أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

رسائل متعددة :

أبعاد دعوة الفياض لاستنساخ الحرس الثوري الإيراني في العراق

11 أغسطس، 2021


صرح رئيس "هيئة الحشد الشعبي" العراقي فالح الفياض في 8 أغسطس، خلال لقائه القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، في طهران بأنهم "فخورون بنموذج الحرس الثوري الإيراني، وأنه من الواجب استخدام تجربة الحرس وفقاً للقوانين والخصائص العراقية"، في إشارة إلى إمكانية استنساخ تجربة الحرس في العراق، وتشكيل "حرس ثوري عراقي".

وفي المقابل، أكد سلامي أن "الكلمة الأساسية تقال في الميدان دوماً والقدرات السياسية الحقيقية هي القدرات الميدانية، وأداء الحشد الشعبي رائع جداً في هذا الميدان وستتوسع قدراته كقوة دفاعية وجهادية ذات أهداف كبيرة".

وتكشف هذه التصريحات ليس فقط عن رغبة إيران في إقامة جيش موازٍ للجيش العراقي، على غرار حزب الله اللبناني، والحوثيين اليمنيين، ولكن كذلك محاولة توحيد الجماعات كافة المنضوية تحت مسمى الحشد الشعبي في إطار تنظيمي واحد. 

بيئة إقليمية ودولية متغيرة:

جاءت الدعوة لتأسيس الحرس الثوري العراقي في سياق إقليمي ودولي يشهد متغيرين أساسيين وهما: 

1- الانسحاب الأمريكي من العراق: لا شك أن انسحاب القوات الأمريكية المقاتلة من العراق نهاية العام الحالي 2021، وفق ما أفضت إليه الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، قد تستتبعه زيادة النفوذ الإيراني في العراق.

وفي سبيل ذلك، كرست إيران من زياراتها المعلنة وغير المعلنة في سبيل ملء الفراغ الأمريكي المرتقب على المستويات كافة. فعلى سبيل المثال، أعلن الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني عن إنشاء خط سكك حديد يربط بين إيران والعراق وسوريا في مايو الماضي، كما جاءت زيارة وزير الأمن الإيراني حمود علوي، إلى العاصمة العراقية بغداد في 14 يوليو الماضي، ولقائه الرئيس العراقي برهم صالح، من أجل بحث ملفات التنسيق الأمني بين البلدين، وهي كلها مؤشرات على إبداء المسؤولين الإيرانيين حرصهم على تعزيز التعاون مع العراق على المستويات كافة. 

2- تولي رئيسي رئاسة إيران: لا يتوقع أن يؤدي وصول الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي إلى سدة الحكم في طهران إلى حدوث تحول جديد في الدور الإيراني في العراق، نظراً لأن المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني، هما اللذان كانا يديران هذا الملف، ولذلك، فإن سياسات رئيسي سوف تواصل دعم سياسة المرشد القائمة على محاولة إخراج القوات الأمريكية من العراق.

ومن أجل تجنب استهداف واشنطن، أعلنت ميليشيات شيعية مغمورة مسؤوليتها عن تنفيذ عمليات ضد القوات الأمريكية، ولكن في حقيقة الأمر لم تكن هذه الميليشيات سوى واجهة لميليشيات الحشد الشعبي، مثل كتائب حزب الله العراقي وغيرها. وبالتالي، فإن الإعلان عن الحرس الثوري العراقي يمثل استكمالاً لاستراتيجية طهران نفسها الرامية إلى الهيمنة على العراق عبر ميليشيات عقائدية تنضوي تحت الحرس الثوري ويكون ولاؤها لطهران.

دلالات الدعوة لحرس ثوري عراقي:

تكشف زيارة فالح الفياض في هذا التوقيت لطهران ولقائه سلامي، وكذلك التصريحات التي صدرت عنهما عن عدد من الدلالات، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- محاولة إدامة النفوذ الإيراني على بغداد: تسعى طهران إلى تأكيد نفوذها في العراق، وعلى إطالة هذا النفوذ، خاصة العسكري. وتدرك طهران جيداً أن نفوذها في العراق يواجه تحديات غير هينة، وهو ما يتضح من التظاهرات "الشيعية" الغاضبة في العراق ضد إيران خلال العامين الماضيين، والتي جاءت أبرز شعاراتها "إيران برا برا"، بالإضافة إلى حرقها قنصليات إيران في العراق، في تعبير عن حجم الاستياء الشعبي من الدور الإيراني السلبي، ومن طبقة السياسيين المرتبطين بإيران في بغداد.

ولذلك أكد الفياض لسلامي أن "القوى السياسية الحقيقية هي القوى الميدانية"، أي تلك التي تتمتع بميليشيات مسلحة، وهو ما يعني أنه لا قيمة للقوى السياسية والمتظاهرين وقوى الشباب المعادية للنفوذ الإيراني على بغداد. 

كما أنه يعد مؤشراً سلبياً على أنه في حال تراجعت الأصوات التي قد تحصل عليها القوى السياسية المرتبطة بالحشد الشعبي في الانتخابات العراقية المبكرة المقرر لها أكتوبر القادم باستخدام سلاح الترهيب والرشاوى الانتخابية، فإن طهران سوف تتجه للتعويل على القوة المسلحة لضمان استمرار نفوذها على بغداد.

