صوت مجلس النواب العراقي يوم 8 سبتمبر 2014 على أسماء وزراء حكومة حيدر العبادي التي تضم 23 وزارة، في ظل تحديات أمنية واضحة يمر بها العراق مع تمدد وسيطرة "داعش" على عدد من المحافظات، وقد ضمت حكومة العبادي وزراء من مختلف القوميات والطوائف في الدولة، في حين تم تأجيل تسمية وزيري الداخلية والهجرة والدفاع من أجل إعطاء فرصة للكتل السياسية لحسم الأمر بشأن الأسماء المطروحة.
وفي هذا الشأن من المهم البحث حول مدى إمكانية نجاح البرنامج الحكومي المعلن ومدى كفاءة الوزراء المكلفين في معالجة الأزمة السياسية والأمنية والدستورية التي يمر بها العراق منذ فترة طويلة، وكذلك إلقاء الضوء على أهم التحديات الآنية والمستقبلة التي تواجه حكومة العبادي في المرحلة المقبلة، وذلك بغية الوصول إلى رؤية مستقبلية بشأن الوضع في العراق.
البرنامج الحكومي الجديد.. المضمون والثغرات
عملت حكومة العبادي على وضع ثماني ركائز من شأنها خلق نوع من التهدئة لأبرز القضايا في البلاد، حيث تعهدت بدعم العمليات العسكرية في العراق لمواجهة الإرهاب والتطرف، والسعي إلى تطوير ما سُمي بالحشد الشعبي الذي تأسس تحت دعوى "الجهاد الكفائي" التي دعا إليها المرجع الشيعي الأعلى "علي السيستاني" مع بداية هجمات تنظيم داعش، وصولاً إلى تشكيل الحرس الوطني في كل محافظة؛ وهو من أهم القرارات التي من المنتظر أن يبت فيها البرلمان العراقي خلال المرحلة القادمة، علاوة على تعهدات العبادي بضرورة إيجاد صيغة توافقية لحل الخلافات العالقة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، والتي تدور حول استخراج النفط والغاز في الإقليم من خلال اتباع الآليات الدستورية وتنظيم كل ما يتعلق بهذه الثروة من خلال تشريع القانون النفط والغاز وقانون توزيع الموارد المالية خلال ستة أشهر.
كما تعهد البرنامج الحكومي الجديد بإيجاد الحلول المناسبة لمشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها طبقاً للمادة 140 من الدستور العراقي، والعمل على إمداد قوات البشمركة الكردية بالإمكانات اللازمة في إطار مشروع تشكيل قوات الحرس الوطني لحماية الإقليم والمحافظات العراقية كافة ضمن منظومة الدفاع الوطني، وإلزام الحكومة بالعمل المستمر من أجل تحسين الخدمات والكهرباء والمياه والإسكان، من خلال اعتماد خطة استراتيجية تمتد من عام 2015 إلى عام 2018 تتعلق بالإعمار والبناء واحترام حقوق الإنسان وحصر السلاح بيد الدولة وحظر التشكيلات المسلحة.
وعلى الرغم من أهمية وعمق هذه التعهدات، إلا أن القراءة الأولية لها توضح ما يلي:
أ- عدم التزام حيدر العبادي بمدى أو سقف زمني لتنفيذ هذه التعهدات.
ب- إن التشكيلة الحكومية الحالية والتعهدات الواردة في البرنامج الحكومي تضع التحالف الوطني الشيعي أمام اختبار حقيقي ليثبت قدرته وإرادته على تجاوز الأزمات المتعددة في العراق من خلال إبداء قدر من المرونة والانفتاح، وكذلك من خلال استعداد التحالف الوطني لإخراج أي طرف من الحياة السياسية قد يريد تخريب المشهد السياسي، وهو ما يضعه على خط المواجهة مع عدد من القوى السياسية بمختلف انتماءاتها.
ج- شمل البرنامج الحكومي عدداً من الأوراق التفاوضية التي تقدم بها كل من السنة والأكراد، وذلك بهدف إيجاد أُطر سياسية وقانونية من شأنها أن تهيئ لشراكة حقيقية وتمنع الانفراد بالسلطة واتخاذ القرار، وذلك من خلال إعلاء دولة المواطنة وليس دولة المكونات، ولذلك منحت الأطراف السياسية الكردستانية فرصة 3 أشهر للتحقق من التزام الحكومة بقضايا الإقليم، وحل الخلافات العالقة.
