أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

الاستعداد للايقين:

ماذا يعني ارتباط المناخ بالصراع للقيادة المركزية الأمريكية؟

09 يناير، 2024


عرض: عبدالله الشريف

من المتوقع أن تصبح منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أكثر حرارةً وجفافاً، مع انخفاض فرص الحصول على المياه العذبة نتيجة لتغير المناخ، مما جعل القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) تستشعر القلق من أن هذه التغيرات قد تؤدي إلى تفاقم الصراعات في منطقة مسؤوليتها. لذا، طلبت من مؤسسة "راند" مساعدتها على تعميق فهم أفضل لدور تغير المناخ في عدم الاستقرار الإقليمي، وكيفية التخفيف من التهديدات المُحتملة التي قد تنشأ عن تغير المناخ.

على سبيل المثال، ففي منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، أسهمت درجات الحرارة القصوى وندرة المياه خلال أشهر الصيف في اضطرابات مدنية كبيرة في البصرة بالعراق، من عام 2018 إلى 2022. ومن المتوقع أن تستمر التأثيرات الناجمة عن المخاطر المناخية في الانتشار في البيئة الأمنية؛ مما يغير طبيعة الصراع داخل الدول في المنطقة، ويخلق الطلب على عمليات تحقيق الاستقرار، والمساعدة الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث. 

في هذا الإطار، تأتي أهمية تقرير مؤسسة "راند" في العام 2023، تحت عنوان "التخطيط لمستقبل غامض: ما الذي قد يعنيه الصراع المتعلق بالمناخ بالنسبة للقيادة المركزية الأمريكية؟"، وذلك لتحديد إمكانية تأثير المخاطر المناخية في البيئة الأمنية، وسبل مواجهتها من قبل صناع السياسات.

ارتباط المناخ والصراع:

على الرغم من أن هناك ثقة متوسطة إلى منخفضة بين الخبراء حول العلاقة بين تغير المناخ والصراع المسلح، فإن تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لعام 2022 وتقدير الاستخبارات الوطنية لعام 2021 وتقييم التهديدات السنوية الأمريكية لعام 2023 تشير جميعها إلى الإمكانات المحتملة لمستويات أعلى من الصراع وعدم الاستقرار؛ خاصةً من ناحية العنف المُرتبط بتغير المناخ، مثل: التوترات الجيوسياسية أو الاضطرابات الداخلية. مع ذلك، فإن هذه التقارير أكثر حذراً بشأن الإشارة إلى أن هذه الديناميكيات سترتفع إلى مستوى الحروب الكبرى. 

ولفهم العلاقة بين مخاطر المناخ والصراع بشكلٍ أفضل، قام محللو مؤسسة "راند" بفحص ما حددته الدراسات الحالية على أنه مسارات سببية من تغير المناخ إلى الصراع. فعلى الرغم من أن المخاطر المناخية قد يكون لها تأثير مباشر في مستوى العنف الأدنى، فإن المسارات من الأحداث المناخية إلى الصراع المنظم هي عمليات متعددة الخطوات. ويمكن أن تختلف تلك المسارات لكن غالباً ما تؤدي إلى شكل من أشكال انعدام الأمن الذي يقترن بتأثيرات مُتعددة في قدرة/ قوة الدولة، وتدفقات السكان، وعوامل أخرى. 

ذلك أن التأثيرات المناخية، عندما يتم ترشيحها من خلال حوافز الأفراد والجماعات المسلحة للتعبئة حول الجشع أو المظالم، يمكن أن تبلغ ذروتها في الصراع. ومن ثم يجب على مخططي الدفاع في الولايات المتحدة أن يضعوا في اعتبارهم أن المسارات السببية من المخاطر المناخية إلى الصراع لا يمكن اختزالها فقط في ندرة الموارد.

ويمكن للمسارات السببية أن تساعد مخططي الدفاع على فهم التفاعل بين العوامل غير المناخية والمخاطر المناخية التي قد تزيد من تعرض منطقة ما للصراع. فمن الممكن أن تصبح الحرارة الشديدة عامل خطر أكثر أهمية للصراع، عندما تكون قدرة الدولة أضعف من أن تخفف من تأثيرها في صحة الإنسان، أو عندما تؤدي إلى فقدان سبل العيش أو انعدام الأمن الغذائي، أو عندما تتقاطع مع الظروف/ المظالم الاجتماعية والاقتصادية القائمة. 

