تُستخدم كلمة البلاستيك بشكل عام كمصطلح للإشارة إلى مجموعة واسعة من المواد الاصطناعية أو شبه الاصطناعية المستخدمة، وبدائل تطبيقاتها. وقد تم تقديم البلاستيك الحديث لأول مرة إلى العالم في منتصف القرن الماضي خلال الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ استخدام هذه المادة ببطء كبديل لمواد أخرى مثل المطاط والحديد والأخشاب. وتم استخدامها في أنظمة الرادار المحمولة جواً، وحققت نتائج رائعة. وتدريجياً دخل البلاستيك كبديل للمواد الحديدية والمطاطية في تكنولوجيا الطيران، ما أدى إلى تقدم كبير في هذه التكنولوجيا. والآن يتم استخدام البلاستيك في صناعة الصواريخ كجزء من معززات الوقود الصلب، وكذلك في صناعة المكوكات الفضائية.
طبيعة البلاستيك
مصطلح البلاستيك مشتق من كلمتين يونانيتين "بلاستيكوس" و"بلاستوس" وتعنيان "البقاء مصبوباً". بما يشير إلى قابلية المادة للطرق واللدونة أثناء تصنيعها، مما يسمح بضغطها أو صبها في مجموعة متنوعة من الأشكال، مثل الألياف والألواح والأنابيب والصناديق والزجاجات والأفلام وما إلى ذلك. وبشكل عام يمكن وصف البلاستيك بأنه مواد تتكون من "بوليمرات" تحتوي على سلسلة طويلة من الكربون وعناصر كيميائية أخرى مثل الهيدروجين والنيتروجين والأكسجين والكلور وما إلى ذلك.. وبهذا المعنى، يعتبر البلاستيك مجموعة فرعية محددة من "البوليمرات".
يتمتع البلاستيك بالمتانة والوزن الخفيف، مما يجعله مادة متقدمة قابلة للاستخدام وتقليل وزن الطائرات والمركبات المختلفة وهو ما له آثار كبيرة في تقليل تكلفة صناعتها، فعلى سبيل المثال، من الشائع أن تقليل رطل واحد من وزن الطائرة باستخدام المواد البلاستيكية، يمكن أن يوفر وقوداً بقيمة ألف دولار خلال عمرها الافتراضي. وقد أسهمت اللوائح الحديثة المنظمة لإنتاج مكوّنات السيارات بأعلى قدر من الكفاءة وأقل قدر من الانبعاثات الضارة، في زيادة الطلب على البلاستيك كبديل للمعادن الأخرى بما في ذلك الألمنيوم والصلب. حيث يؤدي خفض الوزن الإجمالي للمركبة إلى تحسين كفاءة استهلاك الوقود، وتقليل انبعاثات الكربون.
على الجانب الآخر، أتاح البلاستيك إمكانية نقل تكنولوجيا الطيران والفضاء بخطوات عملاقة على مدار الستين عاماً الماضية، بما في ذلك التقدم في صناعة الأقمار الاصطناعية والطائرات والمركبات الفضائية والصواريخ.. علاوة على ذلك، فإن البلاستيك له فوائد كبيرة في أعمال البناء والإلكترونيات والنقل والتغليف والصناعات التحويلية والصناعات الطبية والدوائية.. وعلى الرغم من الدعوات بخفض استهلاك البلاستيك لما له من تأثيرات بيئية كبيرة، فإنه في واقع الأمر من المتوقع التوسّع في استهلاك البلاستيك، خاصة في صناعات البناء والسيارات والكهرباء والإلكترونيات.
الطلب العالمي
منذ ستينيات القرن الماضي، شهد الإنتاج والاستهلاك العالمي للبلاستيك نمواً بأكثر من 20 ضعفاً، حيث كان لنمو صناعة البناء والتشييد في الأسواق الناشئة مثل البرازيل والصين والهند والمكسيك دور فعال في زيادة الطلب على المواد البلاستيكية.
بشكل عام، يُستخدم البلاستيك في قطاعات مختلفة، غير أن 40% من إنتاج البلاستيك العالمي يستخدم للتغليف، و95% من العبوات البلاستيكية تستخدم لمرة واحدة. وقد زاد إنتاج المواد ذات الاستخدام الواحد تماشياً مع طلب المستهلكين على السلع المريحة مثل أدوات المائدة والأكواب، في حين يتم تغليف المواد الغذائية المستوردة في كثير من الأحيان بالبلاستيك لإبقائها طازجة لفترة أطول.
وفي عام 2020، قُدر إنتاج البلاستيك العالمي بنحو 367 مليون طن متري. وفي حين كان هذا انخفاضاً عن العام السابق، فقد تضاعف إنتاج البلاستيك العالمي تقريباً منذ مطلع القرن، ومن المتوقع أن يستمر إنتاج البلاستيك في النمو بسبب ارتفاع عدد السكان وزيادة القوة الشرائية وزيادة الطلب على السلع البلاستيكية المستدامة.