التحديات المستقبلية أمام الحكومة العراقية الجديدة
على الرغم من الترحيب الداخلي والإقليمي والدولي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة واعتبارها خطوة كبيرة ومرحلة أساسية في مواجهة تنظيم "داعش" والقضاء عليه، فإن ثمة تحديات عديدة في انتظار هذه الحكومة في المدى المنظور، وتتلخص أهم هذه التحديات في الآتي:
أ- التحدي الزمني: في ظل التخوف من تكرار تجربة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في ظل رفع سقف التعهدات وعدم تحديد فترة زمنية لتنفيذها، علاوة على إرجاء تسمية مرشحي وزارتي الداخلية والدفاع، وهو ما يعيد إلى الأذهان تسلم المالكي لإدارة الوزارتين، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية.
ب- التحدي الأمني: يعد الملف الأمني أحد أبرز التحديات أمام حكومة حيدر العبادي الجديدة، خاصةً في ظل انتشار الميليشيات الشيعية المسلحة مثل "عصائب أهل الحق" التي تعد من أهم الميليشيات المدعومة من إيران، حيث تمثل هذه الميليشيات تحدياً محورياً للحكومة العراقية. ومن المؤكد أن السماح لجهات معينة بحمل السلاح ومصادرة دور المؤسسة العسكرية في أداء واجباتها يمكن أن يقوض قدرة أي حكومة جديدة على تقييدها وتحييد دورها بعد ذلك، علاوة على تحفظ ورفض المكون السني لوجود وبقاء هذه الميليشيات على الأرض، لما تمثله من تهديد حقيقي على أبناء الطائفة السنية.
ويضاف لما سبق، وجود تعقيدات أخرى تشوب المشهد الأمني في العراق في ظل انتشار عمليات التفجيرات والاغتيالات وهجمات "داعش" على عدد من المناطق في العراق مثل الكاظمية والضلوعية، وعدم تطور منظومات الأسلحة للجيش العراقي وتوافر الكفاءات العملية والعسكرية القادرة على إدارة المؤسسات الأمنية، وكذلك غياب العقيدة العسكرية الواضحة وظهور التحزب والتكتلات داخل هذه المؤسسة الأمنية، مما أضر بإمكانياتها وقدراتها.
ج- تحديات متعلقة بتشكيل الحكومة وسير عملها، وهي:
- عدم تسمية وزارتي الداخلية والدفاع وتضارب الأنباء حول أسماء المرشحين وما يمكن أن يسفر عن وجود خلافات شيعية - شيعية في ظل اعتراض "منظمة بدر" على عدم تولي مرشحيها أي من المنصبين على الرغم من حصولها على حقيبتين في التشكيلة الوزارية الجديدة،. ولعل أحد الأسباب وراء عدم حصولها على إحداهما رفض الولايات المتحدة تولي رئيس منظمة بدر "هادي العامري" منصب وزير الدفاع أو الداخلية، الأمر الذي يفرض على المكون الشيعي حسم هذا الأمر من خلال مسارين، يعتمد أولهما على ما يعرف بـ "النقاط"، بمعنى اللجوء للكتل التي لاتزال لديها نقاط، وهما كتلتي "الأحرار" و"بدر". فيما يعتمد المسار الثاني على اختيار شخصيات مستقلة، وهو الأمر الذي يعني وجود صعوبة في حسم الأمر، نظراً لاعتراض كل من "الأحرار" و"بدر" على هذه الصيغ التي تراها التفافية داخل التحالف الوطني الشيعي، بينما ترى بعض الكتل السياسية الشيعية الأخرى مثل تحالف "أوفياء للوطن" ضرورة أن يخرج المنصب عن منظمة "بدر"، ولذلك تم ترشيح أحمد الجلبي وقاسم داود وفالح الفياض من أجل تجاوز المشاكل الداخلية في التحالف مقابل مواجهة أزمات الدولة الحقيقية.
من ناحية أخرى، تم الاتفاق على أن يشغل العرب السنة منصب وزارة الدفاع. ولذلك تقدم اتحاد القوى العراقية "سني" بتحديد اثنين هما جابر الجابري وخالد العبيدي، لكي يختار رئيس الوزراء أحدهما، وإن كان هذا الأمر لن يحل مشاكل المكون السني مع الحكومة الجديدة، حيث تترقب الكتل السياسية السنية (اتحاد القوى العراقية في البرلمان) مدى قدرة الحكومة على تنفيد مطالبها المتمثلة في ملف المساءلة والعدالة وتحويلها من ملف سياسي إلى ملف قضائي، ومعالجة قضايا المعتقلين دون محاكمات، ومراجعة قانون العفو العام، وكذلك الملف الخاص بتوزيع الإيرادات المالية الاتحادية بطريقة عادلة، وأن يكون أبناء الطائفة السنية جزءاً من المنظومة الأمنية الرسمية للدولة، وهي الملفات الشائكة التي تعد تحدياً واضحاً أمام الحكومة خاصةً في تلك الفترة مع تصاعد تهديدات تنظيم "داعش".
