أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

مخاطر حادة:

كيف تصاعدت تهديدات "الأنفاق" في الشرق الأوسط؟

21 أبريل، 2018


تزايدت مضاعفات عدم الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، وبصفة خاصة خلال الثلث الأول من عام 2018، نتيجة انتشار شبكة الحفر أو الأنفاق الضخمة والطويلة على جانبى الحدود اللينة والمناطق النائية، والتي يصل بعضها إلى عشرات الكيلو مترات، وتستغلها الجماعات الإجرامية لتهريب الأفراد والأسلحة والمخدرات، وهو ما تشير إليه خريطة الأنفاق بين ليبيا وتونس، وتونس والجزائر، وتقوم التنظيمات الإرهابية بإنشاءها للتخفي من هجمات الجيوش النظامية وقوات التحالف الدولي.

وتعد الأنفاق أحد أهم الطرق التي يعتمد عليها تنظيم "داعش" في القتال داخل الأراضي العراقية، وأثبتت فعاليتها إلى حد كبير في مساعدة عناصره على الاختباء والتنقل بحرية وتخزين الأسلحة وتفجير الأنفاق في مواجهة الجيوش النظامية، وربما تعتمد عليها الفصائل المسلحة السورية لنقل السلع والوقود وحتى السيارات من دمشق إلى مدن أخرى مثل الغوطة الشرقية، وتضم مستودعات ذخيرة ومشافي ميدانية، وتوظفها بعض الحركات في تصويب الأهداف نحو مناطق الخصوم، على نحو ما تقوم به حركة "حماس" في مواجهة إسرائيل. 

حالات عاكسة:

ثمة مجموعة من المؤشرات الدالة على تصاعد تهديدات الأنفاق في منطقة الشرق الأوسط، خلال الآونة الأخيرة، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- إعلان الحكومة الإسرائيلية، في 16 إبريل الجاري، قيامها بتدمير نفق يمتد من قطاع عزة ويتخطى الحدود مباشرة، واعتبره وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان "النفق الأطول والأعمق" الذي تم كشفه حتى الآن، إذ يبدأ من جباليا شمال القطاع ويتجه نحو بلدة نحال عوز في إسرائيل، وهو خامس نفق يتم الكشف عنه خلال الأشهر الخمسة الماضية، حسب ما جاء على لسان المتحدث العسكري اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس، الذي قال للصحفيين: "تمكنا من رصده وتدميره بمثل ما سبق أن استخدمناه من وسائل". 

وأضاف: "لم نستخدم متفجرات وإنما تم سد فتحة النفق مما يجعله عديم الجدوى لفترة طويلة جدًا". ويعود ذلك إلى الوسائل التكنولوجية المتطورة التي تتبعها تل أبيب منذ حرب غزة في عام 2014 فضلاً عن بناء جدار تحت الأرض، الأمر الذي قد ينهي تهديد الأنفاق من غزة بحلول عام 2019. وفي هذا السياق، قال وزير شئون الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن "تهديد الأنفاق في طريق نهايته وسنواصل إزالة التهديدات على إسرائيل في كل الجبهات".

2- تسهيل تحركات العناصر الإرهابية من تونس إلى دول الجوار، وبصفة خاصة بين تونس وليبيا وتونس والجزائر، من خلال انتشار نمط الحدود الرخوة، حيث أعلن الكاتب العام لنقابة الأمن الجمهوري في تونس محمد علي الرزقي خلال جلسة استماع أمام لجنة التحقيق البرلمانية حول شبكات التجنيد المتورطة في تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر، في 16 إبريل الجاري، أن "الحرس الوطني كشف أخيرًا نفقًا يتجاوز طوله 70 كيلو مترًا بين تونس وليبيا، حفر وجهز لتسهيل دخول عناصر تنظيم داعش الإرهابي ومغادرة تونسيين إلى بؤر التوتر وربما العودة منه إلى أرض الوطن".

