يُعد إرسال مبعوث أممي لمناطق النزاع والصراعات المسلحة أمراً رئيسياً كإحدى أدوات الأمم المتحدة للتعاطي مع تلك النزاعات ومحاولة تسويتها. وتاريخياً، كانت منطقة الشرق الأوسط ضمن الساحات الأساسية لعمل المبعوثين الأمميين، حيث أرسلت الأمم المتحدة، السويدي فولك برنادوت، كأول مبعوث أممي أو وسيط للمنطقة عام 1948؛ بهدف بحث تسوية الوضع المستقبلي لفلسطين، ومنذ ذلك الحين توافد على المنطقة عدد كبير من المبعوثين.
وكثفت الأمم المتحدة انخراطها في الصراعات المسلحة في الإقليم خلال السنوات التي أعقبت أحداث عام 2011، حيث فرضت النزاعات المسلحة في المنطقة على الأمم المتحدة توجهاً قائماً على إيفاد مبعوثيها لمناطق اندلاع الصراعات كمحاولة لإيقافها، والمساعدة في تجاوز الخلافات التي تؤدي بدورها لتجدد دورات الصراع. بيد أن المنظمة الدولية لم تنجح في تسوية أو إنهاء هذه الصراعات؛ لأسباب عديدة.
انخراط مكثف:
منذ انتهاء الحرب الباردة، وقبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كانت السمة الرئيسية للنزاعات حول العالم تشير إلى تراجع النزاعات أو الصراعات ذات الطابع الدولي مقابل تنامي الصراعات الداخلية في عدد من المناطق حول العالم. وكانت منطقة الشرق الأوسط ضمن الساحات التي تنامت فيها الصراعات الداخلية التي امتد تأثيرها طيلة السنوات الماضية، خاصة في كل من سوريا واليمن وليبيا، علاوة على دخول السودان على نفس الخط منذ اندلاع الصراع الداخلي في منتصف إبريل 2023.
ودفعت الصراعات الداخلية في الشرق الأوسط، الأمم المتحدة، انطلاقاً من الفصل السادس من ميثاقها المرتبط بالحل السلمي للنزاعات التي من شأنها أن تؤثر في الأمن والسلم الدوليين، إلى تعزيز مهامها وانخراطها المبكر في تلك الصراعات عبر مبعوثيها. وبالرغم من توافد عشرات المبعوثين على المنطقة، فإنهم لم ينجحوا في تحقيق أي اختراق في مسار التسوية وتهدئة التوترات القائمة بين الأطراف المنخرطة في النزاع. وهو ما يتضح في التالي:
1- حرب اليمن: تعاقب على الصراع اليمني أربعة مبعوثين منذ تعيين الأمم المتحدة، جمال بن عمر، في إبريل 2011، وكانت مهمته المحددة من قِبل المنظمة الدولية تدور حول "رعاية عملية انتقالية سياسية سلمية وشاملة"، وخلال أشهر من ولايته جاءت المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011 لتُعزز إمكانية انتقال السلطة على أمل تحقيق انفراجة تفضي إلى تسوية مبكرة للأزمة، فضلاً عن دوره في جمع الأطراف اليمنية كافة على مائدة مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والذي انتهى في يناير 2014 بإصدار وثيقة باتت من مرتكزات أي تسوية محتملة.
ومع ذلك، تبددت الآمال على خلفية انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية، ودخول اليمن في دوامة الصفقات والحسابات المتناقضة لأطرافها، وهو ما دفع جمال بن عمر إلى تقديم استقالته في إبريل 2015. ولم ينجح خليفته، الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ومن بعده البريطاني مارتن جريفيث، وصولاً إلى المبعوث الحالي، السويدي هانس غروندبرغ، الذي تم تعيينه في أغسطس 2021، سوى في تحقيق إنجازات مؤقتة أو منقوصة، تمثلت أغلبها في رعاية مباحثات تفاوض بين أطراف الأزمة سواءً في جنيف أو الكويت أو ستوكهولم، والتي أسهمت في تهدئة التوترات لفترات وجيزة قبل أن يتجدد الصراع مرة أخرى؛ بسبب التعنت الحوثي ورفض المليشيا أي محاولات للحل السياسي بالرغم من التنازلات التي تقدمها الشرعية في سبيل استعادة الاستقرار وتحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في البلاد.
