يُعد قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية أحد القطاعات الاقتصادية الحديثة سريعة النمو، إذ يتميز باتساع نطاق انتشاره عالمياً، وزيادة أعداد اللاعبين والجماهير، فضلاً عن تزايد الإيرادات الخاصة به، مما أسهم في تحويله من مجرد قطاع ترفيهي إلى داعم ومحرك للنمو الاقتصادي.
واهتمت العديد من الدول على المستويين العالمي والإقليمي بتعزيز الاستثمارات الموجهة لقطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، ومن المتوقع أن يشهد نمواً متسارعاً على المدى القصير، في ظل الارتفاع المتوقع في الإيرادات، وأعداد اللاعبين، فضلاً عن التطور التكنولوجي المستمر.
وتُعرف الألعاب بأنها مشاركة فردية أو جماعية في ألعاب فيديو للهواة أو على الشبكات الاجتماعية. ويُشير مصطلح الرياضات الإلكترونية إلى ألعاب الفيديو التي يتم لعبها في بيئة تنافسية منظمة، إذ يتواجه المتنافسون من مختلف الدوريات أو الفرق في نفس الألعاب التي تحظى بشعبية واسعة مثل: (Fortnite)، و(League of Legends)، و(Call of Duty)، وغيرها.
مُحفزات استثمارية:
ثمة مجموعة من العوامل التي أدت إلى الانتشار الواسع للألعاب والرياضات الإلكترونية، ومن ثم تعزيز الاستثمارات الموجهة لها سواءً من قِبل القطاع الخاص أم الحكومات، وذلك على النحو التالي:
1- تعزيز الاستثمارات الخاصة: يُعد ارتفاع الطلب على الألعاب والرياضات الإلكترونية، ومن ثم تزايد إيراداتها، محركاً أساسياً نحو تعزيز الاستثمارات الخاصة، وذلك بالنظر إلى الآتي:
أ- ارتفاع الإيرادات والتوسع في الأسواق العالمية: بلغت إيرادات قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية في عام 2022 نحو 182.9 مليار دولار. ويشهد القطاع توسعاً جغرافياً، ففي الماضي كانت الأسواق الرئيسية لألعاب الفيديو هي أمريكا الشمالية وأوروبا، فيما شهد نمواً سريعاً خلال العقد الماضي في أسواق آسيا، ومؤخراً بدأ في النمو بمنطقة الشرق الأوسط والعديد من الأسواق الناشئة.
ب- تزايد أعداد اللاعبين: تجذب الألعاب والرياضات الإلكترونية الأفراد من فئات عمرية مختلفة لممارستها، ولاسيما من فئة الشباب. إذ تشير الإحصاءات إلى أن 8 من كل 10 أفراد من "جيل زد" و"جيل الألفية" يمارسون الألعاب الإلكترونية، وأن اللاعبين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و40 سنة يقضون ما يتجاوز 7 ساعات لعب أسبوعياً.
ج- الإغلاق الناجم عن جائحة "كوفيد19": أدت عمليات الإغلاق التي فرضتها الحكومات لمواجهة تفشي جائحة "كوفيد19"، إلى لجوء العديد من الأشخاص إلى الألعاب من أجل الترفيه، إذ تمَّ تسجيل أعداد متزايدة من مقدمي البث والجماهير والمحتوى خلال الفترة من 2020 إلى 2021.
د- الانتشار الواسع للهواتف المحمولة: مع تزايد انتشار الهواتف المحمولة في جميع أنحاء العالم، والتي تتصل بشبكات الجيل الرابع والجيل الخامس، أصبحت منصات الألعاب الإلكترونية أكثر سهولة في الاستخدام بالنسبة للمشاركين العاديين، ما أسهم في اتساع حجم سوق الألعاب وتزايد إيراداته.
