أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

أوراق ما بعد الحرب:

كيف تدير الأطراف السورية الصراع على الموارد؟

20 سبتمبر، 2017


يتهاوى "داعش" في سوريا بصورة متسارعة، ومعه تشتد حدة الصراع بين ثلاثة أطراف على الموارد الاقتصادية التي ستكون متاحة بعد انهيار التنظيم، هي: النظام السوري بدعم من روسيا وإيران وحزب الله، والقوات الكردية بدعم أمريكي ومساندة من قبل بعض الفصائل العربية، وأخيرًا فصائل المعارضة السورية خصوصًا تلك المرتبطة بتركيا وهم الأقل حظًّا في هذه المعركة، وذلك لغياب الدعم العسكري، والأهم غياب رؤية استراتيجية مركزية كما هو حال الطرفين الآخرين، فضلًا عن تحجيم دور تركيا من قبل روسيا والولايات المتحدة، مما قَيَّد من قدرتها على النشاط العسكري داخل سوريا.

تقسيم تركة "داعش":

تُعد السيطرة على الموارد الاقتصادية أحد الأنماط البارزة والمألوفة المصاحبة للحروب الأهلية. فعلى سبيل المثال، أشار عدد من الباحثين في كتاب "الاقتصاد السياسي للنزاع المسلح" (The Political Economy of Armed Conflict) إلى أن الفاعلين الأساسيين في الحروب الأهلية يستطيعون بعد فترة قصيرة من اندلاع الحرب تمويل أنفسهم ذاتيًّا.

 ويؤثر التمويل الذاتي على مسار الحرب، وقوة الأطراف، ومستقبلها السياسي؛ إذ إن السيطرة على الموارد تُمكِّن كل طرف من مواصلة القتال، وتقليل حجم الاعتماد على الدعم الخارجي، وبالتالي التمتع بدرجة أعلى من الاستقلالية، والقدرة على مواجهة الضغوط السياسية للأطراف الداعمة، كما تحفز الطبقات الاقتصادية النافذة التقليدية أو الناشئة خلال الحرب، والأطراف السياسية المرتبطة بها، للاندفاع للسيطرة على تلك الموارد التي تُشكِّل فرصة للاستثمار وجني المكاسب في المستقبل. وهو ما ينطبق على الحالة السورية التي يسعى كل طرف خلالها للسيطرة على المناطق الغنية بالموارد الاقتصادية في ظل التفتت الشديد الذي تعيشه البلاد، وخضوعها لأطراف سياسية-عسكرية متعددة.

وبالرغم من حفاظ سوريا على حدودها، وعدم حدوث تقسيم فعلي، حيث ترفضه جميع الأطراف بما فيها أمريكا وروسيا؛ إلا أنه أصبح من الصعب عودة الدولة المركزية لاحتكار استخدام القوة، والسيطرة على كامل الجغرافيا السورية.

ويسعى النظام السوري لإعادة موارده إلى الوضع الذي كانت عليه قبل نشوب الحرب الأهلية؛ فقد تراجع حجم إنتاج النفط بسبب خروج عدد كبير من آبار النفط عن سيطرته، بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي لحق بتلك الخاضعة له أو التي استعادها. فعلى سبيل المثال، انخفض إنتاج النفط الخام في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في عام 2014 إلى 9 آلاف برميل يوميًّا، بعدما كان الإنتاج يُقدَّر بحوالي 386 ألف برميل يوميًّا في عام 2010، كما وصل الإنتاج السوري من الفوسفات قبل الحرب إلى نحو 3,5 ملايين طن من الفوسفات سنويًّا، و21 مليون متر مكعب يوميًّا من الغاز الطبيعي، كما قُدِّرت مساهمة الإنتاج الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي بنحو ٢1,7% بحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد الصادر عن صندوق النقد العربي في عام 2010.

