أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

Puzzle game:

سيناريو "تمديد" المحادثات النووية الإيرانية

25 أكتوبر، 2014


وضعت إيران هدف تطوير قدراتها النووية نُصب أعينها منذ سنوات طويلة، وخاضت لأجله حروباً دبلوماسية، وتحملت طويلاً مقاطعة وضغوطاً اقتصادية ومالية هائلة أنهكت اقتصادها، وهو ما يثير الشكوك حول صدق النوايا الإيرانية بشأن ملفها النووي.

وتعد مشكلة الملف النووي الإيراني سياسية أكثر من كونها تقنية، إذ إن المجتمع الدولي السياسي هو من يرفض امتلاك إيران للقدرات النووية بشكل غير مقنن ومحدد الاستخدامات والمقاصد، حيث إن الخوف المستقبلي هو توظيف هذه القدرة لصنع أسلحة نووية وليس الاستفادة منها في مجالات سلمية فقط، فضلاً عن التخوف من أن تقوم دول أخرى بسلوك النهج الإيراني، ومن ثم التوسع في هذه القدرات النووية إقليمياً وعالمياً من دول أخرى.

وقد جعلت الأحداث الجارية في المنطقة، وتحديداً في العراق وسوريا واليمن، إلى جانب بروز التطّرف وأهمية إيران الجيوسياسية والإقليمية، الإيرانيين يشعرون بأنهم قادرين على المناورة والحصول على أكبر مكاسب ممكنة في التفاوض مع القوى الغربية بشأن ملفهم النووي.

وبالفعل فقد عُقد اجتماع خبراء إيران ومجموعة "5+1" (تضم الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، إلى جانب ألمانيا) يومي 22 و23 أكتوبر الجاري في العاصمة النمساوية "فيينا"، لدراسة نقاط الخلاف بين الجانبين حول البرنامج النووي الإيراني وكيفية معالجتها. وجاء عقد اجتماع الخبراء لمناقشة عدة قضايا فنية وفقاً للقرار الذي تمخض عنه الاجتماع الثلاثي السابق بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الأمريكي جون كيري ومسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، في إطار جولة المفاوضات النووية الثامنة التي عُقدت في فيينا.

تطورات المحادثات بشأن النووي الإيراني:

تشهد الساحة الدولية منذ نحو عقد من الزمان، سجالاً وتجاذباً بين إيران والمعسكر الغربي، حيث سعى كل طرف خلال تلك الفترة لاستخدام أدوات مختلفة للتعامل مع الآخر، فالدول الغربية اعتمدت بشكل أساسي على سلاح العقوبات لردع النظام الإيراني، مع التلويح من حين لآخر بشن حرب لتدمير البرنامج النووي الإيراني، في الوقت الذي تبنت فيه طهران سياسة متأرجحة بين التشدد والبراجماتية وفقاً لمتغيرات الظروف الإقليمية، واستخدمت أوراقها الإقليمية لتهديد المصالح الغربية، وأصبحت رقماً مهماً في معادلة الشرق الأوسط.

في عام 2006 جلست إيران على طاولة مفاوضات ضمت الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، ومع تسلم الرئيس الإيراني حسن روحاني مهام منصبه في أغسطس من العام الماضي وصعود التيار المعتدل إلى سدة الحكم، أظهرت طهران مرونة كبيرة تجاه عدد من الملفات أبرزها الملف النووي، وبالفعل استطاع الطرفان في نوفمبر 2013 التوصل إلى "خطة العمل المشتركة" مع الدول الغربية في جنيف، ثم أعطيا مهلة حتى 20 يوليو 2014 للتوصل إلى اتفاق دائم، بيد أنهما لم يتمكنان من ذلك، ما دفعهما إلى تأجيل المهلة إلى 24 نوفمبر من العام الجاري.

وطبقاً للاتفاق المؤقت المبرم في نوفمبر 2013، وافقت إيران على وقف كل أنشطة تخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق 5%، كما تعهدت بالتخلص من مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة حوالي 20% من خلال تذويبه، فضلاً عن التعهد بعدم بناء أجهزة طرد مركزي جديدة لتخصيب اليورانيوم، ووقف التقدم نحو تشغيل مفاعل في مصنع "آراك" النووي الذي يعمل بالمياه الثقيلة والذي يمكنه أن ينتج البلوتونيوم. ووافقت إيران كذلك على تفكيك منشأة فوردو النووية، بالإضافة إلى قبولها السماح بوصول خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل يومي إلى مواقعها.

