أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

رسائل ردع:

ماذا تحمل المُناورات العسكرية بين واشنطن وسول؟

21 مارس، 2024


أنهت الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية، في 14 مارس 2024، واحدة من أكبر مُناوراتهما العسكرية المُشتركة السنوية، التي يُطلق عليها اسم "درع الحرية 2024"، والتي بدأت منذ 4 من الشهر ذاته. وقالت وكالة "يونهاب" الكورية الجنوبية للأنباء، إن أصولاً استراتيجية أمريكية، مثل: حاملة طائرات وقاذفات قنابل قد تشارك في المناورات. وقالت القوات الأمريكية في كوريا إنه من المرجح أن يتم نشر مثل هذه الأصول بما يتماشى مع الممارسات السابقة، لكنها رفضت الخوض في التفاصيل. 

أبعاد مُتشابكة:  

تتزامن تلك المناورات مع العديد من الأبعاد المتشابكة، أبرزها ما يلي:

1- الرد على تهديدات بيونغ يانغ: جاءت تلك المناورات في سياق الرد على التهديدات التي تطلقها كوريا الشمالية؛ إذ إن التقدم العسكري والتكنولوجي المُطّرد الذي حققته بيونغ يانغ، إلى جانب العداء المتزايد من جانب زعيمها كيم جونغ أون تجاه التأثيرات الأجنبية، كل ذلك يجعل سياسات كيم تجاه جارته الجنوبية أكثر تصادمية، ولاسيما بعد الاجتماع العام للحزب في نهاية عام 2023، والذي أكّد تخلي كيم عن سعي بلاده الذي دام عقوداً من الزمن إلى الوحدة السلمية مع كوريا الجنوبية، ووصفه للأخيرة بأنها "العدو الرئيسي" لبلاده.

وخلال فبراير 2024، أطلقت بيونغ يانغ عدّة صواريخ "كروز" قبالة سواحلها الشرقية، في سلسلة جديدة من تجارب الأسلحة التي تجريها هذا العام، فضلاً عن اختبار إطلاق "صاروخ أرض- بحر من نوع جديد"، وذلك تحت إشراف كامل من الزعيم الكوري الشمالي، كما ألغت بيونغ يانغ خلال فبراير 2024 كل قوانين التعاون الاقتصادي مع جارتها الجنوبية.

2- تدريبات ضخمة: تشهد المناورات العسكرية بين واشنطن وسول هذا العام تدريبات ضخمة؛ إذ تعد أول مُناورات مُشتركة واسعة النطاق منذ أن أدّت الخلافات السياسية إلى إلغاء الكوريتين لاتفاق عام 2018، الهادف إلى تقليل التوترات على حدودهما؛ إذ يُشارك ضعف عدد القوات من الجانبيْن مُقارنة بالعام الماضي، كما شملت التدريبات نحو 48 جولة من التدريب الميداني المُشترك؛ بما في ذلك الهجوم الجوي والغارات الجوية، وذلك فضلاً عن احتمالات مُشاركة أصول استراتيجية (نووية) أمريكية مثل: حاملة طائرات وقاذفات قنابل في المناورات. وعلى الرغم من أن معظم المشاركين من الأمريكيين والكوريين الجنوبيين، فقد انضمت إليهم حوالي 10 دول أخرى، منها: إيطاليا وفرنسا وأستراليا وبلجيكا وكندا وتايلاند ونيوزيلندا، وغيرها. 

3- تنديد كوري شمالي: وصفت كوريا الشمالية تلك المناورات بأنها مؤامرة لغزوها، فيما هددت باتخاذ خطوات عسكرية -لم تحددها بعد- رداً على ذلك، فقد تسفر عن تصعيد عسكري قد يصل للاستخدام النووي، ولاسيما وأن بيونغ يانغ قد ردت في السابق على التدريبات بين واشنطن وسول بإطلاق وابل من الصواريخ في البحر، كما حضّت وزارة الدفاع الكورية الشمالية، كلاً من واشنطن وسول، على وقف التدريبات العسكرية. 

