أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تبدل الحسابات:

هل تتوسع المواجهات بين إسرائيل وحزب الله لحرب شاملة؟

23 نوفمبر، 2023


بعد مُضي أكثر من أربعين يوماً على انطلاق الحرب في قطاع غزة، ما زالت الجبهة اللبنانية الإسرائيلية أحد مصادر اللايقين في هذه الحرب. فربما الاستنتاج السائد حالياً أن حزب الله اللبناني غير معني بتصعيد المواجهة العسكرية مع إسرائيل، وأن العمليات الدائرة حالياً تتم في نطاق تخفيف الضغط على غزة، وفي إطار معادلة الردع القائمة بين الحزب وتل أبيب، بحيث لا تتجاوز الخطوط الحمراء إلى حرب واسعة النطاق على غرار ما حدث في يوليو 2006.

وعلى الرغم من تأكيد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في خطابيه العلنيين، يومي 3 و11 نوفمبر 2023، ذات المعنى، بعدم نية الحزب في توسيع عملياته؛ فإن استمرار العمليات العسكرية في شمال إسرائيل، وتراوح شدتها بين الحين والآخر، يجعل احتمالات التصعيد قائمة.

تكتيك التشتيت:

يبدو أن حسن نصر الله ألقى خطابه الثاني، في 11 نوفمبر الجاري، وبعد ثمانية أيام فقط من خطابه الأول (في 3 نوفمبر)، لاستدراك الانتقادات التي وُجهِّت إليه، بسبب النطاق المحدود لعمليات حزب الله اللبناني ضد إسرائيل، ولضعف التزامه بـمبدأ "وحدة الجبهات". إذ بدا نصر الله وكأنه يُقدم كشف حساب لانخراط حزبه عسكرياً في الحرب منذ بدايتها.

ولكن اللافت في هذا الخطاب هو صياغة نصر الله لمصطلح "الجبهات المُساندة"؛ في إشارة إلى التحركات على جبهات لبنان وسوريا والعراق واليمن ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية، ليعكس أن مستوى العمليات العسكرية لحزب الله لن يتطور أكثر من الحد الحالي. وما أكد ذلك هو حديث نصر الله عن أن "المعركة مع إسرائيل هي معركة تراكم الإنجازات وجمع النقاط"؛ في إشارة إلى أن الانتصار على إسرائيل سيتحقق بشكل تراكمي، وليس بهجوم واحد واسع النطاق.

وفي هذا الإطار، يستنتج الكتاب الصادر عن "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في لندن، عام 2019، تحت عنوان "شبكات التأثير الإيرانية في الشرق الأوسط"، أن حزب الله غالباً ما يتصرف وفق مصالحه الخاصة، بالرغم من علاقاته الوثيقة مع طهران، مفترضاً أن الإيرانيين يثقون في التقديرات العسكرية لقادة حزب الله، ويتركون لهم مساحة من حرية الحركة في قراراتهم الاستراتيجية، خاصة أن طهران لا تريد أن تخسر حزب الله "جوهرة التاج في شبكة نفوذها الإقليمية"، على حد وصف الكتاب.

وتتلخص حسابات حزب الله اللبناني حالياً في الاعتبارات العسكرية المرتبطة بحرب غزة، إذ يخشى الحزب أنه في حال نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية في غزة سريعاً، يمكن أن تُحوِّل انتباهها إلى لبنان. وبالتالي فإن استراتيجية حزب الله تتركز على تشتيت انتباه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وسحب قوة ترسانتها الكاملة بعيداً عن غزة، وإطالة هذا التكتيك حتى يتوقف القتال في غزة، ولكن في إطار معادلة الردع الراهنة، ودون التصعيد إلى مستوى الحرب الشاملة.

تصعيد متبادل: 

في أعقاب اندلاع الحرب الجارية في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، كانت هناك تبادلات مكثفة لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، أدت إلى إجلاء الإسرائيليين الذين يعيشون بالقرب من الحدود اللبنانية. وفي المقابل، تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى نزوح أكثر من 25 ألف لبناني من الجنوب نتيجة هذه الضربات العسكرية.

وبدا خلال المواجهات العسكرية أن كلا الجانبين متمسكان بقواعد الاشتباك غير المعلنة التي بموجبها لا يشعل أي منهما حرباً جديدة. فقد ضرب حزب الله مواقع عسكرية وأهدافاً يعتبرها أراضٍ لبنانية خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، في حين قصفت إسرائيل أهدافاً مرتبطة بحزب الله على بُعد ثلاثة كيلومترات من الحدود.

ولكن بعد مرور حوالي شهر على بدء تلك الحرب، وتحديداً في 11 نوفمبر الجاري، طرأت تطورات جديدة؛ فللمرة الأولى، تضرب إسرائيل مسافة 40 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية، بهدف إصابة قاذفة صواريخ أرض جو إيرانية من طراز (SA-67)، والتي يحاول حزب الله استخدامها لإسقاط المُسيّرات الإسرائيلية. كذلك بدا أن الجيش الإسرائيلي يحاول التخلص من المواقع التابعة لقوة كوماندوز "الرضوان" التابعة لحزب الله.

وفي 12 نوفمبر، أدى هجوم صاروخي لحزب الله إلى سقوط وإصابة عدد من العاملين في شركة الكهرباء الإسرائيلية. كذلك أشارت تقارير إلى أن الجيش الإسرائيلي وزّع منشورات في جنوب لبنان تدعو السكان إلى التحرك شمالاً؛ في إشارة إلى أن هناك تصعيداً آخر في الأفق.