وفي مقابل ذلك، أعلنت الدول الست الكبرى موافقها على الآتي:

- تخفيف العقوبات بشكل "محدود ومؤقت، ومحدد الأهداف، ويمكن أن يتم إلغاؤه"، وتصل قيمتها إلى حوالي سبعة مليارات دولار.

- الالتزام بعدم فرض عقوبات جديدة خلال فترة الستة أشهر إذا احترمت إيران تعهداتها.

- تعليق بعض العقوبات على الذهب والمعادن الثمينة وقطاع الصادرات البتروكيماويات الإيراني وقطاع السيارات، والسماح بعمليات إصلاح وتطوير لبعض شركات الطيران الإيرانية.

- القيام بتحويل مبلغ قيمته 4.2 مليار دولار من مبيعات النفط الإيراني الخاضع لعقوبات خلال فترة الستة أشهر.

فيما تبقى معظم العقوبات التجارية والمالية الأمريكية سارية، وكذلك كل العقوبات المفروضة بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي.

ومنذ نوفمبر 2013، عُقدت ثمانية لقاءات وجولات تفاوضية بين الجانبين الإيراني والدول الغربية لمناقشة أسلوب تنفيذ الاتفاق، بدأت في يناير 2014 وحتى الاجتماع الأخير في أكتوبر الجاري. ويُنتظر أن تشهد الأيام القادمة تكثيفاً من المحادثات، على أمل تحقيق الاتفاق في الموعد المتفق عليه في 24 نوفمبر المقبل.

وبهني ذلك أنه ليس أمام طرفي الأزمة سوى أقل من شهر للتوصل إلى اتفاق شامل، وهو ما دعا المسؤولون الأمريكيون في الاجتماع الأخير إلى حث نظرائهم في طهران على "القيام بالخيار المناسب"، مؤكدين أن الوقت حان "لإنجاز العمل" والتوصل إلى اتفاق قبل المهلة النهائية، معتبرين أن المفاوضات هي الآن مثل "لعبة بازل" اكتمل بعض أجزائها.

ولعل أبرز النقاط الخلافية في المفاوضات الحالية، تلك التي تتعلق بمفاعل "آراك" الذي يعمل بالماء الثقيل، والذي ترفض إيران تحويله إلى مفاعل يعمل بالماء الخفيف من خلال إدخال تعديلات جذرية على تصميمه. ومن النقاط الشائكة أيضاً تحديد مدى قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وعدد أجهزة الطرد المركزي الذي سيسمح لإيران بالإبقاء عليها في أي اتفاق يجري التوصل إليه، وكيف سيتم رفع العقوبات المفروضة على طهران بسبب برنامجها النووي، ومستويات الشفافية.

المحددات الداخلية والخارجية لمسار المحادثات:

ثمة اعتبارات داخلية في طهران، وإقليمية ودولية أخرى، ستؤثر بدورها في تحديد مسار المفاوضات الجارية بين إيران والدول الست الكبرى، ومدى إمكانية الوصول إلى اتفاق شامل بين الأطراف في الموعد المحدد يوم 24 نوفمبر القادم، من أبرزها:

1- محددات داخلية إيرانية:

- التيار المحافظ في طهران: فغالباً ما تصطدم المحادثات الغربية بشأن ملف إيران النووي بالتيار المحافظ، وهو أمر اتضح بجلاء في الآونة الأخيرة، بعد أن حدد المرشد الأعلى لإيران، الخطوط الحمراء للمفاوضين والحكومة الإصلاحية بالنسبة للملف النووي والتعاون مع الغرب في هذا المجال، وربما جاء ذلك كنوع من الرد الإيراني على رفض واشنطن وبعض الدول العربية مشاركة إيران رسمياً في الانضمام للائتلاف الدولي لمحاربة "داعش"، حيث اتهم المرشد التحالف الدولي بالغموض وشكك في نواياه ودوافعه.