4- توظيف المُناورات في ملف الانتخابات: تأتي تلك المناورات في توقيت شديد الخصوصية بالنسبة للتحالف بين واشنطن وسول، فواشنطن على أعتاب انتخابات رئاسية أمريكية في نوفمبر 2024، تزيد فيها الترجيحات بشأن احتمالية فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالرئاسة مرة ثانية، وهو المعروف بهجومه على سول بشأن ما وصفه بـ"الحصول المجاني" على الحماية الأمريكية. وأما سول، فهي الأخرى على أعتاب انتخابات تشريعية، مُقرر لها إبريل 2024؛ إذ يمكن توظيف تلك المناورات في الانتخابات المقبلة في البلدين، فقد تمثل استفادة مُحتملة للرئيس جو بايدن؛ لتعزيز إعادة انتخابه، من خلال قبول الشارع الأمريكي لاستمرار الانتشار العسكري لبلاده في سول؛ إذ يؤيد حوالي 72% من الأمريكيين وجود قواعد عسكرية أمريكية طويلة الأمد في كوريا الجنوبية، وذلك في ضوء ارتفاع شعبية كوريا الجنوبية في الولايات المتحدة. كما قد تمثل استفادة مُحتملة أيضاً للرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول؛ باعتبارها جزءاً من استراتيجية بلاده الوطنية للردع ضد كوريا الشمالية، ويمكن أن يلتف حولها الشارع الكوري الجنوبي. 

دلالات مُتعددة: 

ثمّة دلالات تُشير إليها المُناورات العسكرية بين الجانبين الأمريكي والكوري الجنوبي، ويُمكن تناول أبرزها فيما يلي:

1- إيصال رسائل ردع لكوريا الشمالية: من أبرز الدوافع المُشتركة لواشنطن وسول لتوسيع المناورات بينهما، هو تقويض الخطر النووي لبيونغ يانغ؛ إذ تتسم الترسانة النووية لكوريا الشمالية بأنها سريعة التوسع، ففي السنوات الأخيرة، اتبع النظام الكوري الشمالي استراتيجية لتطوير قواته النووية، قد تؤثر في واشنطن نفسها؛ لذلك فإن نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية يشكل مصلحة أمنية وطنية بالغة الأهمية للولايات المتحدة، وقد ظهر ذلك في المناورات الأخيرة التي تم توجيهها لتحسين الرد على التهديدات النووية والصاروخية المتطورة لكوريا الشمالية، ولاسيما وأن البعض يرى بأنها لا يمكن أن تكون دفاعية فقط، بل هي محاولة لردع الشمال؛ خاصة بالنظر إلى نطاقها المتزايد ومشاركة 11 دولة عضو في قيادة الأمم المتحدة. 

2- طمأنة سول: من أبرز مُحفّزات سول لتوسيع مُناوراتها مع واشنطن، القلق الذي تشعر به ليس فقط من تزايد القدرات النووية لجارتها الشمالية، بل أيضاً القلق من إنهاء التحالف مع واشنطن، فعلى الرغم من تحول الاستراتيجية العسكرية لـسول إلى هجومية بشكل متزايد خلال العقد الماضي، فإنها تخشى من عواقب الانسحاب العسكري الأمريكي من شبه الجزيرة الكورية، ولاسيما وأنها لا تستطيع اتباع استراتيجية كبرى؛ تغفل تحالفها مع واشنطن. 

3- مُواجهة النفوذ الصيني: أشار البيان العسكري الأمريكي إلى أن التدريبات تؤكد من جديد التزام الولايات المتحدة الثابت بالدفاع عن كوريا الجنوبية وتعزيز الأمن والاستقرار عبر شمال شرق آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهو ما يحمل في مضامينه رسائل تتعلق بمواجهة النفوذ الصيني في منطقة "الإندوباسيفيك"؛ خاصة في الوقت الذي يتزايد فيه التصعيد بين الجانبين، على خلفية عدد من الملفات؛ يأتي على رأسها ملف تايوان والتحرشات البحرية بين السفن في المنطقة، وغير ذلك. كما تسعى واشنطن في الوقت نفسه لمواكبة فورة بناء السفن البحرية الصينية؛ من خلال إعادة فتح مشروعات لإحياء أحواض بناء السفن الأمريكية المغلقة أو غير النشطة في كوريا الجنوبية واليابان.

