بعد أن شهدت العاصمة العراقية، بغداد، في 28 أغسطس من العام 2021 عقد "مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون" بمشاركة 9 دول عربية وأجنبية، وبحضور عدد من ممثلي المنظمات الإقليمية والدولية جاءت "قمة بغداد 2" لتنعقد في الأردن يوم 20 ديسمبر من الشهر الجاري كاستمرار وامتداد لمؤتمر بغداد السابق، وتأكيداً على استمرار العمل في مجالات التعاون التي أقرها هذا المؤتمر، الذي يمثل توجهاً عربياً للدعم العربي للعراق وعدم تركه عرضة لأزماته من جهة، وللتأثير الإيراني من جهة أخرى.
تمدد التعاون:
على الرغم من أن الحضور الفاعل والأساسي كانت بدايته تعاوناً وتواصلاً ثلاثياً، وعلى مستوى رئاسي بين العراق ومصر والأردن، بيد أن حضور "مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون"، ومؤتمر "قمة بغداد 2" هو أوسع من ذلك بكثير، وكانت مستويات الحضور متنوعة، فعلى مستوى الرؤساء، شارك كل من رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني.
كما شارك في المؤتمر وزراء خارجية كل من السعودية وإيران وتركيا والإمارات. وشهد المؤتمر حضور أعضاء جدد ومثليهم على مستوى وزراء خارجية، وهم كل من البحرين وسلطنة عمان وحضور ممثلين عن المنظمات الدولية والاقليمية، كما حضر المؤتمر كل من أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، وأمين مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، وممثلين عن الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وحضوراً على مستوى السفراء، ويتمثل بحضور سفراء الدول العربية، ودول من الاتحاد الأوروبي، ومجموعة العشرين، والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
ملفات بغداد 2:
طرح مؤتمر "قمة بغداد 2" عدة ملفات مهمة بشكل رسمي لتتم مناقشتها خلال عقد المؤتمر، أهمها ما يلي:
- محاربة الإرهاب وعناصر داعش، أكد المشاركون في المؤتمر إدانتهم للإرهاب والتطرف ومحاربته بكل أشكاله، والوقوف إلى جانب العراق الذي يواجه تحدي الإرهاب بالرغم من أنه حقق الانتصار عليه عبر التضحيات الكبيرة وبالتعاون الدولي والاقليمي، لاسيما أن هذا الملف يحتاج إلى المزيد من الاهتمام والدعم في ظل ظهور خلايا ونشاطات إرهابية لداعش مؤخراً في عدد من الدول ومنها العراق.
- دعم الاستقرار، وذلك بتأكيد المشاركين في بيانهم الختامي على مواصلة "التعاون مع العراق لدعم استقراره وسيادته والعملية الديمقراطية في هذا البلد"، خاصة أن العراق قد خرج من أزمة سياسية استمرت لمدة أكثر من عام من أجل تشكيل الحكومة الجديدة والتي يشارك رئيسها محمد شياع السوداني في هذا المؤتمر.
- تحجيم التدخل الإيراني في شؤون العراق، من الموضوعات المهمة التي طرحها المشاركون في المؤتمر هي رفضهم التدخلات الخارجية وبشكل خاص الايرانية في الشأن العراقي، سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو الأمني والعسكري وغيرها من التدخلات الأخرى، بحيث دعت فرنسا عند مشاركتها في المؤتمر العراق إلى الابتعاد عن المحور الإيراني واتباع مسار آخر بعيد "عن نموذج يملى من الخارج" على حد تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته أمام المؤتمر في إشارة إلى إيران التي يرى المشاركون أن لها نفوذ كبير في العراق، وأضاف ماكرون أن: "العراق اليوم مسرح لتأثيرات وتوغلات وزعزعة ترتبط بالمنطقة بأسرها"، أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فقد أكد في كلمته على أن "مصر تؤكد رفض أي تدخلات خارجية في شؤون العراق"، أما السعودية فقد كان موقفها من هذا الملف يتمثل في قول وزير خارجيتها فيصل بن فرحان بأن "المملكة تؤكد رفضها التام لأي اعتداء على شبر من أراضي العراق"، وكان رد العراق على لسان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في كلمته أن "العراق متمسك ببناء علاقات تعاون وثيقة ومتوازية مع كل الشركاء الاقليميين والدوليين وينأى بنفسه عن اصطفاف المحاور واجواء التصعيد وينفذ سياسة التهدئة وخفض التوترات".