2- الأزمة الليبية: حازت ليبيا على النصيب الأكبر من المبعوثين الأمميين، حيث أرسلت الأمم المتحدة تسعة مبعوثين منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، بداية من الأردني عبدالإله الخطيب، والبريطاني إيان مارتن، واللبناني طارق متري، والإسباني برناردينو ليون، والألماني مارتن كوبلر، فضلاً عن اللبناني غسان سلامة، والأمريكية ستيفاني ويليامز، والسلوفاكي يان كوبيش، وصولاً إلى المبعوث الحالي السنغالي عبدالله باتيلي.
ويعكس تعدد المبعوثين الأممين مقابل غياب الفعالية وضعف المخرجات، طبيعة المأزق الذي عانته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا طيلة السنوات الماضية، حيث اصطدمت أدوارها بإشكاليات تنظيمية وعملياتية. فلم تنجح في تحقيق تقدم ملموس حتى مع توقيع اتفاق الصخيرات عام 2015 أو عقد ملتقى الحوار السياسي 2020 والذي أسس لمرحلة أكثر تقدماً في عمر الأزمة عبر صياغة خارطة طريق حددت لأول مرة موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية، قبل أن تتعثر مهمة البعثة، ومن ثم مسار الانتقال السياسي على صخرة الخلافات الداخلية والخارجية والمصالح الضيقة للفاعلين في المشهد.
3- الصراع السوري: لم تختلف سوريا كثيراً عن باقي الصراعات في الإقليم، حيث أرسلت الأمم المتحدة أربعة مبعوثين منذ اندلاع هذه الأزمة، بدايةً من كوفي عنان الذي تولى مهامه في فبراير 2012 كأول مبعوث أممي لدى سوريا، قبل أن يستقيل في غضون ستة أشهر، مروراً بكل من الأخضر الإبراهيمي، وستيفان دي ميستورا، وصولاً إلى المبعوث الحالي غير بيدرسون. وبالرغم من أن هؤلاء المبعوثين يتمتعون بخبرة عملية كبيرة في التعاطي مع قضايا وملفات الأزمات في المنطقة، لم تؤتِ جهودهم ثمارها، في ظل معادلة الاشتباك القائمة في سوريا، وعليه لا يُرجح أن يحقق المبعوث الحالي بيدرسون تقدماً ملموساً في الصراع السوري.
4- الصراع السوداني: اعتمد مجلس الأمن الدولي، في يونيو 2020، قراراً يفضي إلى إنشاء بعثة أممية لدعم المرحلة الانتقالية في السودان بداية من يناير 2021 ولمدة عام، قبل أن يتم تمديد عمل البعثة في يونيو 2021 لمدة عام إضافي، الأمر ذاته تكرر في يونيو 2022. وفي مطلع يونيو 2023، أصدر قراراً يمدد بموجبة مهام البعثة الأممية 6 أشهر حتى الثالث من ديسمبر المقبل.
وعلى الرغم من المدى الزمني القصير لبعثة الأمم المتحدة في السودان، مقارنة بباقي البعثات في مناطق الصراع الأخرى بالمنطقة، فقد أثارت جدلاً واسعاً لدرجة أن الموقف الرسمي للحكومة السودانية رأى رئيس البعثة، فولكر بيرتس، شخصاً غير مرغوب فيه؛ الأمر الذي يضع البعثة في مأزق. وهو ما يمكن ملاحظته من شعور الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بالصدمة إزاء طلب رئيس المجلس السيادي السوداني، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في مايو الماضي، باستبدال المبعوث الأممي الحالي.
