إعداد: إبراهيم منشاوي
استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أهم الأدوات التي تعتمد عليها التنظيمات الجهادية في تجنيد واستقطاب أعداد متزايدة من الشباب للانضمام لصفوفهم. ومن أشهر التنظيمات التي تستخدم تلك الآلية، تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث يعكف –وبقوة- على استخدام موقع "توتير" ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى لنشر رسائله الجهادية، وجذب المتابعين لتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب. وفي الإطار ذاته، ينشط عدد كبير من المعارضين لذلك التنظيم على "توتير"، للتصدي لمنشوراته ورسائله الإرهابية، ولكنهم ليسوا بالكفاءة المماثلة لأنصار تنظيم "داعش".
هنا تأتي أهمية التقرير الذي نشرته مؤسسة راند الأمريكية في منتصف أغسطس من العام الجاري تحت عنوان "دراسة شبكات مؤيدي ومعارضي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على تويتر". ويحاول التقرير الإجابة على ثلاثة تساؤلات رئيسية مفادها: كيف نفرق بين مؤيدي ومعارضي تنظيم "داعش" على موقع "تويتر"؟ ومن هم وماذا يقولون؟ وما هي مناطق انتشارهم؟.
عدد أكبر وتأثير أقل:
في محاولةٍ لتحديد من هم مؤيدو ومعارضو تنظيم "داعش" على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تتبع الباحثون في التقرير التغريدات المتعلقة بتنظيم "داعش" خلال الفترة من 1 يوليو 2014 إلى 30 أبريل 2015، والتي وصل عددها إلى 23 مليون تغريدة صادرة من 771 ألف حساب إلكتروني على "توتير"، وكانت تحمل مسميات مختلفة، مثل: "داعش"، و"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، و"الدولة الإسلامية"؛ حيث شاع استخدام المصطلح الأخير -خاصةً بين مؤيدي التنظيم ومجاهديه- عقب إعلان التنظيم عن تغيير اسمه من "الدولة الإسلامية في العراق والشام" إلى "الدولة الإسلامية" في 29 يونيو 2014. وقد صنف التقرير هذه التغريدات إلى قسمين، الأول: يتعلق بالتغريدات المؤيدة للتنظيم، والثاني: تلك المعارضة له. وقد تبين أن استخدام مصطلح "الدولة الإسلامية" يُعد مؤشرًا على تأييد ودعم التنظيم، بينما استخدام مصطلح "داعش" يصب في جانب المعارضة.
ووجد الباحثون أن 18,8 مليون تغريدة من مجموع 23 مليون كانت ضد تنظيم "داعش"، في مقابل 4,5 ملايين مؤيدة للتنظيم، صادرة من 471,492 حسابًا معارضًا، و75,946 حسابًا مؤيدًا على "توتير" بما يقارب نسبة 1 - 6 من المعارضين إلى المؤيدين.
وعلى الرغم من أن عدد معارضي التنظيم على "تويتر" يفوق عدد مؤيدي التنظيم، فإن نشاط المؤيدين للتنظيم كان له تأثير أكبر على "توتير"، ويرجع ذلك إلى عدد التغريدات اليومية التي كانت تصل إلى 60 تغريدة في اليوم الواحد، بينما كان عدد تغريدات المعارضين 40 فقط في اليوم، إلى جانب التقنية التكنولوجية العالية التي كان يستخدمها أعضاء التنظيم في بث رسائله على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد لاحظ الباحثون أنه في شهر فبراير 2015 زاد عدد معارضي التنظيم على "تويتر" عقب بث شريط الفيديو الذي صور حرق الطيار الأردني "معاذ الكساسبة"، في مقابل تراجع تدريجي في عدد مؤيدي التنظيم. ولكن لم يكن من الواضح ما إذا كان هذا التراجع ناتجًا عن الأعمال الوحشية التي يرتكبها "داعش"، مثل حرق الطيار الأردني، أو بسبب حملة تعليق حسابات التنظيم على "توتير".
وبالنظر إلى الموقع الجغرافي لهذه التغريدات، سواء المؤيدة أو المعارضة، لاحظ التقرير أن هناك تنوعًا كبيرًا على المستوى العالمي بالنسبة لمواقع معارضي التنظيم، في حين يتركز معظم مؤيديه في منطقة الشرق الأوسط.