- القدرة على التأقلم مع العقوبات الاقتصادية: فلا تزال إيران أكثر فقراً من الحال الذي قد تكون عليه من دون تلك العقوبات المفروضة عليها، والتي أجبرتها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ولكن إذا كانت العقوبات أدت إلى تعثر البلاد، إلا أن إيران لاتزال تسير على قدميها، وقد يكون ذلك كافياً بالنسبة لقادتها. فقد جعلت إيران اقتصادها يتماشى مع الموارد المتاحة في ظل نظام العقوبات الجديد، وقامت بذلك دون اللجوء إلى الديون الحكومية الضخمة التي تعاني منها العديد من الاقتصادات المتقدمة.

وبعد اتخاذ الإجراءات الصارمة للتكيف مع الصدمة التي خلّفتها العقوبات، تُعتبر إيران في وضع جيد نسبياً يخولها استئناف عملية النمو حتى في حال استمرار العقوبات الحالية. وفي هذا الإطار يتوقع "صندوق النقد الدولي" أن يبلغ النمو بين عامي 2014 و2015 نسبة 1.5% وأن يرتفع ليصل إلى 2.3% سنوياً بعد ذلك في حال استمرار العقوبات.

2- محددات إقليمية ودولية:

- توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع روسيا على خلفية أزمة أوكرانيا: فقد اعتمدت إيران طيلة سنوات الحوار السابقة، على توازن بين القوى المعنية، أي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من المعسكر الغربي من جهة، والصين وروسيا من المعسكر الشرقي من جهة ثانية. ومن ثم فالتطورات الأخيرة في العلاقات بين موسكو والقوى الغربية تلقي بظلالها على الملف النووي الإيراني. فعلي سبيل المثال اتخذت روسيا عدة إجراءات خففت من وطأة العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني، ومنها استيراد نحو 500 ألف برميل نفط إيراني يومياً وإعادة بيعه في الأسواق العالمية، ومنها الصين.

ومعلوم أن العلاقة بين موسكو وواشنطن على وجه التحديد علاقة تنافسية، وهذا يعني أن أيّ اتفاق إيراني - أمريكي سيؤدي إلى إيقاف الدور الروسي الذي لطالما لعب على أوتار العداء بين طهران وواشنطن، وهو الهاجس الذي لا يجعل روسيا تصر على تحقيق اتفاق نووي.

أما بالنسبة للصين، فلاشك أن العقوبات على السوق الإيرانية هي التي أغلقت إيران أمام الأسواق الأمريكية والأوروبية، وفتحت المجال بالتالي أمام الصين وحدها للاستثمار في النفط والغاز والسلع والمشاريع الإيرانية وغيره، وبالتالي قد تتضرر بعض المصالح الاقتصادية والتجارية الصينية مع إيران في حالة انفتاح الأخيرة على الغرب.

- التوترات الإقليمية في سوريا والعراق: فرغم الاتهامات المتبادلة بين واشنطن وطهران بشأن رفض المشاركة في التحالف الدولي ضد "داعش"، إلا أنه لا يمكن تصور قيام الولايات المتحدة بقيادة تحالف ضد هذا التنظيم المتطرف دون تنسيق سري مع طهران، خاصةً أن إيران تتوجس خيفة من محاولة تطويقها من خلال تزايد الوجود العسكري الغربي على حدودها؛ لذا فإن تلازم مساري الملف النووي الإيراني والوضع الأمني في العراق وسوريا وكذلك في اليمن مؤخراً، أصبح حقيقة لا يمكن إغفالها، وهو ما أكدته طهران بأن التوصل لتسوية نهائية مع واشنطن في الملف النووي يفتح آفاقاً للتعاون بشأن العراق، كما ألمحت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية إلى إمكانية إجراء محادثات مع إيران حول تهديدات تنظيم "داعش".

وفي هذا الإطار، يحذر عدد من الخبراء في دوائر صنع السياسة الأمريكية من أن التضحية بالملف النووي الإيراني في سبيل مكسب معين قصير المدى فيما يخص "داعش"، دون حتى أن يتضح ماذا ستكون القيمة التي يضيفها التعاون مع إيران، يعد صفقة خطيرة للغاية، وإلى حد بعيد سيكون هذا أكبر إخفاق لسياسة أوباما الخارجية.

