وصلت القوات الكينية إلى الكونغو الديمقراطية، في 12 نوفمبر 2022، في إطار مهمة دول شرق أفريقيا لدعم الحكومة الكونغولية لإحلال السلام في إقليم كيفو الشمالية، بعدما شهدت الأسابيع الأخيرة سيطرة حركة "23 مارس" المتمردة على مساحات واسعة من الإقليم.
مشاركة نيروبي:
بعد أسبوع من الهجمات الأخيرة التي شنّتها حركة "23 مارس" المتمردة داخل إقليم كيفو الشمالية بشرق الكونغو الديمقراطية، وتمكن الحركة من توسيع نطاق سيطرتها في المنطقة، وصلت طلائع القوات الكينية لدعم الحكومة الكونغولية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- انتشار قوات كينية: وصلت طائرتان تقلان نحو 100 جندي كيني إلى مطار "جوما" بشرق الكونغو الديمقراطية، في 12 نوفمبر 2022، حيث أعلن قائد القوات الكينية، اللفتنانت كولونيل دينيس أوبيرو، أن مهمة هذه القوات تتمثل في تنفيذ عمليات هجومية بالتعاون مع القوات الكونغولية، والعمل على نزع سلاح المجموعات المسلحة، وستنتشر هذه القوات لفترة زمنية تصل إلى ستة أشهر، قابلة للزيادة، وستقيم قاعدة قيادتها في جوما.
ووافق البرلمان الكيني الأسبوع الماضي على نشر حوالي 900 جندي في شرق الكونغو، في إطار القوة العسكرية المشتركة التي سترسلها كتلة "دول شرق أفريقيا" للكونغو، بعدما وافقت دول المجموعة السبع، في قمة يونيو 2022، على إنشاء القوة العسكرية التي ستخضع لقيادة كينيا، بغية تحقيق الأمن في شرق الكونغو، حيث يفترض أن تتضمن هذه القوة الإقليمية إلى جانب القوات الكينية، كتيبتين من أوغندا، وكتيبتين من بوروندي، وكتيبة واحدة من جنوب السودان.
2- دعم فرنسي للتدخل العسكري: أجرى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في 12 نوفمبر الجاري، مكالمة هاتفية مع نظيره الكيني، وليام روتو، أشاد خلالها بنشر نيروبي مجموعة من قواتها في شرق الكونغو، مؤكداً دعم بلاده للجهود التي تبذلها مجموعة دول شرق أفريقيا لوقف التصعيد الراهن بين كينشاسا وكيجالي.
3- ترحيب حركة 23 مارس: أعلن المتحدث السياسي باسم حركة "23 مارس" المتمردة في شرق الكونغو الديمقراطية، لورانس كانيوكا، في 3 نوفمبر الجاري، عن ترحيب الحركة بقرار الرئيس الكيني، ويليام روتو، بنشر قوات كينية في مقاطعة كيفو الشمالية وسعي نيروبي لتحقيق السلام، كما نفى أي استهداف للمدنيين من قبل عناصر الحركة في الإقليم، موجهاً اللوم للقوات الحكومية في أعمال العنف الراهنة في المنطقة.
4- تحركات موازية من كيجالي: اعترضت الكونغو الديمقراطية على مشاركة قوات رواندية داخل القوات الإقليمية المشتركة التي يتم نشرها في شرق الكونغو، ولذلك نشرت كيجالي قواتها على طول الحدود المتاخمة للكونغو الديمقراطية.