هوية المؤيدين والمعارضين:
حلل الباحثون البيانات السابق الإشارة إليها من أجل التوصل إلى هوية من يؤيدون ويعارضون تنظيم "داعش" على موقع "توتير". وقد توصل التقرير إلى وجود أربعة مجتمعات كبرى على "توتير"، اثنان منهما هما مجتمعا الشيعة والسنة الأكثر معارضة لتنظيم "داعش"، في حين يؤازر التنظيمَ مجتمعُ مؤيدي التنظيم و"مجاهدي سوريا".
أولا- مجتمع الشيعة: يضم مستخدمين من العراق ولبنان وعدد من الجنسيات الخليجية، حيث كانوا يحتفلون على توتير بإنجازات الميلشيات الشيعية، المدعومة من إيران، مثل "الجيش العربي السوري"، و"حزب الله" اللبناني، والميلشيات العراقية الشيعية، وكتائب "أهل الحق". وكان موقفهم إيجابيًّا إلى حد كبير من التحالف الدولي والمسيحيين؛ حيث إنتقدوا وبقوة هجمات تنظيم "داعش" على الأقليات المسيحية، كما نظروا إلى كلٍّ من تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" على أساس أنهما وجهان لعملة واحدة، ويمثلان "الإسلام السني المتطرف"، على حد تغريدات هذا المجتمع. كما أطلقوا على أعضاء داعش مسميات عدة مثل: "الإرهابيين"، و"المجرمين"، و"الجبناء"، و"الحثالة"، و"الجرذان".
ثانيًا- مجتمع السنة: معظم أعضاء هذا المجتمع صُنِّفوا على أنهم معارضون لتنظيم "داعش". وقد كان هناك تنوع داخل هذا المجتمع؛ حيث شمل مغردين من المملكة العربية السعودية، وباقي الدول الخليجية ومصر وليبيا والمحافظات العراقية التي يُسيطر عليها تنظيم "داعش". وقد استخدموا أسماء أئمة سنة في تغريداتهم على "تويتر"، مع عبارات وطنية مثل "الحفاظ على الهوية"، و"الحفاظ على رجال الجيش والشرطة"، و"الحفاظ على الأمة"، و"أمتنا"، و"وطننا". كما عبروا عن عدم ثقتهم بالولايات المتحدة الأمريكية، واعتبروا أنها قد حققت أهدافًا عديدة من "أكذوبة" أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وسوف تحقق أهدافًا كبرى من أكذوبة "داعش". وأشاروا أيضًا إلى وجود تواطؤ بين تنظيم "داعش" وإيران، وقد ظهر ذلك في هاشتاج "داعش وإيران ضد السعودية".
ثالثًا- مجتمع مؤيدي داعش: أظهرت البيانات أن مواقعهم كانت في محافظة الرقة، وكوباني، وعين العرب، وبيجي، وسيناء، والعراق، وظهرت في تغريداتهم أسماء قادة التنظيم مثل "أبو بكر البغدادي"، والمتحدث الرسمي باسم التنظيم "أبو محمد العدناني"، وزعيم جبهة النصرة "أبو محمد الجولاني". واستخدموا عبارات من قبيل "يمين الولاء للخليفة"، و"منهجية النبوة"، و"أنصار الدولة الإسلامية"، و"البقاء والتمدد". وكانوا أكثر نشاطًا من غيرهم في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وعند الإشارة إلى أنشطة التنظيم العنيفة، استخدم المغردون عبارات مثل "أسود الدولة الإسلامية" و"المجاهدين"، و"جنود الخلافة". وهذا المجتمع كان يستدعي فكرة وجود تهديد ضد الإسلام كثيرًا، من أجل جذب المزيد من المجاهدين إلى صفوفهم.
رابعًا- مجتمع مجاهدي سوريا: يتألف هذا المجتمع من مؤيدي مجاهدي سوريا، وكل من يقاتل ضد النظام السوري مثل "جبهة النصرة"، و"الجيش السوري الحر"، و"جيش الإسلام"، وكانوا يتمركزون داخل سوريا، وخاصة في حلب، وعين العرب، والقلمون، والغوطة. وقد ندد هؤلاء بالتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، مدعين أنه أفاد كثيرًا نظام "بشار الأسد" وأضر بالثورة السورية. وتجلى أن لديهم موقفًا مختلطًا من تنظيم "داعش"، ما بين مؤيدين استخدموا تغريدات معبرة عن ذلك مثل "جنود الخلافة الإسلامية"، و"الخلافة"، و"أمل المجتمع المسلم"، في مقابل تغريدات مضادة لتنظيم "داعش" مثل "الخوارج" و"كلاب أهل النار"، مع الربط بين جرائم تنظيم "داعش" وجرائم النظام السوري.
