تتكرر مشاهد العنف الدموية التي يقوم بها المقاتلون الأجانب في صفوف التنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم "داعش"، الذي قام بتأسيس ما يُسمى بـ"كتيبة الذباحين"، والتي كان من أشهر أعضائها محمد الموازي، البريطاني الجنسية، والمعروف باسم "ذباح داعش" الذي لم يتردد في قتل عدد من الأجانب من بينهم صحفيين وموظفي إغاثة من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب الفرنسي ماكسيم هوشار المعروف باسم أبو عبدالله الفرنسي، الذي ظهر بوجه مكشوف، في نوفمبر 2014، أثناء عملية قتل 18 عسكري سوري والرهينة الأمريكي بيتر كاسيغ، وهو ما أثار ردود فعل قوية داخل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، ما زالت مستمرة حتى الآن.
وقد دفع ذلك اتجاهات عديدة للإشارة إلى أن التنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم "داعش"، تتعمد الاهتمام بإلقاء الضوء على الجرائم التي يرتكبها المقاتلون الأجانب الذين انضموا إليها، وأن المقاتلين الأجانب أنفسهم حريصون على إبداء قدر أكبر من التشدد داخل تلك التنظيمات، مقارنة بالمقاتلين المحليين الذين تقوم تلك التنظيمات الإرهابية بتجنيدهم داخل المناطق التي تسيطر عليها، أو الذين يتجهون للانضمام إلى هذه التنظيمات للمشاركة في العمليات الإرهابية التي تقوم بتنفيذها.
بل إن بعض التقارير بدأت تكشف عن أن المقاتلين الأجانب في التنظيمات الإرهابية مثلوا أحد الأسباب الرئيسية في تصاعد مستويات العنف داخل المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية، كما تسببوا في إطالة أمد تلك الأزمات، لا سيما أن ذلك يتوافق مع مصالحهم، خاصة لاعتبارات اقتصادية وأمنية.
ملامح متعددة:
رغم أن ظاهرة المقاتلين الأجانب ليست جديدة، إذ ترى اتجاهات عديدة أنها تعود إلى القرنين الماضيين، حيث ظهرت أكثر من 70 منظمة مسلحة في مختلف أنحاء العالم سعت إلى تجنيد مقاتلين عابرين للحدود من أجل تحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها، إلا أن ذلك لا ينفي أنها بدأت تكتسب سمات جديدة، مع ظهور التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، على غرار تنظيم "القاعدة" و"داعش" و"جبهة النصرة" التي قامت بتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام"، و"بوكو حرام"، وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي أصبحت تجذب متطرفين من مختلف أنحاء العالم.
وأصبح هؤلاء المقاتلون يمارسون أدوارًا هامة داخل صفوف هذه التنظيمات من الناحية التنظيمية والعسكرية؛ حيث بات يتم الاعتماد عليهم بشكل كبير في قيادة المواجهات المسلحة وتنفيذ العمليات الإرهابية خاصة تجاه الرهائن الأجانب، لا سيما وأن هؤلاء المقاتلين يتسمون، وفقًا لاتجاهات عديدة، بالالتزام القوي من الناحية الفكرية والتنظيمية، أو ما يعرف بـ"السمع والطاعة" داخل التنظيمات الإرهابية.
وقد كشفت دراسة لمجموعة "سوفان" The Soufan Group ومقرها في نيويورك، نشرتها في ديسمبر 2015، أن عدد المقاتلين الأجانب الذين انضموا للتنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق يتراوح ما بين 27 إلى 31 ألف مقاتل، من بينهم 5000 مقاتل من أوروبا الغربية، و4700 من الجمهوريات السوفيتية السابقة، و280 من أمريكا الشمالية، و875 من البلقان، و8000 من منطقة المغرب العربي، و8200 من الشرق الأوسط، و900 من جنوب آسيا.
أسباب مختلفة:
يمكن تحديد أهم الأسباب التي تدفع المقاتلين الأجانب إلى إبداء قدر أكبر من التشدد داخل التنظيمات الإرهابية التي تولي اهتمامًا خاصًا بالأدوار التي يقومون بها، وذلك على النحو التالي:
1- الخبرة القتالية: اكتسب بعض المقاتلين الأجانب خبرة قتالية واسعة، بسبب مشاركتهم في مواجهات مسلحة سابقة، على غرار الانخراط في الحروب التي اندلعت في بعض الدول مثل أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك.
ويبدو أن تلك الخبرة تدفعهم دائمًا إلى السعى من أجل تولي منصب قيادية ورئيسية داخل التنظيمات الإرهابية، من خلال تبني توجهات أكثر تشددًا من المقاتلين المحليين، الذين يفتقدون، في كثير من الأحيان، تلك الخبرة القتالية التي اكتسبها الأجانب من خلال مشاركاتهم في الحروب السابقة.