4- تعزيز التحالف الثلاثي: تتطلع واشنطن وسول من وراء تلك المُناورات إلى تعزيز التحالف الثلاثي مع طوكيو، ولاسيما وأنها جاءت بعد أيام من اتفاق وزراء خارجية الدول الثلاث على الحاجة إلى رد حازم على تزويد كوريا الشمالية لروسيا بالأسلحة في حربها ضد أوكرانيا، وكذلك على تعزيز التعاون لمُواجهة التهديدات الكورية الشمالية، فيما أكّد الرئيس الكوري الجنوبي، قبل انطلاق المُناورات بيومين، أن تحسين العلاقات مع اليابان يساعد على ردع تهديد كوريا الشمالية.

تحديات مُحتملة: 

بالرغم من تاريخية التحالف بين واشنطن وسول، فإنه ما زالت هناك العديد من التحديات المُحتملة التي قد تعرقل تعزيز ذلك التحالف، تتمثل أبرزها فيما يلي:

1- عودة ترامب: قد يتأثر التحالف بين واشنطن وسول بالتغيرات الداخلية، ففي الوقت الذي تطالب فيه المعارضة الكورية الجنوبية بتخفيف التدخل الأمريكي وتقليل الاعتماد على المظلة النووية الأمريكية. تُشير بعض التقديرات إلى أن إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد تسفر عن تقويض فرص تعزيز التحالف بين واشنطن وسول، ليس فقط لرفضه ما يصفه بـ"الدعم الأمريكي المجاني" لسول؛ إذ طالبها خلال فترة رئاسته السابقة بدفع ما يصل إلى 5 مليارات دولار سنوياً، مُقابل الانتشار الأمريكي، بل أيضاً لعلاقاته الجيدة مع الزعيم الكوري الشمالي؛ إذ تتطلع كوريا الشمالية للحفاظ على زخمها الدبلوماسي لعام 2018، وتستعد لعودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، فقد كان ترامب أول رئيس أمريكي تطأ قدماه كوريا الشمالية في يونيو 2019.

2- علاقات سول وهافانا: قد تؤثر العلاقات بين كوريا الجنوبية وكوبا، في مُستقبل التحالف بين سول وواشنطن، ولاسيما وأن الأخيرة لا تزال تفرض حظراً تجارياً على كوبا منذ عام 1962، وعلى الرغم من استعادة واشنطن علاقاتها الدبلوماسية رسمياً مع هافانا في عام 2015، فإنه تم عكس بعض السياسات الأمريكية في عام 2017. في الوقت ذاته؛ تتطلع سول لتطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية مع كوبا كسوق جديدة لمنتجاتها، فقد استوردت كوريا الجنوبية بضائع بقيمة أكثر من 7 ملايين دولار من كوبا بينما صدرت إليها 14 مليون دولار في عام 2022، ومن شأن تطوير العلاقة بين كوريا الجنوبية وكوبا أن يؤثر في التحالف بين الأولى وواشنطن. 

3- تراجع فعّالية التحالف الثلاثي: على الرغم من الزخم الذي تشهده الشراكة بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، فإنها ما زالت ضعيفة من حيث الجوهر، فرغم أن مبادئ اتفاق كامب ديفيد الموقعة بين الدول الثلاث في أغسطس 2023، كانت بمثابة خطوة مهمة، فإنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به للتأكد من أن النتائج تصل إلى كامل إمكاناتها؛ إذ سوف يكون لزاماً على الدول الثلاث أن تعمل على تطوير الآليات التي اتفقت عليها وتحويلها إلى شيء قادر على تحقيق نتائج عملية.

4- ورقة مُناورة أمريكية: من بين التحديات التي لا تزال قائمة في وجه التحالف، أن ذلك التحالف يبدو وكأنه مجرد ورقة مناورة أمريكية لتعزيز نفوذها ومصالحها في آسيا، فبعد انطلاق المناورات الأخيرة بيومين فقط، أعلن متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أن بلاده تسعى إلى الحوار مع بيونغ يانغ، في تخفيف من لهجتها بعد تهديدات الزعيم الكوري الشمالي وأنباء عن أنها ستدرس اتخاذ خطوات مؤقتة للتهدئة مع كوريا الشمالية.

