عرض: وفاء الريحان
تعدُ منطقة خليج البنغال، والتي تضم بنغلاديش وتايلاند وسريلانكا وميانمار والهند، من أكثر المناطق تأثراً بتغيرات المناخ؛ مما قد يؤدي إلى تفاقم عوامل الخطر، وكذلك حالات عدم الاستقرار السياسي والعنف المرتبطتين بها في العقود المقبلة، خاصة أن هناك أربع دول يُرجح أن تكون الأكثر تأثراً بارتفاع درجات الحرارة العالمية، وهي: بنغلاديش والهند وميانمار وتايلاند.
وبشكل عام، تُعد التقلبات المناخية عاملاً مضاعفاً للتهديدات التي تواجهها بلدان المنطقة، بالنظر إلى تفاوت قدراتها على الإغاثة في حالات الكوارث وتعزيز الأمن البشري، فضلاً عن وجود المنطقة في قلب المنافسة الأمريكية الصينية؛ باعتبار أنها منطقة للأمن البحري، إلى جانب ذلك تتزايد التوترات الجيوسياسية داخل المنطقة بين ميانمار وبنغلاديش، وما إلى ذلك من العوامل التي يترتب عليها في حالة حدوث تهديدات مناخية عالية مزيد من حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
في هذا الإطار، جاءت تلك الورقة المُعنونة بـ"أمن المناخ وعدم الاستقرار في منطقة خليج البنغال" ضمن سلسلة أوراق حول إدارة الاضطراب العالمي من مجلس العلاقات الخارجية، للباحث سارانغ شيدور مدير الدراسات وزميل باحث أول في معهد كوينسي. وتُقدم الورقة المنشورة في إبريل 2023 لمحة عن تأثير التغيرات المناخية في دول المنطقة، والعلاقة بين التغير المناخي وانعدام الأمن الإقليمي وعدم الاستقرار الداخلي، ثم تطرح نهج السياسة التعاونية لصانعي السياسات الإقليمية والعالمية، لتحسين مرونة وقدرات الإغاثة من الكوارث ودبلوماسية الأمن المناخي الوقائي مع المؤسسات والدول الإقليمية.
ارتباطات المناخ والأمن:
تنطلق الورقة من فرضية مفادها أنه لا توجد بالضرورة علاقة سببية مباشرة بين تغير المناخ والنزاعات المسلحة أو حالات عدم الاستقرار السياسي، لكنها ترى أنه في ظل ظروف معينة، يمكن أن تُسبب آثار تغير المناخ اتساع خطوط الصدع الاجتماعي والاقتصادي القائمة، مما يزيد من احتمالات الصراع. وترى الورقة أن الدراسات السابقة التي تناولت العلاقة بين التأثر بالتغير المناخي وعدم الاستقرار المحلي في منطقة البنغال لم تكن شاملة ومُركزة برغم وجود دراسات كثيرة تناولت تلك العلاقة في منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا، بما في ذلك التوترات بين الهند والصين، والصراع بين الهند وباكستان، ونزاعات المياه.
ويذهب شيدور في ورقته إلى أن منطقة خليج البنغال تواجه تحديات كبيرة من تغير المناخ، بما في ذلك كثافة الأعاصير وارتفاع منسوب مياه البحر، والفيضانات، والجفاف، والحرارة الشديدة. فعندما ترتفع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية من المتوقع أن تؤدي ظروف الإجهاد الحراري - على سبيل المثال - إلى الجفاف. وبالنظر إلى أن معظم السكان الذين يعيشون في المناطق الساحلية لخليج البنغال يعملون في الزراعة فيمكن أن تتأثر مناطق زراعة الأرز – خاصة في تايلاند وبنغلاديش والهند – بشكل كبير بالجفاف أو تدهور التربة. على جانب آخر، قد يتسبب تغير المناخ في زيادة هطول الأمطار، وهو سبب رئيسي للفيضانات، ويُهدد بارتفاع منسوب مياه البحر في مدن مثل: تشيناي وكلكتا وداكا ويانغون وبانكوك.
ويرى شيدور أنه بينما تتعرض كل من بنغلاديش والهند وميانمار وتايلاند لمخاطر مناخية كبيرة، فإنها تتمتع بمستويات مختلفة من التنمية الاقتصادية، وهو ما يؤثر من ناحية في جهود التكيف، ومن ناحية أخرى يزيد من حالة عدم الاستقرار الداخلي.