- الضغوط الإسرائيلية لمنع الاتفاق النووي: فالرئيس الأمريكي مدرك تماماً أنه ليس في إمكانه إنجاز اتفاق مع إيران إذا لم تكن إسرائيل راضية عنه، أي أن الكونجرس الأمريكي لن يوافق على أي تنازل في هذا الملف من جانب أوباما.

وفي هذا الصدد، فقد أطلقت الحكومة الإسرائيلية حملة دبلوماسية واسعة في الولايات المتحدة وأوروبا، ضد توقيع الاتفاق النووي الذي يتبلور بين الدول الغربية الكبرى وإيران، بدعوى أنه اتفاق سيئ. وقد عبَّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن انعدام رضا إسرائيل عن تقدم المحادثات في فيينا، قائلاً: "إننا نقف أمام خطر التوصل إلى اتفاق الدول العظمى، بحيث يجعل إيران على وشك أن تصبح دولة نووية، وبحوزتها آلاف من أجهزة الطرد المركزي التي ستتمكن بواسطتها من إنتاج مادة لقنبلة نووية خلال فترة قصيرة، وهذا تهديد على العالم كله أخطر بكثير من تهديد داعش".

السيناريوهات المحتملة للمحادثات النووية:

في ضوء النقاط الخلافية، والاعتبارات والمحددات الموضحة أعلاه، فإن ثمة سيناريوهات ثلاثة محتملة بشأن مستقبل المحادثات بين إيران والدول الست الكبرى، وهي كالتالي:

1 ـ مسار تمديد المفاوضات (الأكثر احتمالاً):

على الرغم من أن التوصل إلى اتفاق نووي شامل لا يلوح في الأفق بحلول 24 نوفمبر القادم، فليس لدى أي من الأطراف رغبة في الانسحاب من المحادثات، وستكون النتيجة المرجحة هي المزيد من التمديد والاتفاق على الاستمرار في الاجتماعات. وبالنسبة للغرب، تكمن الاستفادة من هذا "التمديد" في استمرار احتواء البرنامج الإيراني، فضلاً عن عدم اقتراب إيران من قدرات تجاوز "العتبة النووية". ومن جانبهم، سيحقق الإيرانيون المزيد من الانتعاش الاقتصادي، على الرغم من أن الهيكل الأساسي لنظام العقوبات سيبقى مصوناً.

2 ـ التوصل إلى اتفاق جزئي (يبقى محتملاً):

من شأن هذا البديل المحتمل أن يضفي طابعاً رسمياً على اتفاق يتم التوصل إليه بين الجانبين حول العديد من القضايا - كإعادة تصميم مفاعل آراك الذي يعمل بالماء الثقيل، وإعادة تهيئة مفاعل فوردو إلى منشأة للأبحاث، وتعزيز بروتوكولات التحقق للمفتشين النوويين - ومواصلة الحوار حول المجالات التي لاتزال هناك خلافات كبيرة حولها. وفي هذه الحالة ستستمر الدبلوماسية بهدف التوصل إلى حل نهائي، ولن تُفرض عقوبات جديدة على إيران.

3 ـ التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي (الأقل احتمالاً):

ثمة احتمال ضئيل في التوصل إلى اتفاق شامل بين إيران ومجموعة (5+1) الشهر المقبل، وفي حالة تحقق ذلك، فربما يكون الكونجرس الأمريكي محيداً أو خارج الصورة، خصوصاً أن أوباما يلوح بأنه في حالة التوصل لاتفاق فإنه قد يمرره دون موافقة الكونجرس.

وإذا كان "تمديد" المفاوضات يظل المسار "الأكثر احتمالاً"، فإن "انهيارها تماماً" سيكون السيناريو "الأكثر تكلفة"، حيث من المتوقع أن تستأنف طهران الأنشطة التي جمدتها بموجب "خطة العمل المشتركة"، ومن المحتمل أيضاً أن تلجأ واشنطن إلى فرض عقوبات أكثر صرامة على طهران وحشد الدعم الدولي لها، مع إمكانية تفكير إسرائيل في توجيه ضربة عسكرية لطهران.