أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تعقيدات متعددة:

تحديات إعادة "العالقين" الشرق أوسطيين بعد تفشي "كوفيد-19"

27 أبريل، 2020


يواجه العالقون الذين ينتمون إلى دول عديدة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، حزمة من التحديات في اتجاه عودتهم من مناطق جغرافية مختلفة لأوطانهم، بعد تفشي فيروس "كوفيد-19"، تتمثل في قلة البيانات المتاحة عنهم، وضخامة مشكلات النظم الصحية الوطنية المستقبلة لهم، وتدهور الأوضاع الأمنية والصحية في المعابر الحدودية التي يتواجد بها العمال والسائقون منهم، ومحدودية الإمكانات المالية، والتخوفات من وجود إرهابيين ضمن تجمعاتهم، وتعدد جنسيات السائحين وترحيل الحاملين لجنسية مزدوجة منهم.

ويمكن القول إن ثمة توجهاً حاكماً لدى العديد من الحكومات في منطقة الشرق الأوسط يتعلق بمواصلة الجهود لإعادة العالقين، سواء الذين يعملون لفترة قصيرة أو يدرسون أو يقضون أوقاتاً للسياحة أو يخضون للعلاج الطبي في عدة دول حول العالم، وتقطعت بهم سبل العودة إلى أوطانهم، نتيجة إغلاق رحلات الطيران الجوية والمنافذ البحرية بعد تفشي فيروس "كوفيد-19"، وذلك وفقاً لخطط محددة، وبواسطة رحلات طيران استثنائية، وخريطة بالجداول الزمنية لعودتهم، ويتم إجراء التحاليل الفورية لهم، وتجهيز غرف الإقامة الطبية لإعاشتهم ووضعهم تحت الحجر الصحي لمدة 14 يوماً.

 غير أن هناك مجموعة من التحديات التي قد تعرقل عودة عالقي الشرق الأوسط، يمكن تناولها على النحو التالي:

بيانات غائبة

1- قلة البيانات المتاحة عن العالقين: وتمثل العقبة الأكبر لإعادة العالقين من الدول التي يوجدون فيها، وخاصة في حالة "ازدواج السلطة" داخل بعض الدول التي تشهد صراعات مسلحة بين فصيلين أو أكثر، إذ أن أقصى ما يمكن الوصول إليه هو تقديرات مبدئية لأعدادهم، فضلاً عن ضرورة دراسة التوزيع الجغرافي لهم، والمناطق المحددة لعودتهم. 

فقد قالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الموازية، في شرق ليبيا، في 18 إبريل الجاري، أن "الوزير عبدالهادي الحويج شدد على ضرورة الإسراع في جمع بيانات العالقين والتأكد من صحتها والتعاون مع المواطنين والرد على تساؤلاتهم لاستيفاء جميع بياناتهم، لاسيما بعد الأمر الذي وجهه المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني بسرعة تسيير جسر جوي لإعادة العالقين إلى ليبيا قبل حلول شهر رمضان".

في حين قال العميد خالد مازن عضو اللجنة العليا لمجابهة جائحة "كورونا"، التي شكلتها وزارة الصحة بحكومة الوفاق في غرب ليبيا، في اليوم نفسه: "إن لجاناً مختلفة ستجري كشفاً على كل العالقين الموجودين في أماكن الحجر في دول عدة بأخذ مسحة في بداية الحجر وأخرى بعد 14 يوماً، وبعدها سيتم إعادتهم إلى الأراضي الليبية"، مضيفاً: "إن هذه اللجان ستباشر عملها بداية من الغد، بالكشف الطبي على العالقين في كل من تركيا وتونس والقاهرة والإسكندرية"، معبراً عن أمله في أن يلتزم العالقون بفترة الحجر الصحي حفاظاً على سلامتهم وسلامة أهاليهم في ليبيا عند عودتهم.

مشكلات موروثة   

2- ضخامة مشكلات النظم الصحية الوطنية: يتعلق أحد التحديات الرئيسية التي تواجه إعادة العالقين بضعف أداء النظام الصحي في استقبال الحالات المختلفة، وخاصة الحرجة منها، على نحو ما تعبر عنه حالة العراق، حيث كشف وزير الصحة جعفر صادق علاوي في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 18 إبريل 2020، أن "نحو 6600 مواطن عراقي غالبيتهم من الطلبة يريدون العودة إلى البلاد بسبب تفشي وباء كورونا في الدول التي يقيمون أو يدرسون فيها"، مضيفاً أنه "تجري عملية إعادتهم وفق رحلات طيران منظمة حيث أعددنا كل ما يلزم لهم عند العودة من حيث إجراءات الفحص والإقامة في الفنادق التي تم تحضيرها لهذا السبب".