ولم يكن هذا التصريح بعيدًا عن الجدل العام الذي تشهده تونس، خلال الأعوام الماضية، بشأن ملف شبكات تسفير الشباب إلى مناطق الصراعات لدرجة أن كثيرًا من الأدبيات الغربية ترى أن تونس هى البلد المصدر الأول للمقاتلين. وفي هذا السياق، أعلن لطفي براهم وزير الداخلية أمام البرلمان، في 31 يناير 2018، أن "الأجهزة الأمنية فككت خلال عام 2017 أكثر من 40 شبكة متخصصة في التسفير و6 شبكات مسلحة وأكثر من 120 خلية استقطاب وأكثر من 180 خلية إرهابية". كما تم منع نحو 29 ألف شاب وفتاة يشتبه في اعتزامهم السفر إلى مناطق القتال في العام نفسه.

وطبقًا لاتجاهات عديدة، فقد نجحت شبكات التسفير في تحقيق ذلك بعد استقطاب عناصر أمنية فاسدة ساهمت في استخراج جوازات السفر لهؤلاء الشباب، غير أن هناك نفيًا لذلك الاتهام من جانب مهدي بوقرة المتحدث باسم النقابة العامة للحرس الوطني التونسي في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 18 إبريل الجاري، حيث قال: "إن الحديث عن اكتشاف أعوان الحرس الوطني لنفق يتجاوز طوله 70 كيلو مترًا يمر من تونس إلى ليبيا مجرد مغالطة كبيرة لا تمت للحقيقة بأى صلة"، وأضاف: "إن ترويج مثل هذه الادعاءات ليس سوى دليل على تأزم الأوضاع داخل وزارة الداخلية التونسية ومحاولة لضرب معنويات دولة كاملة".

3- إعلان الشرطة الإيطالية، في 10 إبريل الجاري، عن تفكيك شبكة لتهريب المهاجرين بين تونس وصقلية، طالت 13 مشتبهًا بينهم إيطاليون وتونسيون ومغربيون، ينتمي غالبيتهم إلى التيارات المتطرفة، بحيث يتم عبور أنفاق سرية عبر الحدود الجنوبية الشرقية المحاذية للحدود الغربية الليبية أو نقل الشبكة لتلك الأفراد مقابل 5 آلاف يورو للشخص الواحد، على زوارق بحرية لقطع المسافة بين شمال شرق تونس وتراباني غرب صقلية في مدى زمني لا يتجاوز أربع ساعات.

4- عثور القوات العراقية على شبكة أنفاق كان يستخدمها تنظيم "داعش" للتنقل بين منطقة وأخرى، في مدينة القائم ذات الحدود المشتركة مع سوريا، وقد تم تدميرها، وفقًا لما ذكرته عدة وسائل إعلامية، في 7 إبريل الجاري. وهنا تجدر الإشارة إلى أن القوات العراقية قد تمكنت من استعادة السيطرة على مدينة القائم، آخر معاقل "داعش" في الأنبار، في 3 نوفمبر 2017، ولا زالت عملية إزالة العبوات الناسفة والألغام والمخلفات المرتبطة بالتنظيم مستمرة.

5- عثور وحدات من الجيش النظامي السوري، في 2 إبريل الجاري، على شبكات من الأنفاق، خلال تمشيطها القرى والبلدات في الغوطة الشرقية من مخلفات الجماعات المسلحة، التي خرجت من المدينة مؤخرًا. فقد حفرت الأخيرة أنفاقًا لتربط دمشق بالغوطة الشرقية ومجهز بعضها بوسائل الإضاءة، بحيث تستخدم لجلب المواد الغذائية والطبية والوقود من دمشق لبيعها للسكان مقابل ربح مالي قد يتجاوز سعرها الحقيقي، أو قد تمهد لعبور السيارات أو الأفراد.

6- إعلان الجيش الأردني، في 17 فبراير 2018، إحباط مخطط لعمليات تهريب أسلحة ومخدرات وإرهابيين عبر شبكة خطوط أنابيب نفط قديمة (التايبلاين) على الحدود بين الأردن والعراق وسوريا وعبر مجموعة من الأنفاق التي تم تدميرها وإخراج خط الأنابيب فوق سطح الأرض والذي كان يمكن أن يشكل ثغرة للتهريب ومنفذًا للمهربين والإرهابيين، لا سيما أن تنظيم مثل "داعش" يستهدف عمان.  

