزب الله الذي حارب إسرائيل في عام 2006 لم يكرر الدخول في مواجهة جديدة منذ ذلك الوقت بسبب قوة الرد الإسرائيلي وبسبب الظروف الإقليمية المتغيرة، وهو الرد الذي جاء في عهد حزب كاديما (أخطر الانشقاقات عن الليكود، والذي قاده آرييل شارون عام 2005)، بما يؤكد أن قوة مواجهة "الإرهاب" ليست مرهونة بوجود الليكود في الحكم أو شخص نتانياهو.

أما الوعد بمواجهة ايران وإجبارها على التخلي عن مشروعها النووي، ولو باستخدام الخيار العسكري من دون الرجوع لواشنطن، فقد ثبت أنه تهديد أجوف مارسه نتانياهو على مدى سنوات من دون أن ينجح في إخراجه لحيز التنفيذ، بل إنه لم ينجح في إقناع الدول الكبرى التي تفاوض إيران بعدم السماح لها في أي تسوية محتملة لهذا الملف بالامتناع عن عمليات تخصيب اليورانيوم كلية.

على الجانب الموضوعي (المتعلق بالمخاطر الحقيقية للإرهاب على إسرائيل)، يمكن القول إن معادلة تسويق سياسات اقتصادية متطرفة في ليبراليتها مقابل مزيد من التشدد في سياسات مكافحة مخاطر "الإرهاب" تظل قائمة وتفتح فرصة، ولو ضئيلة، لإمكانية استمرار نتانياهو كرئيس للحكومة بعد الانتخابات المقبلة، خاصة مع القلق الذي تشعر به الدوائر الأمنية في إسرائيل بسبب تمدد تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، إلى جانب تحركات غير مطمئنة لحزب الله على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية - السورية، فضلاً عن مخاطر تبدو متزايدة في اتجاه تهديدات للأردن من قبل "داعش"، وأخيراً النشاط الواسع للتنظيمات الجهادية في سيناء وغزة تحت رعاية حركة حماس التي تحاول إعادة بناء قوتها العسكرية منذ انتهاء عملية الجرف الصامد في أغسطس الماضي.

الأردن مصدر القلق الأكبر لإسرائيل

ثمة إدراك من جانب النخبة الحاكمة والسياسية في لإسرائيل أن مخاطر "الارهاب" على الدولة العبرية ليست نوعاً من المزايدات الحزبية، إلا أن الزعم بأن إسرائيل هي التي تقف وحدها في مواجهة هذه المخاطر ليس دقيقاً، فالخطر المحتمل من جانب الجماعات الجهادية في سيناء يتحمل عبئه الجيش المصري الذي يبدو أنه مصمم على القضاء عليه، وتحد القيود التي تزايدت على حركة حماس في الآونة الاخيرة بسبب توتر علاقاتها بمصر من إمكانية استعادة حماس قوتها العسكرية وإمكانياتها التسليحية. كما أن تعقد خريطة المواجهات داخل سوريا ولبنان، والتي جعلت النصرة في مواجهة قوات الأسد و"داعش" معا، ودفعت حزب الله لتوجيه قوته صوب دعم الأسد وقتال "داعش" والنصرة؛ أدت إلى تخفيض المخاطر الأمنية على اسرائيل من جهة حدودها الشمالية من دون تكلفة كبيرة على جيشها.

لذا لا يتبقى من مخاطر حقيقية سوى اعتقاد إسرائيل بأن الاردن غير قادر على صد "داعش" إذا ما قرر هذا التنظيم التوجه إليه أو غزوه، كما فعل في أجزاء من سوريا والعراق، وكان يوفال شتاينيتس - وزير الاستخبارات الإسرائيلية - قد أكد مراراً، ومنذ سبتمبر الماضي، أن إسرائيل تتحسب لاحتمالات تمدد "داعش" نحو الأردن، وقال: "إن إسرائيل لن تسمح بذلك وستتدخل عسكرياً لمنع وقوع مثل هذا الاحتمال"، على الرغم من أنه أعلن بوضوح "أن واشنطن لن تسمح بسقوط الأردن أو دخول "داعش" إليها"، وبالتالي فإن إسرائيل لن تكون مضطرة عملياً للتدخل لحماية في حالة كتلك.