غياب الفعالية:
ثمة أسباب يمكن الوقوف عليها لتفسير تراجع دور مبعوثي الأمم المتحدة في تسوية الصراعات المسلحة بالمنطقة، وغياب الفعالية، وعدم القدرة على تحويل دفة الأمور من الحالة الصراعية للتهدئة، ومنع تجدد دورات الصراع، وذلك على النحو التالي:
1- تركيز الجهود على إدارة الصراع: ارتكزت مهمة مبعوثي الأمم المتحدة في الإقليم على إدارة الصراع بين مكوناته، دون محاولة الاقتراب من الأسباب الجذرية له. وهذا التوجه قاد إلى تسكين الصراع لفترات مؤقتة دون حله أو منعه من التجدد، حتى إن عملية إدارة الصراع اصطدمت بتركيز المبعوثين على الأهداف التي تم إضفاء الشرعية الدولية عليها، وعدم الخروج عنها. وبالرغم من أهمية ذلك الأمر، فإن استمرار الصراعات أفرز معادلة متغيرة لم يتعاط معها مبعوثو الأمم المتحدة بالقدر الكافي والمطلوب.
فعلى سبيل المثال، فإن إدارة العملية التفاوضية في اليمن لم تضع في اعتبارها مكونات الجنوب اليمني ومطالبهم ورؤيتهم لعملية التسوية، واقتصر دور المبعوث الأممي على التوفيق بين مليشيا الحوثيين والحكومة الشرعية، ما جعل جهوده منقوصة وتفتقر إلى الشمول.
وفي ليبيا، ظل التعاطي مع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لكونهما الجهات السياسية المشمولة بالاتفاق السياسي في الصخيرات عام 2015، بالرغم من أن الخلافات والتناقضات بين المجلسين كانت ولا تزال سبباً رئيسياً في عرقلة جهود التسوية وإجهاض المسار السياسي.
والشاهد من ذلك أن مبعوثي الأمم المتحدة تعاملوا مع الترتيبات القائمة منذ سنوات على أنها أساس للتسوية والتفاوض، دون العمل على خلق آليات جديدة لحل الصراع. وقد يكون ذلك مقبولاً في ضوء مهام المبعوث الأممي ودوره كميسر أو وسيط بين أطراف الأزمة، إذ إن الصلاحيات الممنوحة له لا تعطيه الحق في فرض ترتيبات جديدة. وهذا ما ظهر في الحالة الليبية بصورة واضحة، عندما اقترح المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، في فبراير الماضي، تشكيل لجنة تُوكل إليها صياغة القوانين الانتخابية في ظل استمرار الخلاف بين الكيانات السياسية في ليبيا، الأمر الذي عده مراقبون قفزاً على صلاحيات البعثة واختصاصاتها، وهو ما ترجمته تصريحات رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، خلال لقاء نظيره المصري في 19 يونيو الماضي، عندما قال إن "دور المبعوث الأممي يقتصر على الدعم، وأن باتيلي ليس حاكماً لليبيا ليصدر تعليماته بتشكيل لجان أو تعيين من يحكمها".
2- عدم القدرة على تأمين تفاهمات مستدامة: أخفق مبعوثو الأمم المتحدة بساحات الصراع، في إقناع الأطراف المنخرطة فيه بتبني نهج مستدام لعملية تقاسم السلطة أو إنهاء الصراع، حيث مارست الأمم المتحدة ضغوطاً على أطراف الصراع للقبول بالتفاوض، والاتفاق على عدد من المخرجات، إلا أنها كانت مؤقتة وتفتقر إلى عنصر الاستدامة، فلم تلتزم الأطراف بها، ولم يكن باستطاعة المبعوث الأممي عبر أدواته أن يمارس أي ضغوط أو يقدم ضمانات تحول دون انقلاب تلك الأطراف على ما تم التوافق عليه.
وقد اتضح ذلك بصورة رئيسية في كل من اليمن وليبيا، حيث اعتادت مليشيا الحوثيين القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات، خاصة في الأوقات التي كانت تعاني فيها من خسائر عسكرية وميدانية، دون الالتزام بمخرجاتها، كما هو الحال في الاتفاقات السابقة كافة.
ولا ينفصل عن ذلك الوضع في ليبيا، فبالرغم من نجاح ستيفاني وليامز في هندسة الاتفاق السياسي وقبول الأطراف بإجراء العملية الانتخابية بنهاية عام 2021، فقد أخفقت الأمم المتحدة في تأمين هذا الاستحقاق لنهايته؛ وذلك بسبب العراقيل التي فرضها الفاعلون المحليون، نتيجة صراع الإرادات وتباين المصالح، ورغبة كل طرف في الاحتفاظ بموقعه في المشهد السياسي، ورفض أي ترتيبات يمكن أن تطيح به.