2- زيادة الاستثمارات الحكومية: حرصت بعض الدول على تعزيز الاستثمارات العامة الموجهة لهذا القطاع، بهدف تحقيق المستهدفات التالية:
أ- تعزيز النمو الاقتصادي: من خلال رفع مساهمة الألعاب والرياضات الإلكترونية في الاقتصاد، فضلاً عن استفادة بعض القطاعات والصناعات الأخرى من النمو في هذا القطاع، ومنها:
- الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات: تعزز الألعاب والرياضات الإلكترونية أداء قطاع الاتصالات، إذ تخلق حافزاً أمام شركات القطاع لتحسين جودة الخدمة، وضمان وصولها لأكبر عدد من المستخدمين. كما تُسهم في دفع شركات التكنولوجيا نحو ابتكار منصات للألعاب. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة "جوجل" عن إطلاق منصة الألعاب السحابية الخاصة بها.
- السياحة: تؤدي بطولات الرياضات الإلكترونية إلى تحسين أداء قطاع السياحة، إذ تشهد الدول التي تستضيف الفعاليات والأحداث الكبرى ارتفاعاً في إيرادات السياحة ومعدلات إشغال الفنادق.
- صناعة الرقائق الإلكترونية: مع تزايد شعبية ألعاب الفيديو، يزداد الطلب على أجهزة الكمبيوتر ووحدات التحكم والأجهزة الذكية. ونتيجة لذلك، يزداد الطلب على الرقائق، إلى جانب استفادة صناعة الألعاب من الابتكار والتطور في صناعة الرقائق لإنتاج شرائح معالجة أفضل وأسرع.
ب- خلق فرص العمل: أدى نمو الرياضات الإلكترونية إلى خلق العديد من فرص العمل، بدءاً من اللاعبين المحترفين والمدربين إلى منظمي الأحداث والمذيعين والمسوقين ومطوري الألعاب، فضلاً عن خلق فرص عمل بشكل غير مباشر من خلال التأثير الإيجابي لقطاع الألعاب في القطاعات الأخرى.
ج- تحسين البنية التحتية وجذب الاستثمارات: تعمل الدول على تحسين البنية التحتية الخاصة بالاتصالات، بالإضافة إلى إقامة الساحات أو الملاعب لاستضافة أحداث الرياضات الإلكترونية؛ ما يسهم في جذب الشركات المستثمرة في هذا القطاع، وتعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
مؤشرات عالمية:
يمكن توضيح الوضع العالمي لسوق الألعاب والرياضات الإلكترونية من خلال المؤشرات التالية:
1- ارتفاع الإيرادات: بلغت إيرادات قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية في عام 2022 نحو 182.9 مليار دولار، كما سبقت الإشارة، ومن المتوقع أن تصل إلى 184 مليار دولار في 2023، وتستحوذ ألعاب الهاتف المحمول على نحو 49% من هذه الإيرادات. وجغرافياً، تستحوذ منطقة آسيا والمحيط الهادئ على النصيب الأكبر من تلك الإيرادات، في حين تشهد منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا أعلى معدل نمو في الإيرادات بنسبة 4.7% مقارنةً بعام 2022.
2- تزايد اللاعبين: يُشار إلى اللاعبين باعتبارهم جميع الأشخاص الذين يلعبون الألعاب الإلكترونية على جهاز كمبيوتر أو وحدة تحكم أو جهاز محمول أو خدمة ألعاب سحابية. وبلغ عددهم نحو 3.182 مليار لاعب في عام 2022، ومن المتوقع أن يصل إلى 3.381 مليار لاعب في 2023، بمعدل نمو يبلغ 6.3%. وتضم منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكثر من نصف اللاعبين.
3- نمو أعداد الدافعين: الدافعون هم جميع الأشخاص الذين أنفقوا أموالاً لممارسة الألعاب على جهاز كمبيوتر شخصي أو وحدة تحكم أو جهاز محمول أو خدمة ألعاب سحابية. ومن المُتوقع أن تنمو أعداد الدافعين بحوالي 7.3% لتصل إلى 1.47 مليار في عام 2023.