في عام 2021، بلغت قيمة سوق البلاستيك العالمي 593 مليار دولار أمريكي، وزادت قيمة سوق البلاستيك العالمية لما يقرب من 609 مليارات دولار أمريكي في عام 2022، ومن المتوقع أن ينمو سوق البلاستيك في السنوات المقبلة ليصل إلى قيمة تزيد عن 810 مليارات دولار أمريكي بحلول عام 2030، حيث يتوقع أن ينمو بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 4% خلال الفترة من عام 2023 إلى عام 2030.
استحوذ "البولي إيثيلين" "واحد من أنواع البلاستيك" على أكبر حصة سوقية تزيد عن 25% في عام 2022 من حيث الإيرادات. ويستخدم بشكل أساسي في قطاع التعبئة والتغليف، بما يشمله من الحاويات والزجاجات والأكياس البلاستيكية والأغشية البلاستيكية والأغشية الأرضية. ومن المتوقع أن يؤدي الطلب المتزايد على المواد الغذائية المعبأة، والآنية البلاستيكية، وزجاجات الحليب وعصائر الفاكهة، والصناديق، وأغطية تغليف المواد الغذائية، وغيرها من عبوات المواد الغذائية والطبية السائلة، إلى زيادة الطلب على "البولي إيثيلين" في السنوات المقبلة. وتستخدم مركّبات "ABS" على نطاق واسع في السلع الاستهلاكية والتطبيقات الكهربائية والإلكترونية ويكتسب شعبية بسبب صلابته الممتازة وقوته العالية وثبات الأبعاد. وتُعد لوحات مفاتيح الكمبيوتر أيضاً من التطبيقات المهمة لتلك المركّبات.
ومن المتوقع أن يستمر الطلب على البلاستيك في الزيادة حتى عام 2100 في العديد من المناطق، باستثناء أمريكا الشمالية وأوروبا، حيث يمكن أن يظل الطلب ثابتاً نسبياً. ومن المتوقع حدوث زيادات حادة في مناطق أخرى مع استمرارها في التطور.
جغرافية الأسواق
سيطرت منطقة آسيا والمحيط الهادئ على سوق البلاستيك عالمياً، مستحوذة على أكثر من 45% من الإيرادات في عام 2022. ومن المتوقع أن يؤدي قطاع التصنيع المتنامي إلى حفز الطلب على البلاستيك في صناعات السيارات والبناء والتعبئة والتغليف والكهرباء والإلكترونيات. وفي الماضي القريب، شهدت الهند والصين ارتفاعاً كبيراً في إنتاج السيارات بسبب نقل التكنولوجيا إلى هذا القطاع من الأسواق الغربية. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن توفر قاعدة تصنيع راسخة للأجهزة الكهربائية والإلكترونية في تايوان والصين وكوريا الجنوبية مزيداً من الزخم لصناعة البلاستيك.
تتمتع الهند بقاعدة قوية لصناعة المواد الكيميائية، مما يعزز إنتاجها من البلاستيك. ويُعد التحضر السريع وتحسين الظروف الاقتصادية وزيادة أنشطة البنية التحتية من العوامل التي تدعم نمو سوق البلاستيك في آسيا والمحيط الهادئ. وتُعد الصين أكبر مورد ومنتج للمكونات البلاستيكية في هذه المنطقة، حيث يسهم نمو سوق السيارات والإلكترونيات والطلب على المكونات خفيفة الوزن لتحسين كفاءة السيارة وتقليل وزن المكونات الإلكترونية في زيادة الطلب على البلاستيك في الصين وكثير من دول الجوار.
التكلفة البيئية
تمثل العبوات البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة أكثر من 141 مليون طن من النفايات البلاستيكية العالمية السنوية. ومع انخفاض معدلات إعادة التدوير العالمية إلى 20%، وحرق النفايات المتبقية أو إرسالها إلى مكب النفايات والمحيطات والبحار والأنهار، يتزايد التلوث البلاستيكي.
على الجانب الآخر، يتم إنتاج البلاستيك من مركّبات عضوية مثل النفط الخام والغاز الطبيعي وما إلى ذلك. أثناء إنتاج البلاستيك، يتم إطلاق بعض المواد الكيميائية السامة مثل الأسيتون والميثيلين والكلوريد والستايرين والبنزين وأكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين والميثانول وما إلى ذلك، وكذلك بعض المركبات العضوية المتطايرة. وتسبب هذه الأحماض السامة تلوثاً بيئياً خطراً بمرور الوقت. فعلى سبيل المثال، أثناء إنتاج مادة "PET" (البولي إيثيلين تيريفثاليت)، تزيد ملوثات الهواء بحوالي 100 مرة عن إنتاج نفس الكميات من الزجاج.
يؤدي إنتاج المواد البلاستيكية واستخدامها والتخلص منها أيضاً إلى انبعاث كميات كبيرة من الغازات الدفيئة خلال المراحل المختلفة لسلسلة القيمة البلاستيكية. وفقاً لبحث أجراه مركز القانون البيئي الدولي، يمكن أن تستنفد جهود معالجة انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن البلاستيك ما بين 10% إلى 13% من إجمالي ميزانية الكربون المتبقية حتى عام 2050 (في سياق هدف 1,5 درجة لاتفاقية باريس الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ).