وتعيش المعارضة السورية حالة انقسام مزمنة تهدد استمرار قدرتها على السيطرة على مناطقها في المستقبل، في حين تتمتع "قوات سوريا الديمقراطية" بقيادة مركزية ورؤية استراتيجية، ويحظى كل منهما بدعم سخي من أطراف خارجية تحفزهما للتنافس على انتزاع تركة تنظيم داعش. وفي إطار اتجاه سوريا للتحول للنظام اللا مركزي، يسعى كل طرف للسيطرة على أهم الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من قبل تنظيم داعش لرفع قدراته وزيادة موارده الاقتصادية.

خريطة السيطرة على النفط:

استطاع تنظيم داعش السيطرة على ما يقارب 50% من مساحة سوريا حتى مطلع عام 2016 بحسب تقارير معهد دراسات الحرب الأمريكي، وتشمل تلك المساحة بصورة خاصة المناطق الغنية بالموارد الاقتصادية، كالنفط والغاز والأراضي الزراعية الخصبة في شمال البلاد، وشرقها، ووسطها. 

في المقابل، سيطر الأكراد على الأراضي التي كانت تتركز في الشمال الغربي مع جزء صغير من الشمال الشرقي، وسيطر النظام السوري بدوره على شرق البلاد والساحل وقسم من الجنوب والوسط، ويوضح ذلك حجم المكاسب المحتملة في الحرب التي تصاعدت من قبل جميع الأطراف ضد تنظيم داعش وبدعم سخي من دول إقليمية ودولية فغيرت خريطة السيطرة منذ ذلك الحين. 

ووفر التدخل العسكري الروسي في سوريا في شهر سبتمبر من عام ٢٠١٥ دعمًا كبيرًا ونوعيًّا للنظام السوري والميليشيات التي تقاتل إلى جانبه، وساعده ذلك في استعادة مناطق واسعة من المعارضة، وفي عقد اتفاقيات وقف إطلاق النار في عددٍ من المناطق بلغت ذروتها في اتفاق "مناطق خفض التصعيد"، وتراجعت حدة المعارك بين المعارضة والنظام السوري، ما مكّن الأخير من نقل قواته العسكرية من بعض الجبهات وحشدها في مناطق المواجهة مع داعش، كما تصاعدت جهود التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية في معركة القضاء على تنظيم داعش، ودخل الجميع في حالة سباق للسيطرة على مناطق التنظيم. 

وفي فبراير ٢٠١٦، استعادت قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على مناطق الشدادي والجبسة والهول في مدينة الحسكة، وسيطرت بذلك على الآبار النفطية فيها، وفي وقت سابق، كانت قد استطاعت السيطرة على حقول رميلان في أقصى شمال شرق سوريا، وعلى مصفاة الرميلان، فضلًا عن 25 بئرًا من الغاز في حقول السويدية بالقرب من حقل رميلان.

فيما استعادت قوات النظام السوري سيطرتها على مدينة تدمر شرقي مدينة حمص، وسيطرت بذلك على حقلي النفط والغاز "حيان، وجحار"، شمال غربي تدمر. ومع انتزاع مناطق واسعة في ريف حمص من قبضة داعش، عزز النظام السوري سيطرته على حقل "الشاعر" الذي كان يتبادل السيطرة عليه مع تنظيم الدولة الإسلامية طوال العامين الماضيين، وخلال العام الحالي ٢٠١٧، سيطر النظام السوري على حقل "جزل" النفطي وحقل "حايل" بريف حمص الشرقي. 

وبمجرد إعلان قوات سوريا الديمقراطية انطلاق معركة السيطرة على مدينة الرقة، معقل تنظيم داعش، في مطلع شهر يونيو الماضي، سرّعت قوات النظام من تقدمها العسكري في تلك المنطقة، وسيطرت في نفس الشهر على حقل "الثورة" النفطي بجنوب محافظة الرقة، كما استعادت السيطرة على محطة ضخ على طريق يربط بين مدينة الرقة وبلدتي سلمية وأثريا في محافظة حماة، ولا يبتعد الحقل المذكور سوى 14 كلم عن مطار الطبقة العسكري الواقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية مما يوضح حجم التنافس على الموارد.