- التعاون الإقليمي، وهو الملف الذي يمثل توجه المؤتمر والمشاركين فيه بالأساس، حيث يستهدف تحقيق التعاون الإقليمي مع العراق على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، إذ أكد ملك الأردن، عبدالله بن الحسين أن "دور العراق المحوري والرئيسي في المنطقة، وفي تقريب وجهات النظر لتعزيز التعاون الإقليمي"، وفي الواقع هناك الكثير من المختصين يرون أن هذا المؤتمر يمثل خطوة مهمة للمشاركين الذين يعملون على تحويل المؤتمر في نسخته الثانية إلى منصة لتعزيز الشراكة والتعاون العربي والإقليمي والدولي في منطقة تُعد من أكثر المناطق أهميةً في العالم من الناحية الإستراتيجية والاقتصادية بشكل خاص، وهذا الأمر أكده الرئيس المصري في قوله: "إيماناً من مصر بفوائد التعاون المتبادل البناء، فقد شاركنا مع العراق والأردن في تدشين آلية التعاون الثلاثي بين الدول الثلاث، كأحد أطر العمل العربي المشترك الرامي إلى تحقيق التكامل على نحو يخدم مصالح شعوبنا الشقيقة".
- الأمن الغذائي لدول المنطقة، الملف الآخر الذي طرحه المشاركون بالمؤتمر في ظل انعكاسات الحرب الروسية في أوكرانيا على المنطقة والعالم، وكون الأمن الغذائي يمثل أولوية مهمة لكل شعوب ودول المنطقة، والبحث في محاولة تحقيق التكامل بين الدول المشاركة بما تمتلكه من إمكانيات كبيرة تساعدها في ضمان الأمن الغذائي والمائي.
- تطورات الوضع في لبنان، هو الملف الذي ناقشه المجتمعون في مؤتمر "قمة بغداد 2"، وتم طرح رؤى جديدة للمساعدة في حل الأزمة اللبنانية.
ترتيبات على الهامش:
على الرغم من أن المؤتمر قد جمع ممثلي الدول المشاركة فيه وعلى مختلف المستويات الرئاسية أو على مستوى وزراء الخارجية وغيرها، بيد أن لقاءات ثنائية قد تحققت على هامش المؤتمر والتي ركزت على أهداف أخرى أبعد من العراق، وكان من أهمها اجتماع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للبحث في ملفات إيقاف قمع التظاهرات في إيران، ووقف الدعم الإيراني العسكري لروسيا، ومناقشة وصول المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى إلى طريق مسدود. وكان هذا الاجتماع بحضور منسق الاتحاد الاوروبي لهذه المفاوضات انريكي مورا وكبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري.
وعلى الجانب الآخر، تم لقاء بين وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ووزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان، وجاء هذا اللقاء بعد توقف المباحثات السعودية الإيرانية التي انطلقت سابقاً بواسطة عراقية.
نتائج مأمولة:
أعلنت الأطراف المشاركة في "مؤتمر قمة بغداد 2" عن عدة أهداف، ويأتي على رأسها إبعاد العراق عن المحور الإيراني وعن نفوذ إيران المتغلغل في الساحة العراقية، وهو الأمر الذي أشار إليه كل المشاركين بصيغة إدانة ورفض التدخل الخارجي في شؤون العراق بإشارة واضحة لتأثير إيران في المشهد العراقي. العمل على تحقيق التكامل الاقتصادي والتعاون في عدة قطاعات منها الطاقة والمياه والربط الكهربائي.
إضافة إلى ذلك استهدف المشاركون تعزيز مشاريع التعاون بين العراق ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لاسيما في مجال الطاقة والربط الكهربائي مع دول الخليج بدلاً عن إيران.
تعزيز الحوار الإقليمي، والمساهمة في جهود إنهاء التوترات بين المنطقة، واعتماد أسلوب الحوار كآلية لحل الخلافات بين الأطراف المختلفة، فكان المؤتمر فرصة لعقد لقاءات ثنائية بين الأطراف المتنازعة في إطار محاولتها لحل الخلافات فيما بينها، وكان أولها لقاءات ممثلي كل من السعودية وإيران.
ختاماً، يمكن القول إن نجاح المؤتمرات: "مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون" الذي عقد في بغداد في أغسطس 2021، ومؤتمر "قمة بغداد 2" الذي عقد في ديسمبر 2022 في الأردن، والمؤتمر الثالث الذي من المزمع عقده في القاهرة، يتوقف نجاحها على ما يمكن تجسيده على أرض الواقع من مقرراتها وتفعيل التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين أطرافها.
كما يمثل مؤتمر "قمة بغداد 2" اختباراً حقيقياً لحكومة محمد شياع السوداني وعلى المستويين الداخلي والخارجي، فالمسؤولية الآن تقع على عاتق هذه الحكومة في مسألة استمرار تحقيق التعاون والتكامل مع دول محيطها العربي من عدمه. وهو الأمر الذي ستثبته الأحداث والتطورات المستقبلية التي ستمر بها هذه الحكومة.