صراعات قادمة:

يجادل التقرير بأن ثمة تكراراً متوقعاً للصراع المستقبلي في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، ولتوسيع التحليل ليشمل أنماط الصراع المعقولة في منطقة المسؤولية خلال الفترة 2035 - 2070، استخدم فريق باحثو "راند" نموذجاً للتعلم الآلي يدمج كلاً من المتغيرات المناخية (درجة الحرارة وهطول الأمطار) والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية (النمو السكاني والأداء الاقتصادي)، وفي ظل جميع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمناخية التي تم أخذها بعين الاعتبار، فإن منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية سوف تواجه صراعاً كبيراً في نصف القرن المقبل. 

وعلى الرغم من وجود أدلة تشير إلى أن النتائج المناخية الأسوأ سترتبط بزيادة حدوث الصراعات بين عامي 2040 و2060، فإن ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار ليسا المحركين الرئيسيين للبيئة الأمنية المستقبلية، وفقاً للنموذج. وبدلاً من ذلك، عندما تزيد هذه المخاطر من خطر الصراع، فإنها تفعل ذلك من خلال التفاعل مع المتغيرات الأخرى التي تنبئ بشكلٍ أقوى بالصراع، وعلى وجه التحديد، فإن وجود الصراع يحد من قدرة الدولة على التكيف مع تغير المناخ، مما يزيد من خطر وقوعها في فخاخ الصراع (أي ميل الصراع المدني إلى التكرار أو الانتشار إلى الدول المجاورة). 

علاوة على ذلك، يمكن للمخاطر المناخية أن تقضي على فرص التنمية الاقتصادية، مما يسهم في الصراع من خلال الظروف الاجتماعية والاقتصادية. ومن الممكن أن يسهم تغير المناخ أيضاً في خلق الظروف المُمهدة/ المُحفزة لاندلاع الصراعات. أخيراً، يمكن للمخاطر المناخية -عن طريق الهجرة أو صدمات أسعار الغذاء- أن تولد صراعاً بعيداً عن التأثيرات المناخية المحلية أو قد تؤدي إلى صراع في فترات مستقبلية لم يتم تناوله في بعض الأبحاث الحالية.

ولاختبار ما إذا كانت نماذجهم قد تقلل من تقدير قوة العلاقة بين المناخ والصراع، بذل باحثو "راند" جهداً إضافياً للنمذجة يأخذ في الاعتبار التأثير الاقتصادي للجفاف. وبعد وضع افتراضات مبنية على الأبحاث الحالية حول تأثير الجفاف في اقتصاديات المناطق التي تعتمد على الزراعة، توقع الباحثون زيادة كبيرة في خطر الصراع في تلك المناطق.

أدوات المنافسين:

يرى التقرير أنه بينما تتخذ الولايات المتحدة خطوات لإعداد نفسها لمستقبل متأثر بالمناخ، يقوم منافسو واشنطن العالميون - الصين وروسيا- وخصمها الإقليمي الرئيسي في الشرق الأوسط -إيران- بتطوير قواعد اللعب الخاصة بهم، إذ يمكن لهم التأثير في مسارات العلاقة بين الصراع والمناخ خاصة في الشرق الأوسط وآسيا، وذلك على النحو الآتي:

- الصين: يمكن أن توفر الصين تكنولوجيا الطاقة البديلة لدول الشرق الأوسط، مما قد يساعد على التحول الأخضر. كما أن بكين في وضع جيد يؤهلها لتكون المُستجيب الأول للكوارث المناخية، خاصةً في جنوب آسيا، إذ تستفيد من القرب الجغرافي والعلاقات التاريخية القوية مع باكستان.

- روسيا: تتضمن مجموعة الأدوات الخاصة بروسيا تطوير بدائل لطرق الشحن التجارية في الشرق الأوسط عبر طريق بحر الشمال، الذي اُفتتح حديثاً بسبب ذوبان الجليد؛ والاستفادة من الصادرات الغذائية المهمة إلى الشرق الأوسط؛ كما يمكن أن تصبح روسيا مصدراً رئيسياً للمعادن المهمة اللازمة لإنتاج الطاقة الخضراء. 

- إيران: تتعرض إيران بشكلٍ حاد لنقاط الضعف المتعلقة بالمناخ، وتتقاطع المخاطر المناخية مع الأساسيات الاجتماعية والاقتصادية الضعيفة (بطء التنمية الاقتصادية، وسوء الإدارة) لتغذية الاضطرابات المدنية. ولمعالجة سوء إدارة سياستها البيئية والحفاظ على الاستقرار الداخلي، يمكن لطهران الاستفادة من انخفاض صادرات المياه والكهرباء و/ أو النفط على حساب الاستقرار العراقي.