وعلى الجانب الآخر، ثمة قناعة داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأن العديد من القوى الإقليمية، مثل السعودية وبعض دول الخليج ومصر، لن تسمح بتمدد "داعش" داخل الأردن، ويمكن أن تتحرك جيوشهم إذ ما حدث شبيه ذلك؛ وهو ما يعني عملياً أن التخويف الإسرائيلي من سقوط الأردن وضرورة استعداد إسرائيل للتدخل عسكرياً لمنع حدوث ذلك هو محض مبالغة لا أكثر ولا أقل.

الانتخابات وقضية "الإرهاب"

رداً على الاتهامات التي كالها الحليفان الجديدان على الساحة السياسية الإسرائيلية، وهما حزب العمل بقيادة هيرتسوج، وحزب هاتنوعاه بزعامة تسيبي ليفني، واللذان اتهما نتنياهو بالجبن وعدم القدرة على مواجهة حماس والجماعات الجهادية التي تهدد إسرائيل، قال بعض المقربين من نتنياهو إن "ليفني وهيرتسوج" يخططان للتنازل والخضوع وإخلاء الأرض للسلطة الفلسطينية، أما نتنياهو فإنه سيقاتل حماس و"داعش" أيضاً، ولن ينحني للضغوط الدولية عندما يكون رئيساً لحكومة قوية وواسعة برئاسته".

إعلاء معسكر نتانياهو لخطر "داعش" يتسق مع تزايد التقارير التي تنشرها الصحف الإسرائيلية عن اتساع الحاضن الشعبي لـ"داعش" في أوساط عرب إسرائيل وفي الأردن على حد سواء، ففي إسرائيل قُدِم مواطن من العرب إلى المحاكمة بتهمة نشر أفكار هذا التنظيم والتخطيط لتشكيل تنظيم يقوم بتجنيد مواطنين لإرسالهم للقتال مع "داعش" في سوريا. كما تشير تقارير إسرائيلية أخرى إلى تزايد نسبة المؤيدين لـ"داعش" في الأردن، حيث تبين استطلاعات الرأي هناك أن قرابة 35? من الذين تم استطلاع رأيهم لا يعتبرونه تنظيماً إرهابياً.

وإذا أضيف لذلك ارتفاع عدد اللاجئين من العراق وسوريا إلى الأردن، وتخطي هذه الأعداد حاجزِ المليون ونصف المليون، فإن قلق إسرائيل يصبح مبرراً، خاصة أنه يصعب على أجهزة الأمن الأردنية متابعة هذه الأعداد الكبيرة واكتشاف متسللين منهم يعملون لحساب "داعش"، والذي لم ينكر في تصريحات له في نوفمبر الماضي أنه يسعى للاقتراب من الحدود السورية الأردنية.

ويعتقد جهاز الشاباك (الأمن الداخلي في إسرائيل) أن شبكة التعاون بين حماس والجماعات الجهادية، مثل "داعش" و"النصرة" إلى جانب "حزب الله"، يمكن أن تقوى إذا ما تمكن "داعش" من تنفيذ تهديداته بدخول أراضي الأردن، وهو ما يلقي عبئاً أمنياً كبيراً على إسرائيل حالياً وفي المستقبل المنظور.

خلاصة ذلك أنه من زاوية ما، يمكن القول إن الانتخابات القادمة في إسرائيل هي نوع من اختبار مدى استمرار قناعة الإسرائيليين بأن "الإرهاب" هو القضية الأهم التي ينبغي على إسرائيل أن تواجهها، ويعتبر فوز نتنياهو في هذه الانتخابات - إن حدث - تأكيداً على استمرار فاعلية خطابه التقليدي، والذي بنى مجده السياسي على أساسه، ولكن تراجعه لن يعني بالضرورة أن المجتمع الإسرائيلي لم يعد يعطي الأولوية لقضية مكافحة "الإرهاب"، بل يعني فقط اختبار خطاب التحالف الجديد بقيادة ليفني وهيرتسوج، ومدى قدرتهما على مواصلة مسيرة التسوية مع الفلسطينيين ومكافحة خطر الجماعات الجهادية داخل إسرائيل وعلى حدودها.