أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

اتجاه متصاعد:

تبعات استهداف التنظيمات الإرهابية للمنشآت الاقتصادية بالمنطقة

15 نوفمبر، 2016


تزايدت وتيرة الحوادث الإرهابية التي تتعرض لها المنشآت الاقتصادية بمنطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة، وذلك بالتزامن مع تصاعد حدة التوترات الأمنية التي تجاوزت دول الأزمات لتمتد إلى دول أخرى بالمنطقة. ففي دول مثل تركيا ولبنان تعرضت القطاعات الرئيسية بها –مثل القطاع السياحي، والمالي، والنفطي- لسلسلة من الهجمات المتكررة من قبل التنظيمات الإرهابية والمسلحة.

ويبدو أن تلك التنظيمات تسعى من خلال ذلك إلى تحقيق هدفين رئيسيين: يتمثل أولهما في الإضرار بالخصم وتكبيده خسائر اقتصادية كبيرة، ويتصل ثانيهما بممارسة ضغوط من أجل تحقيق نتائج بعينها أو تغيير المواقف المعارضة لمصالحها ونفوذها. ومن شأن مجمل الحوادث الإرهابية التي تطال القطاعات الاقتصادية السابقة أن تؤدي إلى تراكم الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها دول الإقليم منذ عام 2011. 

نماذج الاستهداف:

في الآونة الأخيرة، تعرضت المنشآت والمرافق الاقتصادية بدول الإقليم لسلسلة من الهجمات الإرهابية المتكررة، وتتمثل أبرز القطاعات المتأثرة في:

1- القطاع المالي: تعد محاولة استهداف البنك المركزي اليمني عقب نقله إلى عدن منذ سبتمبر 2016 أبرز الهجمات الإرهابية التي طالت المنشآت الاقتصادية في الأشهر الأخيرة. فقد تعرض مقر البنك الجديد لانفجار عبر سيارة ملغومة في أواخر أكتوبر 2016. 

كما تعرض بنك لبنان والمهجر في بيروت، في يونيو 2016، لعملية تفجير بسيارة ملغومة بالقرب من موقعه، وهو ما يتزامن مع بدء تنفيذ البنوك اللبنانية قانون حظر التمويل الدولي لحزب الله في إبريل 2016، والذي يقضي بتتبع وتجفيف مصادر تمويل الحزب بدول العالم كافة، ومن بينها لبنان بطبيعة الحال، وهي المركز الرئيسي لأنشطة الحزب. 

2- قطاع النفط: ويعد أحد القطاعات الرئيسية التي تأثرت بشدة بالتوترات الأمنية بالدول المنتجة للنفط على غرار ليبيا والعراق وكذلك اليمن. ففي إطار الصراع العسكري الذي تشهده ليبيا واليمن منذ أعوام، تضررت المنشآت النفطية نتيجة للهجمات المتكررة من قبل بعض أطراف الصراع أو التنظيمات الإرهابية.

ففي غضون الأشهر الأولى من عام 2016، تعرض ميناءا السدرة ورأس لانوف الليبيان -قبل السيطرة عليهما من جانب قوات الجيش الوطني الليبي- لهجمات متكررة من قبل تنظيم "داعش" بحسب شواهد عديدة، وبما تسبب في انفجار خزانات النفط وخطوط أنابيب النفط الواصلة بمصافي النفط بالبلاد. بينما تعرض خط أنابيب النفط الرئيسي الذي يربط بين المصفاة ومحطة الخام في عدن لأضرار كبيرة جراء عبوة ناسفة وذلك في يناير 2016.

وعلى مستوى تهديدات عمليات نقل النفط، واجهت تركيا في الأشهر الأخيرة من العام الجاري سلسلة من العمليات التفجيرية التي طالت خط أنابيب لنقل الغاز من إيران إليها. فيما تعرض خط أنابيب "شاه دنيز" الذي ينقل الغاز الطبيعي من أذربيحان إلى تركيا في عام 2015 بدوره لتفجير آخر. 