2- إحباط سياسات الكاظمي الإقليمية: يسعى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى تبني سياسة تقوم على تجنيب العراق أن يتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بين إيران والولايات المتحدة، كما يسعى إلى إقامة علاقات اقتصادية متوازنة مع الدول العربية.

ويتضح ذلك من دعوة الكاظمي لقمة دول الجوار الإقليمي، وكذلك من سعيه للتعاون الاقتصادي مع مصر والأردن، عبر ما يعرف باسم "المشرق الجديد"، وبحث إمكانية استيراد الكهرباء من دول الخليج العربية، عوضاً عن الاعتماد على إيران في هذا الإطار.

وتبدى إيران قلقاً من هذه التوجسات، وتعارضها ميليشياتها صراحة، نظراً لما قد يترتب عليها من إضعاف لنفوذ طهران الاقتصادي على العراق، ولذلك فإن الدعوة للحرس الثوري العراقي تستهدف تأكيد سطوة إيران على بغداد عسكرياً، ومحاولة امتلاك أدوات تهديد لأي حكومة عراقية قادمة تخالف توجهات إيران.  

3- قلق إيراني محتمل من الدور المصري: زار وزير الدفاع العراقي الفريق جمعة عناد سعدون القاهرة في 7 أغسطس، حيث سلم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رسالة من نظيره العراقي مصطفى الكاظمي، تتحدث حول مواجهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية.

كما تناول اللقاء التباحث بشأن التعاون الثنائي العسكري بين البلدين، بما في ذلك برامج التدريب المشتركة وتبادل الخبرات ورفع القدرات. ويجيء هذا التطور في الوقت الذي تتجه فيه واشنطن إلى تقليص دورها في العراق عبر تحويل دور قواتها من أدوار قتالية إلى أدوار استشارية. وتخشى بغداد من أن يؤدي فشل القوات العراقية في توفير الأمن للقوات الأمريكية في مواجهة هجمات الحشد الشعبي إلى دفع الجيش الأمريكي للمغادرة.

ولعل الكاظمي يتجه للاستفادة من التعاون العسكري مع مصر، لرفع قدرات القوات العراقية، ولتعزيز قوة الجيش العراقي في مواجهة الحشد الشعبي. وقد يكون هذا التطور أقلق إيران، ودفعها للرد عليها في اليوم التالي مباشرة عبر زيارة الفياض لطهران ولقائه سلامي. 

4- رفض التفاوض على النفوذ الإقليمي: تسعى طهران من الإعلان عن تشكيل الحرس الثوري العراقي التأكيد أنها سوف تتجه خلال المرحلة المقبلة لتعزيز نفوذها في العراق، وأن نفوذها الإقليمي لن يكون محمل تفاوض. 

فقد أكدت واشنطن أنها سوف تسعى إلى ضم بنود في الاتفاق النووي الحالي، الذي يجري التفاوض حوله في فيينا ينص على التفاوض في مرحلة تالية على برنامج إيران الصاروخي، وملف نفوذها الإقليمي، وبالتالي فإن الدعوة لتأسيس الحرس الثوري تهدف إلى تجاوز هذه المحاولات الأمريكية، وفرض أمر واقع جديد. 

تحديات استنساخ الحرس: 

تواجه إيران محاولة إقامة الحرس الثوري العراقي عدد من التحديات التي يمكن توضيحها في التالي: 

1- رفض حشد المرجعية: تواجه إيران في مسعاها لتأسيس الحرس الثوري العراقي مشكلة انقسامات الميليشيات الشيعية المسلحة بين تلك الموالية لإيران وتلك الموالية للمرجعية. وكان آخر هذا الانقسام رفض "حشد المرجعية"، المقرب من المرجع الديني الشيعي، علي السيستاني، المشاركة في الاستعراض العسكري لقوات الحشد الشعبي الموالية لإيران في أواخر يونيو 2021.

2- تعدد قيادات الحشد الشعبي: تتعدد قيادات ميليشيات الحشد الشعبي، وتعاني انقسامات داخلية، وقد تواجه إيران إقامة مشكلة مقاومة بعض قيادات الحشد الشعبي لمحاولة إيران إقامة إطار تنظيمي متماسك، وفرض قائد جديد عليها، على غرار الحرس الثوري.

3- اختلاف القوى الإيرانية المؤثرة في العراق: كان قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، يحتكر إدارة الملف العراقي، في حين أنه بعد تصفيته، صار هذا الملف يدار بأكثر من شخصية. ولعل أبرزها قائد فليق القدس "إسماعيل قاآني"، والذي زار العراق خلال العام الحالي ست مرات، ومدير الاستخبارات في فيلق القدس، حسين طائي، وكذلك قائد الحرس حسين سلامي. وليس من الواضح ما إذا كانت هذه الجهات تتفق سياستها تجاه العراق، أم أنها قد تشهد بعض الانقسامات، بما يؤثر على السياسة الإيرانية حيال العراق. 

وفي الختام، يمكن القول إن جهود إيران سوف تلاقي تحدياً من محاولتها لإقامة الحرس الثوري العراقي، خاصة في ظل الرفض المتوقع لذلك من جانب حشد المرجعية، وكذلك القوى السياسية التي ترفض الانصياع لتوجهات إيران على غرار التيار الصدري، بالإضافة إلى صعوبة إخضاع مختلف الجماعات المندرجة تحت الحشد في إطار تنظيمي واحد.