يؤدي استخدام مواد كيميائية أخرى أثناء الإنتاج أيضاً إلى سُمّية الزئبق والرصاص والكادميوم وما إلى ذلك. ويتم استخدام أنواع مختلفة من الملدنات ومثبّتات الحرارة والراتنجات الحاجزة والملوّنات ومضادات الأكسدة بشكل أساس خلال هذه العملية الإنتاجية. فعلى سبيل المثال، يطلق إنتاج المياه المعبأة أكثر من 2 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون ويحتاج أيضاً إلى 3 لترات من الماء لإنتاج لتر واحد من المياه المعبأة.
وقد أدى سوء إدارة النفايات البلاستيكية إلى تسرب البلاستيك إلى المحيطات والأنهار، ما ترك آثاراً عميقة على الحياة المائية بصفة عامة، ويتركز ما يقرب من ربع النفايات البلاستيكية البحرية في 10 أنهار في آسيا وإفريقيا بالأساس، ويؤثر التلوث البلاستيكي أيضاً في الحياة على الأرض، ولذلك تواجه الشركات التي ترتبط منتجاتها ومواد التعبئة والتغليف بهذه التأثيرات مخاطر كبيرة على سمعتها. كما أن التأثير البصري للنفايات البلاستيكية يضر أيضاً بصناعات مثل السياحة التي تعتمد على البيئات البكر. وهذا بدوره يشكل ضغطاً على مرافق إدارة النفايات، والتي تكون محدودة في بعض المناطق.
حلول إعادة التدوير
تؤدي منتجات البلاستيك اليوم دوراً حيوياً في مختلف متطلبات الحياة الحديثة، ولكن كانت هناك مخاوف متزايدة بشأن آثاره البيئية في السنوات الأخيرة. وقد أدى ذلك إلى زيادة الطلب على المزيد من المواد الصديقة للبيئة مثل المواد البلاستيكية القابلة للتحلل. ومن المتوقع أن تصل قيمة السوق العالمية للمواد البلاستيكية القابلة للتحلل إلى أكثر من 20 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026.
ومع تحول الأنظمة والدول نحو نماذج الاقتصاد الدائري، هناك فرص للاستثمارات المستقبلية لمعالجة التلوث البلاستيكي والآثار الأخرى ذات الصلة. في هذا الإطار توجد حلول محتملة في كل مرحلة من مراحل الاقتصاد الدائري: التصميم، وإعادة الاستخدام والإصلاح، وإعادة التدوير.
ويمكن تصميم المنتجات لتقليل استخدام البلاستيك إلى الحد الأدنى أو إلغاء الحاجة إليه تماماً. ومن البدائل التي يمكن أن تعزز هذا الاتجاه:
• البلاستيك الحيوي (النباتي).
• البلاستيك القابل للتحلل الحيوي، والذي يحتاج إلى الظروف المناسبة لتمكينه من التحلل الحيوي.
• العبوات الصالحة للطعام كبديل للعبوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد (تستخدم البلاستيك الحيوي)
• استخدام النفايات البلاستيكية.
• البلاستيك القابل للتحلل يقلل (نظرياً) من كمية النفايات المنتجة.
كما أن إعادة استخدام المنتجات البلاستيكية وإصلاحها يقلل من الحاجة إلى إنتاج المزيد من البلاستيك، مما يؤدي إلى تقليل النفايات وانبعاثات الغازات الدفيئة. في حين أنه يمكن إعادة استخدام المنتجات أو الحاويات، إلا أن هناك حاجة إلى عدة دورات لجني الاستدامة والفوائد الاقتصادية. عند إعادة استخدام المنتجات، قد تكون هناك حاجة إلى إجراء إصلاحات لإطالة عمر المنتج أو المادة بشكلها الحالي. على سبيل المثال، تقوم شركة التكنولوجيا العملاقة "آبل Apple" بتجديد أجهزة الكمبيوتر المحمولة التي تعمل بنظام "ماك Mac" وتعيد بيعها بضمان لمدة عام واحد.
وبمجرد جمع المنتجات البلاستيكية وفرزها، يمكن إعادة تدويرها ميكانيكياً أو كيميائياً. وسيؤدي إنشاء سوق للمواد البلاستيكية المعاد تدويرها إلى زيادة قيمة المادة. فبمجرد التقاط النفايات البلاستيكية أو جمعها، يمكن لمصنعي البتروكيماويات والبلاستيك إعادة توظيفها لإنتاج منتجات جديدة. على سبيل المثال، يمكن استخدام البلاستيك المعاد تدويره في منتجات البناء مثل الأنابيب وتكسية الجدران والأسوار والأرضيات. هناك أيضاً أمثلة على المواد البلاستيكية الموجودة في المحيطات والتي يتم التقاطها واستخدامها لإنتاج منتجات جديدة مثل الملابس الرياضية.