3- قطاع النقل والطيران: كان قطاعا النقل والطيران هدفين رئيسيين للتنظيمات الإرهابية والمسلحة في دول المنطقة، مثل مطار أتاتورك باسطنبول الذي تعرض لانفجار في يونيو 2016 من قبل "حزب العمال الكردستاني" حسب ما تشير بعض الاتجاهات، في حادثة تبدو نقلة نوعية في تنفيذ هجمات ضد المنشآت الاقتصادية بالبلاد.

وكتهديد جديد لقطاع النقل البحري بالمنطقة، تعرضت ناقلة للغاز الطبيعي المسال تابعة لمجموعة "تيكاي" للشحن لتهديد قبالة سواحل اليمن. وحسبما ترجح بعض الشواهد، واجهت الناقلة هجومًا بعدة قذائف صاروخية من قبل قراصنة قرب جزيرة ميون الواقعة على بعد 14 كلم من ساحل جنوب اليمن، وهو ما يتزامن مع تزايد التوتر بممر الملاحة البحرية بباب المندب في أعقاب استهداف الحوثيين للمدمرة الأمريكية "يو أس أس ميسون" في الأسبوع الثاني من أكتوبر 2016. 

سمات متباينة:

واقع الأمر إن طبيعة الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها المنشآت الاقتصادية تتسم بالتباين الشديد بناء على تفاوت التكتيكات المستخدمة والقطاعات المستهدفة، علاوة على درجة تكرار الهجمات نفسها، بشكل يؤدي إلى إحداث أضرار متفاوتة، وهو ما يمكن تناوله في الآتي:

1- معدل التكرارية: تشير تطورات الصراع بالإقليم منذ عام 2011 إلى أن قطاعي النفط والسياحة هما أكثر القطاعات التي تعرضت لهجمات إرهابية، ويرجع ذلك إلى سبب رئيسي وهو أن القطاع النفطي يُعد نشاطًا رئيسيًّا بدول الصراع، أو يُعتبر المورد الوحيد بها على غرار ليبيا أو اليمن، وهو ما يمثل حافزًا لتلك التنظيمات، إما للسيطرة على الموارد النفطية، أو لإلحاق الضرر الأكبر بها لتكبيد الخصم خسائر كبيرة.

2- تكتيكات مختلفة: من دون شك فإن آثار الهجمات الإرهابية تتوقف على محددات عدة، كطبيعة القطاع ذاته، أو التكتيكات المستخدمة، أو أهداف العملية. وانطلاقًا من هذه المحددات، يمكن القول إن القطاعين النفطي والسياحي هما أيضًا الأكثر تأثرًا بهذه الهجمات، إذ أن استخدام تكتيكات عالية المخاطر كإطلاق النيران أو المتفجرات وغيرها يسبب أضرارًا كبيرة بالمنشآت النفطية بما فيها خطوط الأنابيب.

وباستخدام تكتيكات أعلى خطورة كالقذائف الصاروخية، فإن ذلك -من دون شك- يُعد عاملا أكثر تهديدًا للقطاع الملاحي بباب المندب، وبالتالي قطاع النقل البحري.

مصفوفة العمليات الإرهابية الموجهة ضد المنشآت الاقتصادية بالمنطقة


ونظرًا لحساسية القطاع السياحي لأية حوادث، فإن استخدام أية تكتيكات لتنفيذ العمليات الإرهابية مهما انخفضت درجة خطورتها، يتسبب في تراجع القطاع السياحي بشدة على غرار ما يحدث بالنسبة للقطاع السياحي التركي. 

أسباب متشابكة:

تتداخل الأسباب المؤدية إلى استهداف المنشآت والمرافق الاقتصادية، وذلك على النحو التالي:

1- الضغط السياسي: في إطار النزاع اليمني الراهن، من الواضح أن هدف المحاولة الفاشلة لاستهداف البنك المركزي بعد نقله بفترة قصيرة إلى عدن هو تهديد البنية التحتية الجديدة للبلاد، فضلا عن توسيع دائرة الصراع لتشتيت جهود الحكومة الشرعية من خلال تنويع محاور الصراع.