وفي السودان، أسفرت جهود المبعوث الأممي عن توقيع الاتفاق الإطاري بين المكونين المدني والعسكري في ديسمبر 2022، كأساس لخارطة طريق تُنهي المرحلة الانتقالية، وتدعم مسار الانتقال السياسي، وصولاً إلى إجراء الانتخابات. ومع ذلك، لم تنجح جهود البعثة الأممية في ضمان استدامة هذا الاتفاق، والذي تعثر بسبب تعارضه مع بعض القوى المؤثرة في المشهد، إذ لم يراع توازن القوى بين الأطراف السودانية، كما أحدث نوعاً من الانقسام، بعدما فشلت خطة المبعوث في خلق اصطفاف جماعي حوله. وهذه المعالجة المنقوصة وغير المنطقية أفضت في نهاية الأمر إلى اندلاع المواجهات العسكرية الحالية في السودان، بحسب قائد الجيش، ما جعل المبعوث الأممي جزءاً من الأزمة وليس الحل.
3- اصطدام الدور الأممي بالتوازنات الدولية: تتوقف فعالية دور المبعوث الأممي في الصراعات المسلحة على التوازنات الدولية داخل الأمم المتحدة. إذ قد يجد المبعوث الأممي نفسه مُقيداً بحسابات بعض الأطراف داخل مجلس الأمن، حيث إن استمرار الصراعات المسلحة في الإقليم أدى إلى انخراط متزايد للقوى الدولية التي تتباين مصالحها في كثير من الأحيان، ما يفرض وجهات نظر متعارضة حيال تسوية تلك الأزمات أو تحركات المبعوث الأممي.
ففي الحالة السورية، فرض الدور الروسي المتزايد في هذا الصراع إشكالية كبيرة على دور المبعوث الأممي وموقف الأمم المتحدة بشكل عام من الترتيبات المتعلقة بالصراع، حيث صار من المستحيل فرض أية تسويات لا تُراعي مصالح موسكو أو تتناقض مع رؤيتها، في ظل امتلاكها لحق "الفيتو"، الذي استخدمته في أكثر من مناسبة ضد مشروعات أممية. ومن ثم صارت فعالية المبعوث الأممي في سوريا مرهونة بموقف روسيا ومصالحها الأساسية.
كما كشف الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا على تسمية مبعوث أممي جديد لدى ليبيا في أعقاب استقالة يان كوبيش، عن تأثر عمل البعثة بحسابات الأطراف الدولية، حيث شهدت البعثة الأممية في ليبيا فراغاً في القيادة منذ ديسمبر 2021 وحتى سبتمبر 2022؛ وذلك بسبب رغبة واشنطن في عودة ستيفاني وليامز، وهو ما اعترضت عليه موسكو باعتبارها ممثلة لرؤى الغرب. وبقي الخلاف قائماً لمدة 9 أشهر حتى توافقت الأطراف على اختيار السنغالي عبدالله باتيلي. وعليه في ظل غياب الحدود الدنيا من التوافق، وعدم وجود موقف موحد داخل مجلس الأمن الدولي، فلن يكون بمقدور المبعوث الأممي التحرك من أرضية صلبة واتخاذ مواقف قوية وحازمة تجاه الصراعات المسلحة بالإقليم.
4- التركيز على خطوات بناء الثقة: تتشابك قضايا الصراع المسلح في الإقليم بصورة يصعب تفكيكها، خاصة في ظل صعوبة التسوية السياسية وتعثر جهود التفاوض، ما يدفع مبعوثي الأمم المتحدة إلى التركيز على الملفات التي يمكن من خلالها تحقيق إنجاز أو انتصار جزئي؛ وذلك من خلال التركيز على الملفات الإنسانية، كعمليات تبادل الأسرى كما هو الحال بين أطراف الأزمة اليمنية، أو إيصال مساعدات إنسانية للمناطق المتضررة من الصراع. وعلى الرغم من أن هذه المعالجة تفتقر إلى الشمول والرؤية الكاملة للتسوية التي يمكن أن تؤدي إلى اختراق سياسي، فإنها تساعد على بناء الثقة واختبار نيات الأطراف المنخرطة في الصراع، ما يجعلها خطوة يمكن البناء عليها في مسار التسوية والتهدئة.