وذكر علاوي أن "الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها وزارة الصحة وبمؤازرة مجلس الوزراء هى التي حدت من تفشي وباء كورونا في البلاد وليس النظام الصحي العراقي"، لافتاً النظر إلى أنه "يعاني من مشاكل كثيرة موروثة من عهود طويلة"، وهو ما يعكس إدراك الحكومة بأن ثمة مشكلات ضاغطة يعاني منها النظام الصحي منذ عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين تعد عائقاً أمام استقبال العالقين من دول عدة.

حدود سائبة

3- تدهور الأوضاع الأمنية والصحية في المعابر الحدودية: وخاصة في الدول التي تشهد فراغاً أمنياً أو سيادة متعددة، إذ دعا كل من المرصد التونسي لحقوق الإنسان والهلال الأحمر الليبي، في 15 إبريل الحالي، إلى إجلاء المئات من العمال التونسيين العالقين على الحدود التونسية- الليبية على مقربة من معبر رأس جدير الحدودي، وتأمين عودتهم في ظل الظروف المتأزمة، سواء على الصعيدين الأمني أو الصحي، على نحو قد يعرض حياتهم للخطر، في ظل سعى الطرفين المتنازعين على السلطة في ليبيا (قوات الجيش الوطني وحكومة الوفاق) إلى السيطرة عليه، الأمر الذي دفع العمال التونسيين إلى إطلاق نداءات استغاثة تحسباً لبدء مواجهات عنيفة بين الطرفين.

ويأتي ذلك التخوف بعد استعادة قوات حكومة الوفاق مناطق ومدن بغرب ليبيا، خاصة مدينتى صبراتة وصرمان. وتجدر الإشارة إلى أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت عودة عدد من التونسيين من ليبيا، حيث تم تأمين وصولهم إلى أكثر من 20 ولاية، على نحو يعكس التنسيق بين الجانبين، وقضى البعض منهم مدة الحجر الصحي الإجباري في ولاية مدنين الحدودية التونسية. كما يعاني مجموعة من السائقين اللبنانيين عند معبر الخابور على الحدود التركية- العراقية منذ فبراير الماضي، بعد إغلاق السلطات التركية الحدود ضمن إجراءاتها الاحترازية لمواجهة "كوفيد-19".

أزمات مالية

4- محدودية الإمكانات: وهو ما يبدو جلياً في حالة اليمن خلال المرحلة الحالية، إذ أوضح د.سالم الخنبشي نائب رئيس الوزراء رئيس لجنة الطوارئ العليا لمواجهة فيروس "كورونا"، في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط" في 16 إبريل الجاري، أن "هناك أكثر من 20 ألف مواطن عالق في الخارج بسبب جائحة كورونا، والحكومة تعمل على إعادتهم تدريجياً للبلاد"، مضيفاً: "ذهب هؤلاء للعلاج أو غيره، وليست لديهم إقامات، بعضهم في السعودية والأردن ومصر والهند وغيرها، وسوف تعمل الحكومة لحل هذا الملف من 3 اتجاهات، منها العمل على توفير أماكن للحجر الصحي 14 يوماً للقادمين، وقد كلفنا المحافظات بتوفير ذلك، سواء باستئجار فنادق أو عمارات". وتمنى الخنبشي على الدول التي يوجد بها مواطنون يمنيون عالقون عدم الضغط بترحيلهم، نظراً للظروف التي تمر بها اليمن والمعاناة الإنسانية المتفاقمة، مبيناً أن "الإمكانات محدودة والحكومة تحاول بكل ثقلها لحل هذه الأزمة في أسرع وقت".

تسلل الإرهاب 

5- التخوفات من وجود إرهابيين ضمن تجمعات العالقين: أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في مقابلة تلفزيونية مع ثلاث وسائل إعلامية في 31 مارس الماضي، أن "بلاده لن تسمح بدخول جزائريين عالقين بتركيا قبل التحقق من هوياتهم فرداً فرداً"، موضحاً أن "السلطات الجزائرية أجلت رعاياها من تركيا يوم 20 مارس الماضي، بـ3 طائرات تابعة للخطوط الجوية الجزائرية و3 طائرات تابعة للخطوط التركية، وبلغ عددهم 1800 جزائري"، متسائلاً عن "مصدر العدد المعلن والذي وصل إلى 1850 شخصاً، لا يملك الكثير منهم جوازات سفر أو تذاكر سفر قديمة".

فعلى الرغم من اتفاق الرئيسين الجزائري عبدالمجيد تبون والتركي رجب طيب أردوغان على إجلاء الأتراك العالقين في الجزائر ونظرائهم الجزائريين العالقين في تركيا، على خلفية التدابير المتخذة لمكافحة فيروس "كورونا"، غير أن الجزائر تتخوف من إمكانية استغلال تركيا أزمة "كورونا" لإرسال عناصر متطرفة إلى أراضيها، ونقلهم بعد ذلك إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق. وقد أوضحت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان لها، أن "أعداد العالقين تزداد كل يوم بشكل يثير الريبة والتساؤل، خاصة أن الكثير منهم لا يحوز لا على تذاكر السفر ولا حتى على وثائق سفر رسمية".