وبعبارة أخرى، يمكن القول إن استهداف البنك يُمثل إشارة صريحة بأن محاولات الاستقلال المالي التي تبذلها الحكومة الشرعية لن تكون بمنأى عن الحرب الدائرة في اليمن، وبالتالي لن تكون المواجهة فقط عبر رفض توريد الضرائب والموارد المالية في تلك المناطق إلى البنك المركزي في عدن.

أما في لبنان، ففي أعقاب حادث تفجير بنك المهجر، كشفت بعض الاتجاهات عن تورط حزب الله في العملية من أجل الضغط على القطاع المصرفي لعدم التشدد أو التحيز في تطبيق بنود القانون الأمريكي الخاص بحظر تمويل الحزب، لا سيما بعد أن قامت بعض البنوك اللبنانية بإغلاق حسابات بعض عناصر الحزب، والشركات والمؤسسات الخيرية التابعة لها.

2- الإضرار بالخصم: من دون شك فإن أحد الأهداف الاستراتيجية الأساسية للعمليات الإرهابية يتمثل في إلحاق الخسائر بالخصم على مستويات عديدة، بحيث لا يقتصر مداها على مجرد الأهداف المحددة من قبل التنظيمات الإرهابية، وإنما تمتد تبعاتها إلى كافة المجالات أو القطاعات الأخرى. وهذا الهدف يبدو جليًا من خلال ديناميات الصراع الحالي بين الحكومة التركية و"حزب العمال الكردستاني"، الذي يستهدف بشكل متكرر عدة قطاعات اقتصادية قد يكون لها مردود سلبي على الاقتصاد التركي. 

وفي هذا السياق، فقد كانت العمليات الإرهابية التي وقعت في بعض المدن السياحية التركية منذ الأشهر الأولى في عام 2016 سبباً رئيسياً، من ضمن جملة أسباب، في التراجع الحاد لعدد السياح الأجانب بتركيا إلى 20.25 مليونًا خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2016 مقابل 30 مليون في الفترة نفسها من عام 2015. وبالإضافة لما سبق، فمن شأن الهجمات المتكررة التي تُصيب أنابيب النفط أن تؤثر على إمدادات النفط بالبلاد بشدة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى عرقلة عمل المنشآت الاقتصادية بانتظام.

تكاليف الاحتواء:

من الواضح إذن أن إلحاق الأضرار بالمنشآت والمرافق الاقتصادية يعد ظاهرة متصاعدة بالشرق الأوسط في الآونة الأخيرة. وربما يمكن القول إن الآثار السلبية التي يفرضها استهداف هذه المنشآت لا تقتصر على المدى القصير، وإنما تمتد إلى فترة زمنية طويلة، وذلك نظرًا لتعدد القطاعات المتضررة، بالإضافة إلى أن نطاق التأثير لا ينعكس فقط على الجوانب الاقتصادية، بل يمس كافة المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية.

وعلى ما يبدو فإن قدرة دول المنطقة على التصدي لهذه الهجمات ضعيفة بشكل عام في ظل حالة الهشاشة السياسية والأمنية بدول الأزمات من ناحية، أو امتداد تلك الأزمات إلى دول الجوار على غرار تركيا من ناحية أخرى. 

وبرغم ذلك، يبدو أن مستوى الاستجابة الدولية لبعض تطورات المشهد السابق يُعد عاملا حاسمًا لتقليص حدة هذه التهديدات، على غرار ما حدث عندما تدخلت القوات الأمريكية بشن ضربات صاروخية على ثلاث محطات رادار تابعة للحوثيين على سواحل اليمن، وذلك ردًّا على استهداف المدمرة "يو أس أس ميسون"، وهو ما يعد إشارة واضحة لردع أي مصدر تهديد للممر الملاحي بباب المندب، ومن ثم قطاع النقل البحري.

وختامًا، يُمكن الاستنتاج إذن بأن مستوى التهديدات التي تتعرض لها المنشآت الاقتصادية بالمنطقة بات متصاعدًا وأكثر تعقيدًا مما سبق، بما يستلزم تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لاحتواء هذه التهديدات بأقصى درجة ممكنة.