وأعقب هذه التطورات تصاعد في لهجة التهديد الرسمي الإسرائيلي، إذ قال وزير الدفاع، يوآف غالانت، يوم 11 نوفمبر: "إذا سمعتم أننا هاجمنا بيروت، فاعلموا أن نصر الله تجاوز الخط الأحمر". وفي 14 نوفمبر، حذّر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، حزب الله من "اختبار إسرائيل"، مُعتبراً أنه بذلك سيرتكب "خطأ حياته"، وأكد أن تعليماته للجيش الإسرائيلي هي "الاستعداد لأي سيناريو".

وما أوحى بتصاعد الأحداث في جنوب لبنان، كان تصريح قائد بعثة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" الجنرال أرولدو لاثارو، في 14 نوفمبر، حول "قلقه العميق" إزاء الوضع في جنوب البلاد واحتمال وقوع "أعمال عدائية أوسع نطاقاً وأكثر حدّة".

مخاوف إسرائيلية: 

ما زالت التقديرات الغربية والإسرائيلية متمسكة باستنتاجها الرئيسي، بأن حزب الله غير معني بتصعيد المواجهة العسكرية مع إسرائيل، بل يرغب في وضعها في حدود واضحة، بما يجبره وإسرائيل على شن سلسلة من الردود العسكرية المتبادلة المحسوبة والدقيقة.

ولكن في الوقت نفسه، ترى الباحثة الإسرائيلية، أورنا مزراحي، في تعليقها المنشور على موقع "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، أن حزب الله دائماً ما يسعى لفرض الغموض على استراتيجيته العسكرية وتصوراته حول المستقبل. فالحزب لديه القوة النارية اللازمة لتوسيع عملياته إلى حد كبير. فوفقاً للتقديرات الإسرائيلية، يملك حزب الله حوالي 150 ألف صاروخ وقذيفة، لديهم القدرة على الوصول إلى عمق إسرائيل.

فيما يرى محلل الشؤون العسكرية بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عاموس هارئيل، أن استمرار العمليات العسكرية في الشمال، يجعل احتمالات التصعيد قائمة دائماً، بسبب احتمالات تبدل الحسابات العسكرية في أي وقت، وتزايد خطر "سوء التقدير" في الساحة الشمالية. وهو ما يظهر جلياً في تفاوت مستوى التوتر والمواجهات العسكرية. فبعد التطورات غير المسبوقة التي شهدها يومي 11 و12 نوفمبر، كما سبق ذكرها، تراجع مستوى المواجهات إلى ما كان عليه الوضع قبل 11 نوفمبر، ولكن في مساء يوم 17 وفجر يوم 18 نوفمبر، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض دفاعاته الجوية لصاروخ أرض جو من لبنان استهدف مُسيّرة تابعة له، بينما أكد حزب الله إسقاط هذه المُسيّرة، والتي كانت من طراز "هيرميز 450" ‏متعددة المهام. بجانب استهداف الحزب لتجمعين من الجنود الإسرائيليين في محيط موقع الراهب ومحيط موقع المطلة في جنوب لبنان بطائرتين مُسيّرتين وإيقاع 4 إصابات بين صفوفهم.

صحيح أن تلك التطورات العسكرية ما زالت دون مستوى التصعيد المطلوب لإشعال حرب جديدة، ولكنها بدأت تأخذ مساراً تصاعدياً متفاوت الشدة، يستنزف القوة الإسرائيلية، ويُسبِّب لها الكثير من الارتباك. فهناك تخوف في إسرائيل من أن الجيش على الجبهة اللبنانية لا يسيطر فعلياً على وتيرة التصعيد. ويشير عاموس هارئيل إلى أن عدم سيطرة إسرائيل على الجبهة الشمالية منح حزب الله الحرية لإطلاق ليس فقط قذائف الهاون، بل أيضاً مجموعة واسعة من الأسلحة مثل المُسيّرات الهجومية، وصواريخ الكاتيوشا، والصواريخ المُضادة للدبابات؛ وهو ما يؤثر سلباً في الجيش الإسرائيلي، وفق رؤيته.

إن حالة الارتباك وعدم اليقين قد تدفع إسرائيل إلى شن "هجوم وقائي"، بدلاً من انتظار حدوث هجوم لبناني مماثل لما حدث في السابع من أكتوبر الماضي، سيكون حينها، من وجهة النظر الإسرائيلية، أكثر كارثية في نتائجه. ويشير محللون عسكريون، ومنهم أنشيل فيفر، إلى أن الحديث عن "هجوم وقائي" هو حديث جدي داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حالياً، وتحدث في مقاله المنشور في صحيفة "هآرتس" عن أن تركيز الجهود العسكرية الإسرائيلية على الجبهة اللبنانية هو أحد الخيارات القائمة حالياً داخل تل أبيب، سواءً في أعقاب إنهاء حرب غزة أم بالتوازي معها.

إجمالاً، يمكن القول إن التطورات العسكرية في جنوب لبنان ربما نقلت المشهد هناك إلى "حافية الهاوية"، وجعلت من "الحرب أو التصعيد الشامل" خياراً محتملاً، بالرغم من تعارضه مع الحسابات السياسية لكلا الطرفين. ولكن استمرار المواجهات، وتزايد الضغوط على حزب الله، وارتباك أفكار نتنياهو للخروج من مأزقه الحالي بأقل قدر من الخسائر على صعيد مستقبله السياسي؛ قد يُبدِّل الحسابات السياسية لكلا الجانبين.