4- تنامي إيرادات الشركات: حققت أكبر 10 شركات مطورة للألعاب إيرادات بلغت 54.4 مليار دولار في النصف الأول من 2023. وتُعد "تنسينت" (Tencent) و"سوني" (Sony) و"آبل" (Apple)، أكبر ثلاث شركات من حيث إيرادات الألعاب.
نمو إقليمي:
تعمل دول الشرق الأوسط على تعزيز مكانتها كمركز رئيسي لقطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، مع نمو سريع في أعداد المستهلكين والمنتجين والمطورين في هذا القطاع؛ وذلك في ظل التطور التكنولوجي الرقمي، والدعم الحكومي الموجه له.
ومن المُتوقع أن تصل إيرادات الألعاب الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحلول عام 2027 إلى ضعف ما كانت عليه في 2021، لتسجل قرابة 6 مليارات دولار. كما تم استثمار نحو 392 مليون دولار في الألعاب في المنطقة بين عامي 2015 و2021 من خلال 170 صفقة.
وتشير تقديرات شركة "نيكو بارتنرز" (Niko Partners) إلى أن إيرادات الألعاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (تضم السعودية والإمارات ومصر باعتبارها الأسواق الرئيسية) بلغت 1.8 مليار دولار في عام 2022، ومن المُتوقع أن ترتفع إلى 2.8 مليار دولار في 2026 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ حوالي 10%. كما قدّرت عدد اللاعبين بـ67.4 مليون لاعب في عام 2022، مع توقعات بأن يرتفع إلى 87.3 مليون في 2026 بمعدل نمو سنوي يبلغ حوالي 6%.
ريادة خليجية:
تُعد كل من الإمارات والسعودية من أهم الدول المستثمرة في الألعاب والرياضات الإلكترونية على المستوى الإقليمي؛ وهو ما يُعزى إلى مستويات الدخل المرتفعة، والمبادرات الحكومية الداعمة، بالإضافة إلى التطور التقني. وفي هذا الإطار، تتمثل أهم الإجراءات المُتخذة من قِبل الدولتين في التالي:
1- الإمارات: تُعد الألعاب والرياضات الإلكترونية من القطاعات ذات الأولوية في الاستراتيجية الوطنية العشرية لدولة الإمارات للصناعات الثقافية والإبداعية. ومن المتوقع أن تصل إيرادات سوق ألعاب الفيديو في الدولة إلى 392.20 مليون دولار في عام 2023، على أن ترتفع إلى 515.50 مليون دولار بحلول 2028. وقد حرصت دولة الإمارات على اتخاذ الإجراءات التالية:
أ- إطار مؤسسي داعم: تم إنشاء اتحاد الإمارات للرياضات الإلكترونية للنهوض بالقطاع من خلال تنظيم وتنسيق الأنشطة الرياضية. كما أعلن مركز دبي للسلع المتعددة عن إطلاق مركز الألعاب التابع له بهدف دعم صناعة ألعاب الفيديو. كذلك، تم تأسيس مركز أبوظبي للألعاب والرياضات الإلكترونية في المنطقة الإبداعية-ياس. والجدير بالذكر أن أول مركز للتميز لشركة "يونيتي للتكنولوجيا" (Unity Techonologies) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يقع في أبوظبي، ويهدف إلى توفير التدريب والدعم للطلاب والمهنيين والشركات.
ب- مبادرات وبرامج مُحفزة: أطلقت دولة الإمارات مبادرة أبوظبي للألعاب والرياضات الإلكترونية، والتي تدعم شركات تطوير الألعاب واللاعبين، ووقّعت المبادرة مذكرة تفاهم مع شركة مبادلة للاستثمار بهدف بناء منظومة قوية ومتكاملة للألعاب والرياضات الإلكترونية في أبوظبي. كما وقّعت اتفاقية شراكة مع "مجموعة سوا"، الرائدة في برمجة وتطوير الألعاب والرياضات الإلكترونية. وكذلك تم إطلاق "برنامج دبي للألعاب الإلكترونية 2033" بهدف جعل دبي ضمن أفضل 10 مراكز عالمية لقطاع الألعاب الإلكترونية، وتوفير نحو 30 ألف وظيفة جديدة مرتبطة بالقطاع.