وفي هذا الصدد، يُرجح أن يؤدي التحسن المُحتمل في العلاقات بين واشنطن وبيونغ يانغ، إلى تأثر التحالف بين الأولى وسول ولو بقدر صغير، وربما يُعزز احتمالات هذا السيناريو أن واشنطن قد علّقت بالفعل التدريبات العسكرية في 2018 مع كوريا الجنوبية في أعقاب لقاء القمة الذي عقده ترامب وكيم جونغ.

سيناريوهات رد كوريا الشمالية:

من المُرجح أن تفرز المُناورات بين واشنطن وسول رد فعل من الجارة الشمالية، ولاسيما مع التهديدات القوية التي أصدرتها الأخيرة، لذلك قد تسير الأمور وفق سيناريوهات مُستقبلية عديدة، يمكن تناول أبرزها فيما يلي:

1- السيناريو الأول: تصعيد عسكري: يرى هذا السيناريو أن كوريا الشمالية قد تُقدِم على التصعيد العسكري، فعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية لا تُرجح التصعيد العسكري في شبه الجزيرة الكورية على المدى القريب، فإن التاريخ يُبرهن على التصرفات غير المتوقعة للزعيم الكوري الشمالي. ففي أغسطس 2023، أطلقت بيونغ يانغ صاروخين رداً على مناورات عسكرية مماثلة بين واشنطن وسيول، كما ظهر الرد من كوريا الشمالية سريعاً فقد أعلنت وكالة التجسس الكورية الجنوبية في نفس اليوم الذي انطلقت فيه المناورات الأخيرة، عن اختراق مجموعات القرصنة الإلكترونية في كوريا الشمالية لشركتين كوريتين جنوبيتين على الأقل لتصنيع معدات صناعة الرقائق.

2- السيناريو الثاني: حرب تصريحات ومُناوشات: يعتقد هذا السيناريو بأن التهديدات الكورية الشمالية مجرد تصريحات وسوف تتوقف عند المناوشات البسيطة، وهذا سيناريو ضعيف للغاية، ويعتمد هذا السيناريو على التوقعات الأمريكية التي ترى احتمالاً ضعيفاً للتصعيد العسكري من كوريا الشمالية، فضلاً عن يقين الأخيرة بأن القدرات الأمريكية العسكرية تفوق قدراتها المحلية، بالإضافة إلى أن صناعة الأسلحة في كوريا الجنوبية قد أصبحت ذات وزن عالمي خلال السنوات الأخيرة. 

3- السيناريو الثالث: وساطة يابانية: يرى هذا السيناريو، وهو الأقرب للواقع، بأن المناورات سوف تستمر، ولكن بعد أداء اليابان لدور الوسيط، بين الدول الثلاث، وذلك لقبول الوساطة اليابانية في الدول الثلاث، فهي حليف تاريخي لواشنطن، فضلاً عن الانطباع الإيجابي لليابان ليس في الأوساط السياسية، بل أيضاً في الشارع الكوري الجنوبي، فقد أظهرت دراسة استقصائية حديثة أجرتها مؤسسة يابانية أن نسبة الكوريين الجنوبيين الذين لديهم انطباع إيجابي عن اليابان بلغت 44%، وهو رقم قياسي مرتفع للعام الثاني على التوالي، وفي الوقت ذاته هناك احتمالات للتقارب بين اليابان وكوريا الشمالية، وسط قمة مرتقبة بين البلدين. 

وفي التقدير، يُمكن القول إن التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية هو تحالف استراتيجي، نظراً لحاجة كل منهما للأخرى، خاصة في ضوء تزايد التهديدات في منطقة "الإندوباسيفيك" سواء المتعلقة بسعي الصين لفرض نفوذها على كامل المنطقة، أم التهديدات التي تطلقها كوريا الشمالية، والتي ترى أن أي خطوة للتقارب بين واشنطن وسول هي رسالة تهديد مباشرة لها، وهو الأمر الذي يُنذر باستمرار التوتر في شبه الجزيرة الكورية. إلا أن هذا لا يُعني أن التطورات المستقبلية قد تُسفر عن تغييرات معينة تتعلق بالتهدئة بين الولايات المتحدة والصين أو كوريا الشمالية، وهو ما يُحتمل أن يؤدي إلى تعليق بعض أوجه التعاون بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.