وفي منتصف شهر يوليو 2017، تابعت قوات النظام تقدمها في ريف الرقة في سباق مع قوات سوريا الديمقراطية المنشغلة باستعادة المدينة، وسيطرت على حقل الديلعة النفطي في ريف الرقة الجنوبي الغربي، وتزامن ذلك مع سيطرتها على قرية زملة، ومحطة ضخ الزملة، وحقول غاز الزملة، وحقل نفط الفهد.

واليوم يتصارع الأطراف حول مدينة دير الزور وريفها، وهي مناطق غنية بالنفط، إذ أعلن النظام السوري في 9 سبتمبر 2017 السيطرة على حقل "التيم" النفطي في محور "السخنة - دير الزور"، وهو نفس الوقت الذي أعلنت فيه قوات سوريا الديمقراطية انطلاق العملية العسكرية للسيطرة على مدينة دير الزور الخاضعة لتنظيم داعش، فضلًا عن سيطرته على حقول نفطية هامة موزعة على ضفتي نهر الفرات وهي: العمر، والتنك، والورد، والجفرة، ومعمل غاز كونيكو، ومحطة نفط الخراطة.

صراعات ندرة الموارد:

يُشكك البعض في أهمية تلك الموارد الاقتصادية وفي إمكانية أن تتحول إلى محفز رئيسي للصراع بسبب محدوديتها؛ إذ تراجع إنتاج النفط والإنتاج الزراعي بصورة كبيرة جدًّا في العقد السابق لقيام الحرب الأهلية، وإذا كان تراجع الإنتاج النفطي عائدًا إلى ظروف طبيعية خارجة، فقد حدث انخفاض الإنتاج الزراعي في خضم التحولات الاقتصادية التي قادها النظام السوري خلال العقد السابق لاندلاع الحرب الأهلية، ويشمل ذلك سياسة انسحاب الدولة من تقديم الدعم للقطاع الزراعي، فضلًا عن سوء إدارة قطاع المياه وأزمة الجفاف، وهو ما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي وهجرة أعداد كبيرة من المزارعين إلى المدن. 

وفاقمت الحرب من خسائر قطاعي النفط والزراعة إذ تعرضت البنية التحتية لقطاع النفط لتدمير كبير، لا سيما مع الضربات الجوية المكثفة للولايات المتحدة، وهو ما يحتاج إلى جهد كبير وأموال طائلة، واستقرار سياسي نسبي لعودة الطاقة الإنتاجية إلى ما كانت عليه، كما تعرض القطاع الزراعي لدمار وخسائر كبيرة بحسب تقارير منظمة الزراعة والغذاء (الفاو)، وبرنامج الغذاء العالمي.

وفي المجمل، إن استعادة السيطرة على تلك الموارد ربما لا يؤدي إلى نُقلة نوعية في قدرات كل طرف، كما أنه لن يساعد في إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية وتخفيف حدة الفقر والبطالة إلا بمستويات محدودة للغاية، ومع ذلك، تبقى تلك السيطرة شديدة الأهمية بالمنظور النسبي انطلاقًا من أن الصراع بين هذه الأطراف سوف يمتد للمستقبل حتى لو انتهت الحرب وتأسست دولة جديدة لا مركزية، فمهما تكن محدودية هذه الموارد الاقتصادية بالنظر إلى مستوى الاقتصاد الكلي فإن حرمان المنافس منها في دولة لا مركزية هو أكثر أهمية من قيمتها المطلقة، حيث تكتسب الموارد الاقتصادية بُعدًا سياسيًّا يرتبط بالصراع على السلطة، أو بالهيمنة في ظل دولة لا مركزية يبدو أنها الاحتمال الأقرب لمستقبل سوريا السياسي.