وقد توصل التقرير إلى أن المستخدمين من مصر والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي يُشكلون القوة الحقيقية للمجتمع السني على "تويتر". وأن كل مجتمع فرعي من تلك المجتمعات يركز على قضايا معينة والتي من الممكن أن تُشكل استراتيجية سنية قوية ومتماسكة لمكافحة رسائل واتصالات أنصار ومؤيدي داعش على "تويتر". كما أشار التقرير إلى أن المجتمعات السنية تزداد فيها نسبة معارضي "داعش" عن المؤيدين وتفوقها بقوة، على عكس الحال في المجتمع اليمني، الذي يعد الوحيد من بين المجتمعات السنية الذي لديه أعلى نسبة مؤيدة لتنظيم "داعش" الإرهابي.
النتائج والتوصيات:
وضع الباحثون في نهاية التقرير مجموعة من النتائج، وهي:
1. يُعتبر مؤيدو تنظيم "داعش" أكثر نشاطًا من المعارضين؛ حيث ينتجون في اليوم الواحد 150% من التغريدات مقارنة بالمعارضين، نظرًا لتمكنهم من استخدام التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، فلديهم استراتيجية واضحة لتوسيع مجال الانتشار والتأثير على المتابعين.
2. تراجع مؤيدي "داعش" على توتير بشكل تدريجي ويومي، وقد بدأ هذا التراجع في بداية أبريل 2015، حيث كان عدد المؤيدين الذين ينشرون رسائل على توتير 2000 عضو، وأصبح في نهاية مايو 1300 فقط، في الوقت الذي زاد فيه عدد المعارضين، مع تصاعد كبير في عدد التغريدات اليومية، وصل في بعض الأحيان إلى 40000 تغريدة، وفي نهاية فترة الدراسة وصلت نسبة تغريدات المعارضين إلى المؤيدين إلى 30 – 1.
3. هناك تشتت وانقسام واضح بين المجتمع العربي على "تويتر" قائم على أسس وطنية وطائفية ما بين السنة والشيعة، حتى داخل الدولة الواحدة هناك أيضًا انقسام.
أما عن التوصيات فقد جاءت على النحو التالي:
1. ضرورة أن تستمر المؤسسات البحثية في استخدام نموذج "داعش" في مقابل "الدولة الإسلامية"، من أجل التوصل إلى نشاط كل من المؤيدين والمعارضين لذلك التنظيم في جميع أنحاء العالم.
2. على الرغم من اتساع قاعدة المعارضين لتنظيم "داعش" الإرهابي، إلا أنهم في حاجة للمساعدة من خلال إعطائهم دورات تدريبية على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكثر فاعلية، وغيرها من الدورات ذات الصلة. وفي هذا الإطار، يرى التقرير أن من الممكن أن تقوم وزارة الخارجية الأمريكية بتلك المهمة لتعزيز فاعلية وصولهم واستخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعي.
3. ينبغي أن يستمر موقع "توتير" في حملته لتعليق حسابات المتطرفين، والتي تُساهم بشكل كبير في تقليل استخدام هؤلاء المتطرفين للموقع.
4. يجب أن تستمر الولايات المتحدة الأمريكية ووزارة الدفاع في تسليط الضوء على جرائم تنظيم "داعش"؛ حيث إن تأثير حرق الطيار الأردني، بالإضافة إلى جرائم "داعش" الأخرى، قد أظهرت أن هناك علاقة بين أعمال التنظيم الوحشية ومعارضته على "تويتر"، مما يُعطي مؤشرًا على أن تلك الأعمال الوحشية من الممكن أن تحشد المزيد من المعارضين.
* عرض موجز لتقرير نشرته مؤسسة راند بعنوان "دراسة شبكات مؤيدي ومعارضي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على تويتر".
Elizabeth Bodine-Baron, Todd C. Helmus, Madeline Magnuson And Zev Winkelman, "Examining ISIS Support and Opposition Networks on Twitter", (Santa Monica, California: RAND Corporation, 2016).