هويات متنوعة  

6- تعدد جنسيات العالقين من السائحين: وقد ظهرت هذه الحالة مع رعايا أجانب كانوا متوجهين لرحلة سياحية منذ 11 مارس الماضي إلى جزيرة سقطري باليمن وجرى إلغاء رحلة عودتهم نظراً لتعليق الطيران ضمن الإجراءات الاحترازية لمواجهة "كوفيد-19". إلا أن الخطوات التي اتخذتها الإمارات أدت إلى إنهاء هذه المشكلة. إذ أعلن، في 16 إبريل الجاري، عن إجلاء 11 مواطناً من رعايا عدد من الدول تشمل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وجنوب أفريقيا وهولندا وسويسرا، وقال خالد عبد الله بالهول وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي: "تماشياً مع الجهود التي تبذلها دولة الإمارات في إطار تضامنها مع جميع الدول المتضررة من فيروس كوفيد-19، فقد قامت بإجلاء عدد من رعايا الدول الصديقة الذين كانوا عالقين في جزيرة سقطري، وتسهيل عمليات إعادتهم إلى بلادهم ولم شملهم بعائلاتهم".

وأكد بالهول أنهم "يحظون الآن برعاية صحية شاملة على أرض دولة الإمارات للتأكد من سلامتهم قبل عودتهم إلى بلدانهم"، مضيفاً: "إن هذه المبادرة الإنسانية تأتي بناءً على طلب من دول عدة، وانطلاقاً من السياسة الثابتة والتعاون البناء لدولة الإمارات مع حكوماتها". وذكر بالهول أن "الإمارات ملتزمة بتقديم جميع أشكال الدعم للدول والشعوب المتضررة من أزمة كوفيد-19 إدراكاً منها لأن التعاون متعدد الأطراف ضروري للمجتمع الدولي للتغلب على هذه الأزمة الإنسانية".

ازدواج الجنسية

7- ترحيل العالقين الحاملين لجنسية مزدوجة: وهو ما تعكسه بوضوح حالة المغاربة في هولندا، إذ صرح ناصر بوريطة وزير الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء المغربية، عقب اجتماع لجنة الخارجية والدفاع الوطني والأوقاف والشئون الإسلامية والجالية المغربية المقيمة بالخارج في مجلس النواب، في 24 إبريل الجاري، بأن "عودة المغاربة العالقين في الخارج بسبب الأزمة الصحية يجب أن تتم وفق الظروف المثلى، وأن هذه العودة حق غير قابل للنقاش"، مضيفاً أن "حق العودة طبيعي وغير قابل للنقاش، إلا أن ما هو طبيعي ليس بالضرورة ملائماً في هذا الظرف الاستثنائي".

وقال بوريطة أن "المغرب ترفض الانتهازية السياسية لدولة أوروبية (في إشارة إلى هولندا) بشأن ملف ترحيل المغاربة الحاملين لجنسية مزدوجة، في سياق أزمة فيروس كورونا المستجد"، مضيفاً أن "المغرب لا تعارض مبدأ عودة مواطنيها من ذوي الجنسية المزدوجة إلى بلدان الإقامة بسبب روابط مهنية أو اعتبارات أسرية أو صحية بعيداً عن كل خلفية سياسية"، وسجل الوزير المغربي أنه "إذا كانت بلجيكا قد انخرطت في هذا المنطق، فإن هولندا كان لها منذ البداية موقف مخالف وتمييزي تجاه المغاربة الحاملين للجنسية المزدوجة، قبل أن تطرح نفسها كمدافعة عن حقوقهم لدى الدولة المغربية".

وأوضح أن "هولندا لم تبد أى اهتمام بالمغاربة الحاملين للجنسية المزدوجة، خصوصاً منهم المقيمين بشمال المغرب، إلا بعد أن نظمت حوالي 30 رحلة لإجلاء رعاياها"، وهو ما يعكس انتهازية سياسية وفقاً لتصور الحكومة المغربية بشأن ترحيل الحكومة الهولندية للمغاربة مزدوجي الجنسية.

ملف ضاغط:

خلاصة القول، إن هناك ملفاً ضاغطاً على الحكومات سواء في الشرق الأوسط أو العالم، في مرحلة ما بعد انتشار "كوفيد-19"، يتعلق بعودة العالقين إلى أوطانهم، وذلك لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في ضعف توفير بيانات متكاملة عنهم، وتزداد حدة تلك الضغوط في ظل انقسام السلطة في بعض الدول مثل ليبيا، وتراكم مشكلات قطاع الصحة في العراق، وتدهور الأوضاع الأمنية على المعابر الحدودية بين تونس وليبيا وتركيا والعراق، وذلك بخلاف تحدي توفير موارد مالية لإعادة واستقبال العائدين في اليمن، وترحيل العالقين من حاملي جنسيتين مثلما هو الحال بالنسبة للهولنديين من أصل مغربي.