محفزات محركة:

يمكن تفسير أسباب تزايد تهديدات الأنفاق داخل الإقليم في ضوء حزمة من العوامل، التي يتمثل أبرزها في:

1- اختراق شبكات التسفير المنظومة الأمنية "الهشة": خاصة بعد سقوط النظم الحاكمة عبر دعم جهات إدارية وشخصيات أمنية نافذة لاقتصاديات الأنفاق، بالتعاون غير المرئي مع بعض الجمعيات الأهلية، فيما يطلق عليه "الأمن الموازي"، على نحو ما تشير إليه الحالة التونسية، حيث أكد الكاتب العام لنقابة الأمن الجمهوري محمد علي الرزقي تورط بعض العناصر الأمنية ذات المواقع الوظيفية المسئولة في وزارة الداخلية في مسألة تسفير الشباب التونسيين إلى بؤر الصراعات المسلحة في سوريا والعراق. 

وهنا تجدر الإشارة إلى بعض الكتابات التونسية التي تسلط الضوء على تبلور تلك الشبكات بعد انهيار نظام بن علي وتعيين قيادات أمنية بديلة موالية لحركة "النهضة". فضلاً عن ذلك تقوم تلك الشبكات بإغراء أسر الشباب لتحفيزهم على السفر بمبالغ مالية تتراوح ما بين 1200-2100 دولار وفقًا لبعض التقديرات، ونجحت الشبكات في تجنيد بعض خريجي الجامعات من تخصصات مختلفة وخاصة في مجال الطب والكيمياء والفيزياء للإسهام في صنع المتفجرات.

ولعل أبرزها جمعية "الأمل الخيرية" التي نشطت في مدينة رواد قبل حل نشاطها بنفسها، وأسسها الرئيس السابق لفرقة حماية الطائرات في مطار تونس قرطاج عبدالكريم العبيدي، إذ ساهمت في تسفير ما لا يقل عن 500 شابًا تونسيًا إلى بؤر الصراعات عبر تركيا، وهو ما سبق أن أشارت إليه هالة عمران رئيسة لجنة التحقيق في شبكات التسفير بالبرلمان التونسي، في 31 يناير الماضي. وقد خضع عدد من المنتسبين السابقين لتلك الأجهزة الأمنية لتحقيقات، وتتم مقاضاتهم في المرحلة الحالية.

2- صعود الأحزاب الإسلامية إلى السلطة: توجه بعض الأحزاب السياسية في تونس اتهامات محددة لفترة حكم الترويكا التي قادها الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي وحليفته حركة "النهضة" بالضلوع في تسهيل سفر الشباب التونسي إلى مناطق القتال، وخاصة في سوريا، لا سيما في ظل انتظام انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا بتونس منذ عام 2012، بخلاف إعراب العديد من الشباب عن اعتزامهم السفر إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

وفي هذا السياق، قال الكاتب العام المساعد لنقابة الأمن الجمهوري في تصريحات إعلامية، في 17 إبريل الجاري: "إن ثمة تقارير موجودة في وزارة الداخلية تؤكد النوايا في نشر الفكر المتطرف والتحضير لخلق مناخ كامل لتغيير الدولة والمجتمع إلى ما يسمى بـ"دولة الخلافة الإسلامية"، وذلك من خلال إرساء أمن موازٍ وترويج أنشطة الدعاة والمتطرفين، وبداية أعمال العنف والإرهاب لإدخال البلاد في فوضى". 

3- توظيف الأنفاق في المواجهات المسلحة: على نحو ما تقوم به حركة "حماس" إزاء إسرائيل، حيث تثير عودة الأنفاق مخاوف لدى الأخيرة حيال التهديد الذي تعرضت له بعض مناطقها في فترات سابقة وخاصة النفق الذي اكتشفته في منتصف إبريل الجاري، إذ يرتبط بالعديد من الأنفاق الأخرى في قطاع غزة. 

ويمكن استخدام تلك الأنفاق في شن هجمات على طول الحدود مع القطاع، على نحو ينطبق على ما قامت به الطائرات الإسرائيلية، في 13 يناير الجاري، بتدمير نفق تابع لـ"حماس"، وزعم ليبرمان أنه تسلل لداخل إسرائيل، الأمر الذي دفع الطيران الحربي إلى قصف مواقع قرب معبر كرم أبوسالم شرق محافظة رفح في قطاع غزة. 