ج- قوانين وبيئة تنظيمية جاذبة: يتم تطبيق تشريعات مخصصة للألعاب والرياضات الإلكترونية في الإمارات لتسهيل التراخيص وعمليات تأسيس الأعمال، مع بيئة تنظيمية مصممة لشركات الألعاب والرياضات الإلكترونية. واستضافت الدولة النسخة الأولى لقمة (MENA Games for Change) في جزيرة ياس بأبوظبي، كما نظمت فعاليات الدورة الثانية من مهرجان دبي للألعاب والرياضات الرقمية، في الفترة من 21 حتى 25 يونيو 2023. وستستضيف دولة الإمارات ألعاب الرياضات الإلكترونية العالمية التي ينظمها الاتحاد العالمي للرياضات الإلكترونية في 2025.
2- السعودية: تم تصنيف حوالي 23.5 مليون سعودي كعشاق للألعاب، ومن المُتوقع أن ينمو استهلاك الألعاب في المملكة من 3.6 مليار ريال سعودي في عام 2020 إلى 25 مليار ريال في 2030. واتخذت السعودية الإجراءات التالية:
أ- استثمارات ضخمة: أعلنت المملكة عن استثمار 142 مليار ريال للتحول إلى مركز للرياضات الإلكترونية بحلول عام 2030، إذ ستنفق "ساڤي جيمز جروب" (Savvy Games Group)، التابعة للصندوق السيادي السعودي، 50 مليار ريال لشراء وتطوير ناشر للألعاب الإلكترونية، و70 مليار ريال للاستحواذ على حصص أقلية في شركات الألعاب.
ب- استراتيجيات داعمة: أطلقت السعودية الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية؛ لتعزيز مساهمة القطاع في الاقتصاد السعودي لتصل إلى أكثر من 50 مليار ريال سنوياً بحلول 2030، بالإضافة إلى تأسيس 250 شركة ألعاب داخل المملكة، وتطوير أكثر من 30 لعبة فيها تُصنف من بين أفضل 300 لعبة على مستوى العالم بحلول 2031.
ج- استضافة الفعاليات: تم إطلاق بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية، الحدث الأكبر من نوعه على مستوى العالم، والذي ستنظمه المملكة سنوياً ابتداءً من صيف 2024. كما استضافت السعودية بطولة "لاعبون بلا حدود"، وكانت النسخة الرابعة من هذا الحدث في إبريل 2023، وهي بطولة خيرية متعددة تصل جوائزها إلى 10 ملايين دولار.
زخم مستمر:
تشير التوقعات إلى استمرار الزخم والطفرة التي يشهدها قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، ولاسيما على المدى القصير، وبالتالي من المُتوقع استمرار توجيه مزيد من الاستثمارات إلى هذا القطاع، وهو ما يُمكن الاستدلال عليه من خلال الآتي:
1- تزايد الإيرادات، لتصل إلى 205.7 مليار دولار بحلول عام 2026، وهو ما يمثل معدل نمو سنوي مركب للفترة (2021-2026) يبلغ 1.3%.
2- ارتفاع أعداد اللاعبين، بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 4.3% في الفترة (2021-2026)، ليصل إلى 3.79 مليار لاعب بنهاية 2026.
3- نمو أعداد الدافعين، وذلك بمعدل سنوي مركب يبلغ 4.7% خلال الفترة (2021-2026)، لتصل قيمة مدفوعاتهم إلى 1.66 مليار بنهاية 2026.
ختاماً، على الرغم من النمو المتسارع لقطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية في العالم، فإنه ما زال يواجه بعض التحديات، والتي تتطلب إضفاء مزيد من الطابع المهني عليه، وتعزيز كفاءة وفاعلية الشركات ومنظمات الألعاب، بالإضافة إلى وضع إطار تنظمي للقطاع وتعزيز آليات الحوكمة.