5- التشكيك في حيادية المبعوثين الأمميين: تتوقف فعالية مبعوث الأمم المتحدة على مدى الحياد الذي يتمتع به، وعدم الانحياز لطرف على حساب الآخر، والوقوف على مسافة وسط بين الأطراف كافة. ولعل تجربة الصراعات المسلحة في الإقليم قد أثبتت اتساع الفجوة بين مبعوثي الأمم المتحدة وأحد أطراف الصراع على الأقل. فعلى سبيل المثال، تم اتهام مبعوثي الأمم المتحدة في اليمن أكثر من مرة بالتغاضي عن انتهاكات الحوثيين المُستمرة وعدم اتخاذ إجراء جاد لمعاقبتهم، ما جعل الحكومة اليمنية تتهم هؤلاء المبعوثين بالانحياز أو التساهل مع الحوثيين. الأمر ذاته حدث في ليبيا، حيث اتهم قائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، مبعوث الأمم المتحدة السابق، غسان سلامة، بأنه وسيط منحاز. وفي أعقاب استقالته، قال ستيفان دي ميستورا إنه ترك منصبه لتفادي مصافحة الرئيس السوري، ما يشير إلى تبنيه موقفاً يتعارض مع مبادئ الحياد وعدم الانحياز التي يجب أن تتوفر لدى مبعوثي الأمم المتحدة.
وفي السودان، زادت الفجوة بين المبعوث الأممي والحكومة السودانية بعد رسالة رئيس مجلس السيادة للأمين العام للأمم المتحدة، والتي اتهم فيها المبعوث فولكر بيرتس بالمساهمة بسلوكه المُنحاز وأسلوبه المضلل في اندلاع النزاع منذ 15 إبريل الماضي. ومع ذلك، أصرت الأمم المتحدة على تجديد ولايته، الأمر الذي يضع البعثة وأدوارها في إشكالية معقدة، في ظل رفض طرف رئيسي التعامل معها.
6- التأثر بميزان القوى النسبي في مناطق الصراع: تراجع دور المبعوث الأممي بصورة واضحة في الصراع السوري، مثلاً، حيث فرضت المتغيرات الميدانية والنفوذ الدولي المتصاعد لكل من روسيا وإيران وتركيا، معادلة جديدة، تم من خلالها تجاوز الآلية الأممية، مقابل بروز آلية جديدة تشكلت من خلال الدول الثلاث. وعليه، تشهد الساحة السورية مسارين؛ أحدهما أممي ممثلاً في "مسار جنيف"، والثاني مسار الدول الضامنة "آستانا" والذي تشكل بداية من عام 2017، ونجح في تحقيق اختراق يرتبط بمناطق خفض التصعيد. وهذه الآلية تُعد المتحكم في الترتيبات المتعلقة بسوريا، بصورة تفوق أو تتجاوز دور الأمم المتحدة، ما يعني أن المبعوث الأممي في سوريا لا يفتقر إلى الفعالية لحسابات تتعلق فقط بطبيعة دوره وأدواته وإلمامه بطبيعة الصراع، بل تفرض موازين القوى بين الأطراف الدولية الفاعلة في هذا الصراع مزيداً من القيود التي تحول دون قيامه بدور مؤثر في الترتيبات المستقبلية للصراع السوري.
في الأخير، أظهرت الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط، إخفاق الأمم المتحدة في إقناع الأطراف المتصارعة عبر مبعوثيها بإنجاز عملية الانتقال السياسي، وتهدئة التوترات، والتوصل إلى صيغ وتفاهمات تقود للانتقال من الحالة الصراعية إلى تسوية النزاعات القائمة، والتي تفاقم تأثيرها بمرور ما يزيد عن عقد، دون وجود أي آفاق للحل. ولا يُرجح أن يتمكن مبعوثو الأمم المتحدة من إنجاز تلك التسويات؛ في ظل العراقيل والقيود المرتبطة بالتفاعلات والترتيبات الراهنة في مناطق الصراعات.