نهج شامل: 

نظراً لأن المسارات السببية من المخاطر المناخية إلى الصراعات تدور حول المخاوف السياسية والاقتصادية، فإن الحد من حدوث الصراعات المرتبطة بالمناخ سيتطلب نهجاً يشمل الحكومات بأكملها، مع أداء القيادة المركزية الأمريكية دوراً داعماً للشركاء الإقليميين، كما يمكن لتلك القيادة تخفيف حِدة الصراع في الغالب من خلال أنشطة التعاون الأمني غير التقليدية التي قد تعالج التحديات الأمنية المتعلقة بالمناخ. ومن شأن هذه الجهود أيضاً أن تعزز أهداف الولايات المتحدة المُتمثلة في البقاء في وضعية الشريك المفضل بالمنطقة.

وسيكون التعاون بين الوكالات الأمريكية، إلى جانب الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ضرورياً لدعم الابتكار الإقليمي لمعالجة تأثير المخاطر المناخية. وتوجد مجموعة من العمليات والأنشطة والاستثمارات التي يمكن للقيادة المركزية الأمريكية والشركاء الإقليميين القيام بها خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة لمعالجة تأثير المخاطر المناخية من أبرزها:

- دمج المخاطر المناخية في التدريبات الإقليمية: بما في ذلك النجم الساطع، وسلسلة جونيبر، والبحرية الدولية، باستخدام أموال برنامج التدريب المشترك والتقييم عند الاقتضاء، وبناء المعرفة المناخية داخل القيادة المركزية الأمريكية ومع الممثلين العسكريين الأمريكيين المسؤولين عن العلاقات الدفاعية في الخارج، ومن خلال التدريب والتعليم الموسع؛ والعمل مع مؤسسات التعليم العسكري المهني المشترك.

- تشجيع الحلفاء على دمج التأثيرات المناخية في تخطيط قواتهم: عبر إنشاء ساحات ثنائية ومتعددة الأطراف لتبادل التكنولوجيا للتخفيف من تأثير تغير المناخ والتكيف معه (مثل: معدات التبريد والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في جميع الأحوال الجوية)، وتوفير أداة تقييم المناخ التابعة لوزارة الدفاع للشركاء الإقليميين لتقييم مرونة التركيب للمخاطر المناخية، والعمل مع الشركاء لتطوير خطط العمل المناخي الدفاعي وتنفيذها.

- إجراء تدريبات إقليمية ثنائية ومتعددة الأطراف لتحسين مهام الاستجابة للكوارث والتعافي باستخدام التدريب المشترك، وتوسيع برنامج الشراكة مع الدول التي تقع في نطاق مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية وتكون مُعرضة لمخاطر الظواهر الجوية المتطرفة، مثل باكستان.

- دمج المناخ في الاستراتيجية والتخطيط والمنتجات الاستخباراتية: يجب على القيادة المركزية الأمريكية أن تدمج تحليل المناخ في تطوير استراتيجيتها، ومنتجات التخطيط الدفاعي (على سبيل المثال، الخطط التشغيلية)، والمنتجات الاستخباراتية. على أن يتضمن ذلك تحديث خطط الطوارئ الخاصة بالقيادة المركزية الأمريكية لعمليات/ خطط الإخلاء في حالات الطوارئ.

- بناء المعرفة المناخية في جميع المستويات العسكرية: سوف تستفيد القيادة المركزية الأمريكية من زيادة المعرفة بالمناخ على جميع مستويات موظفي المقر الرئيسي والأفراد المنتشرين في الخطوط الأمامية، مثل ضباط التعاون الأمني والملحقين الدفاعيين المتمركزين في المنطقة. لذلك؛ أجرى باحثو مؤسسة "راند" مشروعاً بحثياً من خمس خطوات قام بتحليل النطاق الكامل للعلاقة بين الصراع والمناخ، بدءاً من المخاطر المناخية، مروراً بمخاطر الصراع المحتملة واستجابات الخصوم، وانتهاءً بالآثار المترتبة على التخطيط الدفاعي. وفقاً للشكل التالي:


المصدر:

Karen M. Sudkamp, Jeffrey Martini, and others, "Planning for an Uncertain Future: What Climate-Related Conflict Could Mean for U.S. Central Command", RAND, 2023.