ولعل تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوضح المخاوف المتصاعدة التي تبديها نخبة الحكم إزاء الأنفاق، حيث قال في بيان في 18 مارس الماضي: "إن سياستنا هى التصرف بحزم ضد أى محاولة لإيذائنا والقضاء بشكل منهجي على البنى التحتية المرتبطة بالأنفاق الإرهابية وسنواصل العمل على ذلك".  

كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، في 16 إبريل الجاري: "إن الناس في قطاع غزة تدرك أن حماس لا تجلب لهم سوى الإحباط والفقر، لأن حماس تستثمر أموالهم في حفر الأنفاق وصنع الصواريخ وبدلاً من أن تتحدث عن كيفية تدمير دولة إسرائيل عليها أن تتحدث عن كيفية العيش بجانب دولة إسرائيل وطالما أن حماس تسيطر على القطاع لن يحدث أى شئ".

4- استخدام العناصر الإرهابية الأنفاق للتنقل من منطقة لأخرى: والاختباء من ضربات الجيوش النظامية والغارات الجوية لقوات التحالف الدولي، وهو ما ينطبق على كوادر "داعش" بعد سقوط مشروع التنظيم وخروجه من مناطق نفوذه الرئيسية في العراق وسوريا وتوجهه نحو المناطق الحدودية بنهاية عام 2017، إذ يسعى إلى استخدام آلات حفر الأنفاق وبناء مدن تحت الأرض. 

وفي هذا السياق، يشير أحد التقديرات العسكرية العراقية إلى أن عدد الأنفاق التي حفرها التنظيم بين العراق وسوريا بلغ 100 نفق حتى نهاية ديسمبر 2017، الأمر الذي يفرض مراقبة الحدود من جانب قوات الجيش وحرس الحدود والحشد الشعبي وأبناء العشائر تحسبًا لأية خروقات تأتي من تلك الأنفاق. 

أساليب مواجهة:

إن هناك مجموعة من الأساليب التي تتبعها دول الإقليم وبعض القوى الدولية لتقليص مخاطر الأنفاق، وهو ما توضحه النقاط التالية:

1- تطوير الأبحاث العلمية والتكنولوجية لاكتشاف بؤر الأنفاق غير المرئية، على نحو ما تقوم به إسرائيل عبر دعم الأبحاث المتعلقة بالتربة التي تشمل مسح التجاويف ضوئيًا وتطوير أساليب جديدة للرصد ورسم الخرائط وبناء سياج جديد تحت الأرض ونصب أجهزة استشعار عن بعد.

2- إنشاء الخنادق الحدودية، وهو ما تبنته بعض دول الإقليم، التي اتجهت إلى تأسيس ممرات مائية عميقة على الحدود بهدف غمر الأنفاق بالمياه كى تتصدع ذاتيًّا، إذ بدأت تونس في حفر خندق حدودي عازل على طول حدودها الجنوبية مع ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي بالتوازي مع إنشاء سواتر ترابية ومنظومة مراقبة إلكترونية وجوية على طول 220 كم من الحدود المشتركة، حيث يمتد الخندق العازل من معبر رأس جدير الحدودي بمدينة بنقردان الحدودية حتى معبر ذهيبة/وزان بمحافظة تطاوين.

3- تدشين مناطق جغرافية عازلة، وذلك بهدف كشف عمليات التهريب والتصدي للأنفاق الحدودية. لذا، أُدرجت منطقة الجنوب الشرقي التونسية ذات الحدود المشتركة مع ليبيا ضمن منطقة عسكرية عازلة لا يسمح بدخولها إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من وزارة الدفاع التونسية وذلك منذ عام 2013.

4- مطالبة القوى الفاعلة دوليًا في بؤر الصراعات المسلحة (مثل روسيا) الفصائل المنسحبة من مناطق سيطرتها بتزويدها خلال المفاوضات بخريطة لشبكة الأنفاق، مقابل خروج وإجلاء مقاتليها.