يتضح من الشكل السابق أن الناتج المحلي الإجمالي للهند هو الأكبر، لكنه أقل من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ويُعد المقياس الأخير هو الأهم لأنه مرتبط عكسياً بقابلية التأثر بالمناخ، لذا تُعد تايلاند الأكثر تقدماً. وأخيراً، حققت بنغلاديش تقدماً ملحوظاً لتتجاوز الهند بشكل طفيف في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. وإذا أخذنا في الاعتبار متغير التنمية الاقتصادية في علاقته بحالة انعدام الأمن، فإن عدم الاستقرار الداخلي في ميانمار في أعقاب الانقلاب العسكري في فبراير 2021 أدى إلى زيادة هشاشة الدولة بشكل كبير، وجعلها مُعرضة بشكل أكبر لعدم الاستقرار المرتبط بتغير المناخ.
سيناريوهات عدم الاستقرار:
تؤكد الورقة العلاقة الارتباطية بين المخاطر العالية للتغيرات المناخية وعدم الاستقرار السياسي، إذا تحققت التوقعات بارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.5 أو 2 درجة مئوية بحلول عام 2050. في حين أن النتائج النهائية لهذا التشابك لا يمكن التنبؤ بها تماماً، وفي هذا الإطار يتم طرح أربعة سيناريوهات كدليل لتخطيط السياسات لضمان قدر أكبر من المرونة الإقليمية والتخطيط لمواجهة التحديات الأمنية:
- السيناريو الأول: الانهيار الأمني: وهو يتركز في تضخم الصراع الداخلي في ميانمار بسبب تغير المناخ. فمن المرجح أن تؤدي أية صدمة مناخية مثل، الإعصار الشديد إلى زيادة الضغط على حكومة ميانمار غير المستقرة بالفعل. كما أن العواقب الزراعية لظروف الجفاف الحالية في وسط ميانمار تقلل بالفعل من فرص كسب العيش، وتؤدي إلى النزوح، وتوفر المجندين للجماعات المتمردة.
ففي المناطق الأكثر تضرراً، خاصة ولاية راخين ومناطق أيياروادي ومساغاينغ وباغو يمكن أن يؤدي تصاعد التطرف وتزايد الفقر والنزوح الداخلي إلى أزمة سياسية في ميانمار. كما تؤدي هذه الأزمات إلى فقدان الحكومة العسكرية السيطرة على المزيد من الأراضي حيث تضعف قدرتها وشرعيتها، مما يسمح لحركات التمرد الحالية بالتصاعد. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك آثاراً غير مباشرة للصراع مثل زيادة تدفق اللاجئين، التي قد تخلق فرصاً للاشتباكات بين الدول، ولاسيما على الحدود مع بنغلاديش. ويمكن للاجئين أيضاً السفر على طول الطرق البحرية من ميانمار إلى الدول الساحلية الأخرى في المنطقة، وهو ما يؤدي على جانب آخر إلى تفاقم التوترات العرقية المحلية وإعطاء دفعة لحركات التمرد الناشئة، وخاصة في الهند.
- السيناريو الثاني: الاضطرابات السياسية: يركز هذا السيناريو السلبي على بنغلاديش في حالة عدم قدرتها على التكيف مع تغير المناخ على مدى الخمسة عشر إلى الثلاثين عاماً المقبلة. ويتزامن ذلك مع احتمال حدوث اضطرابات سياسية في البلاد، بالإضافة إلى أزمة اقتصادية، وكل ذلك من شأنه أن يُعمق الهجرة المناخية من البلاد، وتشير بعض التقديرات إلى أن هؤلاء المهاجرين يمكن أن يصلوا من 15 إلى 25 مليوناً بحلول عام 2050. وسيعبر جزءٌ منهم إلى الهند؛ بما يؤدي إلى تعميق السياسات المناهضة للمهاجرين، وزيادة التوترات بين الهند وبنغلاديش.
- السيناريو الثالث: التكيف والتعافي: وهو سيناريو يناقض السابق، إذ تتوقع الورقة فيه أن تنجح بنغلاديش في التكيف مع تداعيات التغير المناخي، بسبب قدرتها على المزج بين معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، واستراتيجيات التعافي من الكوارث، وهو ما يمكن أن يضعها في المقدمة، بل وتقود عملية المواجهة الإقليمية.
- السيناريو الرابع: الانعزالية والضعف: ويتمثل هذا السيناريو في ضعف العمل الجماعي وسيادة النهج الفردي في التعامل مع قضايا التكيف المناخي، وهنا يضعف تأثير المنظمات الإقليمية مثل "الآسيان" في تفعيل العمل المشترك، وهو ما يجعل قدرات الدول على التكيف أضعف، وبالتالي المستوى الاقتصادي أسوأ. كما أنه في هذا السيناريو سيتناقص عدد المهاجرين بسبب المناخ عبر الحدود، رغم أن الهجرة الداخلية تكون على نطاق واسع.