- تحديات مالية، حيث برزت المؤشرات على وجود توجه داخل الحكومة يهدف إلى تقليص النفقات الحكومية، ولذلك أمهلت اللجنة المالية النيابية المؤقتة وزارة المالية مهلة محددة لإرسال مشروع قانون الموازنة تمهيداً لإقرارها، وهو المشروع المعطل منذ الدورة البرلمانية السابقة خاصةً في ظل اعتراض الكتلة الكردستانية عليه، واعتراض بعض القوى السياسية الأخرى كوسيلة للضغط حينها على رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
- ظهور خلاف جديد بين المكون الكردي والشيعي، نظراً لتمسك الأكراد بمنصب مدير الاستخبارات العامة على اعتبار أنه استحقاق للأكراد، باعتبارهم جزء من المنظومة الدفاعية للعراق، في مقابل رفض التحالف الوطني منح هذا المنصب للأكراد لعدم وجود هذا الجهاز في الإقليم، فإن ذلك يفتح المجال لفصل جديد من الخلاف بين المكونات السياسية العراقية خاصةً الكردية والشيعية.
د- التحدي الكردي: حيث أمهلت الكتلة الكردستانية الحكومة الجديدة 3 أشهر للاستجابة لمطالبها وإلا انسحبت من الحكومة. وفي هذا الإطار حدد الأكراد عدداً من الشروط لعل من أهمها، تعليق البرنامج المقترح وطرحه للنقاش وإجراء حوار بين المشاركين لإعادة صياغة البرنامج خلال 3 أشهر، علاوة على ضمان العدل في تحديد حصة الأكراد من الوزارات، وتشكيل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء الاتحادي ورئيس وزراء إقليم كردستان لبحث آليات دفع حصة الإقليم من الموازنة وإطلاق حصة الإقليم للأشهر من يناير إلى أغسطس 2014، وبحث موضوع النفط والغاز وتوزيع الواردات خلال 3 أشهر، والشروع في دفع مستحقات الإقليم بدءاً من سبتمبر 2014، ومعالجة القضايا الخلافية حول المادة 140 والتسهيلات حول الطيران المدني.
ومن ثم، يمثل طرح الأكراد لهذه الشروط تحدياً كبيراً أمام حكومة العبادي، نظراً لصعوبة تلبية العديد منها في هذا التوقيت، مما ينذر بوجود مشكلة حقيقية في تشكيلة الحكومة ليس في تلك الفترة بل بعد انتهاء المهلة المحددة من جانب الأكراد.
هـ- التحدي الخاص باستمرار تهميش المرأة والأقليات: على الرغم من أن المادة 14 والمادة 16 من الدستور العراقي تنص على مساواة العراقيين أمام القانون دون تمييز، وتنص على أن تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، فإن هذا الأمر غاب عن الحكومة الجديدة مثل الحكومات السابقة، حيث عبر عدد من ممثلي الأقليات عن استيائهم من سياسة التهميش والإقصاء في العراق، وتحديداً المسيحيين والتركمان والإيزيديين، حيث اعتبروا أن نظام المحاصصة الطائفية أدى إلى سيطرة الكتل الكبرى على المناصب، وهو ما يعد مخالفة للنهج الديموقراطي، خاصةً في ظل ما تتعرض له هذه الأقليات من اضطهاد مع بداية سيطرة تنظيم "داعش" على عدد من المدن التي يقطنها أقليات عراقية، مما دفع بعضهم للمطالبة بضرورة تقديم حماية دولية وتسليحهم ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، وكذلك مطالبة بعضهم بتأسيس إقليم خاص بالأقليات؛ مما ينذر بإضافة عنصر جديد لتفتيت الدولة العراقية ويفاقم في الوقت ذاته من أعباء التحديات الأمنية أمام الحكومة العراقية.
مجمل القول، على الرغم من اعتبار تشكيل حكومة العبادي الجديدة خطوة مهمة على طريق إخراج العراق من أزماته، بيد أن التحديات التي تواجه هذه الحكومة تنذر باستمرار الأزمات الداخلية والأمنية في البلاد، أي أن الأمر أصبح لا يقتصر على تغيير وجود الوزراء والرؤساء، وإنما يكمن في تغيير أسلوب الإدارة، وهو ما يتطلب حدوث اتفاق بين الرئاسات الثلاث في العراق لبحث مجمل الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، وتوحيد الجهود من أجل خدمة أبناء الشعب والتنسيق بين السلطات التشريعية والتنفيذية من أجل تمرير القوانين العالقة التي ترمي إلى تحسين الوضع الاقتصادي، وعدم ارتباط العراق بأي تكتلات سياسية إقليمية كانت أو دولية، وذلك من خلال إعلاء القوى السياسية العراقية لمصلحة دولتهم على أي حسابات أخرى.