وقد أدى ذلك في بعض الأحيان إلى نشوب مواجهات مسلحة بين الطرفين، سوف يؤثر استمرارها بلا شك على تماسك التنظيمات الإرهابية وقدرتها على مواجهة الضغوط التي تتعرض لها في المرحلة الحالية.
2- الاستقطاب الفكري: ربما يمكن القول إن بعض التنظيمات الإرهابية نجحت في استقطاب أعداد غير قليلة من الجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين المسلمين إلى الدول الغربية، ولا سيما الدول الأوروبية، الذين حافظ بعضهم على توجهاته الفكرية دون تغيير رغم مرور فترة طويلة على انتقاله إلى تلك الدول.
وقد كان ذلك سببًا في انتقال تلك الأفكار من الجيل الأول إلى الجيلين الثاني والثالث، الذين حاولوا ترجمتها إلى خطوات إجرائية بالانضمام إلى تلك التنظيمات التي سعت إلى تحقيق أهداف تتوافق، إلى حد ما، مع تلك التوجهات.
وفي رؤية اتجاهات أخرى، فإن اضطلاع تنظيمات مثل "داعش" بتشكيل المنظومة الفكرية للمقاتلين الأجانب ساهم في رفع مستوى التشدد الذي تتسم بها توجهاتهم. وقد بدأت الدول الأوروبية تحديدًا في الاهتمام بهذا التحول، خاصة بعد وقوع تفجيرات بروكسل، في مارس 2016، والتي كشفت أن منفذيها رغم أصولهم غير الأوروبية، إلا أنهم ولدوا وتعلموا في تلك الدول.
وفي هذا السياق، وجهت الشرطة الأوروبية "يوروبول"، وفقًا لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، تحذيرًا، في 30 يوليو 2016، من أن تنظيم "داعش" يقوم خلال الفترة الحالية بتدريب أطفال المقاتلين الأجانب لكى يتم تحويلهم إلى الجيل الجديد من الإرهابيين الذين سيقوم بتشكيل توجهاتهم الفكرية، وسيكونون أكثر استعدادًا لتطبيق توجهاته، لا سيما فيما يتعلق بتنفيذ عمليات انتحارية.
وطبقًا لتقديرات عديدة، فإن هناك أكثر من 50 طفلا بريطانيًا، على سبيل المثال، يقيمون في المناطق التي يسيطر عليها "داعش" في سوريا والعراق، بشكل سوف يحولهم، إلى ما يمكن تسميته بـ"القنابل الموقوتة"، التي تفرض تهديدات جدية ليس فقط للمناطق التي يقطنها المقاتلون الأجانب وإنما أيضًا للدول التي ينتمون إليها.
3- سهولة التجنيد: يبدو أن التنظيمات الإرهابية تواجه صعوبات أقل في تجنيد بعض المقاتلين الأجانب وإعادة تشكيل توجهاتهم الفكرية بشكل يساعدها على دفعهم إلى تحقيق مطالبها على غرار تنفيذ عمليات انتحارية، وذلك بالمقارنة بالمقاتلين المحليين الذين ربما يتبنون منظومات فكرية مختلفة.
4- افتقاد الهوية: تشير بعض الاتجاهات إلى أن الأبعاد النفسية تمثل متغيرًا مهمًا يمكن من خلاله تفسير انضمام المقاتلين الأجانب للتنظيمات الإرهابية وحرصهم على إبداء قدر أكبر من التشدد داخل تلك التنظيمات، حيث أن شعور بعضهم بالعزلة والتمييز داخل المجتمعات التي يعيشون فيها ساهم، إلى حد كبير، في وصولهم إلى تلك المرحلة من التطرف، التي عبروا عنها من خلال مشاركتهم في التفجيرات الإرهابية وعمليات القتل لرهائن أجانب، والتي أعلنت التنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم "داعش"، مسئوليتها عنها.
تداعيات متناقضة:
لكن رغم ذلك، فإن تعمد التنظيمات الإرهابية ضم عدد كبير من المقاتلين الأجانب إلى صفوفها ربما يفرض تداعيات متناقضة في آن واحد. إذ أنه يمكن أن يساعد تلك التنظيمات على تعويض خسائرها، إلى حد ما، في ظل الضربات العسكرية التي تتعرض لها في أكثر من منطقة، لكنه في الوقت نفسه قد يؤثر على مستوى تماسكها، لا سيما أن اتساع نطاق نفوذ المقاتلين الأجانب داخل تلك التنظيمات بدأ يفرز تمايزات عرقية عديدة قد تؤدي إلى حدوث تصدعات كبيرة داخلها خلال المرحلة القادمة.