وتوضح الورقة أن تلك السيناريوهات الأربعة توضح حجم التحدي الأمني - المناخي في المنطقة، حيث ترى أن حلحلته تتطلب جهوداً تتجاوز القدرات الوطنية للدول، لتمتد إلى الخيارات التعاونية لمعالجة أزمة المناخ ذات الطبيعة الإقليمية أو الدولية؛ حيث إنها تتمتع بأكبر إمكانات لتعزيز الأمن المناخي في منطقة خليج البنغال.
نهج السياسة التعاونية:
ترى الورقة أن اتباع النهج التعاوني لإدارة تحديات الأمن المناخي على المستويات: الإقليمية، وعبر الإقليمية، والدولية هو الحل الأمثل لمواجهة التداعيات السلبية للتغيرات المناخية على دول المنطقة، وذلك على النحو الآتي:
- المستوى الإقليمي: هناك ضعف في آليات العمل الجماعي، فحتى رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي "SAARC" التي تتكون من دول جنوب آسيا وتأسست عام 1985، لم تعد فاعلة منذ عام 2016 بسبب التوترات المتزايدة بين الهند وباكستان، فضلاً عن التوترات من الوجود الصيني المتزايد في المنطقة، الذي يؤدي إلى تأزم العلاقات بين الهند وجيرانها.
- المستوى عبر الإقليمي: توجد العديد من المؤسسات والآليات والتي تؤدي دوراً بارزاً في الأمن المناخي مثل مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي متعدد القطاعات "BIMSTEC"، التي تأسست في عام 1997 في بانكوك من أربعة أعضاء أصليين وهم: بنغلاديش، الهند، سريلانكا، تايلاند، وانضمت ميانمار وعدد من الدول الأخرى في وقت لاحق. ويرى شيدور هذه المبادرة أفضل موقع لمواجهة تحديات الأمن المناخي في المنطقة لاتساع عضويتها، كما أن ميثاقها يدرج الأمن المناخي باعتباره مطلباً لتحقيق الاستقرار والسلام، ولكن التوترات السياسية والمشاكل الحدودية بين دول المنطقة تطغى على عمل المبادرة.
ويوجد أيضاً في هذا الإطار رابطة حافة المحيط الهندي "IORA" والتي تعمل على تعزيز التعاون الإقليمي والتنمية المستدامة داخل منطقة المحيط الهندي، من خلال دولها البالغ عددها 23 دولة وشركاء حوار. وتُعد إدارة مخاطر الكوارث، التي تشمل قدرات الاستعداد والتخفيف والتعافي من المخاطر الطبيعية مثل تسونامي والزلازل، أحد المجالات الثمانية ذات الأولوية لمهام الرابطة، والتي كانت قد استضافت الاجتماع الأول لمجموعة الخبراء بشأن إدارة مخاطر الكوارث عام 2021.
- المستوى الدولي: أدت القوى الكبرى، كالولايات المتحدة والصين والهند، دوراً مؤثراً في مكافحة التحديات الأمنية المتعلقة بتغير المناخ في المنطقة. ومن الأمثلة المبكرة على ذلك العملية "SeaAngle" "سي أنجل" التي قادتها واشنطن لمساعدة بنغلاديش في أعقاب إعصار عام 1991، وأُجريت بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وحكومة اليابان. وتُعد مشاركة الصين في إطار "دبلوماسية الكوارث" هي الأحدث في المنطقة؛ وتضمنت مساهمات بكين إنشاء صندوق مساعدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب في عام 2015، وزيادة كبيرة في تمويل وكالة الأمم المتحدة للاجئين منذ عام 2017.
ختاماً، تخلص الورقة البحثية إلى أنه بالنظر للطبيعة عبر الوطنية ونطاق التهديد الهائل الذي يُمثله تغير المناخ في منطقة خليج البنغال، فلن يكون الحد من أضراره ممكناً إلا من خلال التعاون الدولي. وتوجه نداءً لصانع القرار الأمريكي بتعزيز تمويل جهود التكيف، وتعزيز جهود حكومة بنغلاديش بالتحديد باعتبارها نقطة الارتكاز في المنطقة، والأكثر عرضة للخطر، إلى جانب دعم الجهات الفاعلة الإقليمية خاصة مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي متعدد الأبعاد باعتبارها من أكثر الخيارات الواعدة في هذا الصدد. كما تطالب بالتنسيق في نهج التعافي من الكوارث بين الولايات المتحدة والصين، وبالشراكة مع سنغافورة والدول المطلة على خليج البنغال.
المصدر:
Sarang Shidore, Climate Security and Instability in the Bay of Bengal Region, Discussion Paper Series on Managing Global Disorder No. 13 April 2023, Council on Foreign Relations.