دوافع الانخراط الكيني:
تعددت التفسيرات بشأن دوافع الانخراط الكيني في جهود دعم الاستقرار في شرق الكونغو، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- تخوفات من تقدم "23 مارس": تمكنت حركة "23 مارس" المتمردة من تحقيق تقدم ميداني في مقاطعة كيفو الشمالية بشرق الكونغو، حيث باتت الحركة تسيطر على مساحات شاسعة منها. فبعد أسبوع واحد من سيطرة الحركة على بلدتين استراتيجيتين، هما كيوانجا وروتشورو، اندلعت في 12 نوفمبر الجاري، اشتباكات عنيفة بين القوات الكونغولية وعناصر الحركة في "روجاري"، على بعد 20 كيلومتراً فقط من جوما، والتي تشكل أكبر مدينة في شرق الكونغو وعاصمة إقليم كيفو الشمالية.
2- فشل القوات الأممية: عجزت قوات حفظ السلام التابعة للبعثة الأممية في كينشاسا "مونوسكو"، عن وقف هجمات حركة "23 مارس". ولذلك شهدت جوما احتجاجات خلال الأيام الأخيرة ضد البعثة الأممية، وعمد المحتجون إلى إشعال النار في عدد من المركبات التابعة للأمم المتحدة.
وتجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة كانت قد أرسلت منذ عام 2000 بعثة أممية لحفظ السلام إلى الكونغو الديمقراطية. واقتصرت مهام هذه البعثة في البداية على حماية المدنيين ودعم الجيش الكونغولي، قبل أن توافق الأمم المتحدة لاحقاً على تشكيل قوة قتالية من حوالي 13 ألف جندي، تشارك فيها قوات من جنوب أفريقيا وملاوي وتنزانيا، مخولة بتنفيذ عمليات هجومية ضد الجماعات المسلحة الموجود في كينشاسا.
3- تأمين مصالح كينيا في الكونغو: سارعت كينيا إلى إرسال قواتها إلى شرق الكونغو رغبة من الأولى في تأمين مصالحها في كينشاسا الغنية بالمعادن، حيث تحظى كينيا بمصالح استثمارية استراتيجية في جمهورية الكونغو.
4- تعزيز دور نيروبي الإقليمي: تسعى كينيا إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، فقد نشرت تقارير غربية قيام وفد كيني رفيع المستوى بزيارة سرية إلى رواندا، مطلع نوفمبر 2022، بهدف نقل خبرات مركز كيجالي المالي الدولي، وهو ما ربطته هذه التقارير بالتحركات الراهنة للرئيس الكيني، وليام روتو، التي تستهدف إحياء الجاذبية المالية لنيروبي في الساحة الإقليمية.
5- استجابة لطلب الكونغو: طلبت جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل مباشر من كينيا تولي دور القيادة للقوة الإقليمية المنخرطة في دعم الاستقرار بشرق الكونغو، في ظل التهديدات المتزايدة التي باتت تهدد نظام الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيسكيدي، وهو ما دفع الأخير إلى طلب دعم نيروبي لمواجهة هذه التهديدات.
دلالات مهمة:
عكست عملية انخراط القوات الكينية في دعم الاستقرار بشرق الكونغو في إطار القوات المشتركة لمجموعة دول شرق أفريقيا جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- استمرار الجهود الدبلوماسية: يأتي وصول القوات الكينية إلى شرق الكونغو بالتزامن مع الجهود الدبلوماسية القائمة حالياً لحلحلة التوترات المتصاعدة بين الكونغو الديموقراطية ورواندا، في ظل اتهام الأخيرة بدعم حركة "23 مارس" المتمردة.
وفي هذا السياق، قام الرئيس الأنجولي ورئيس المؤتمر الدولي لمنطقة البحيرات العظمى، جواو لورنسو، بجولة تضمنت رواندا والكونغو، في 11 و12 نوفمبر 2022، وذلك في إطار وساطة الاتحاد الأفريقي، وذلك بعد الاجتماع الذي استضافته العاصمة الأنجولية لوزيري خارجية رواندا والكونغو، في 5 نوفمبر الجاري. فيما قام الرئيس الكيني السابق، أوهورو كينياتا، بزيارة إلى كينشاسا لإجراء مباحثات مع المسؤولين الكونغوليين في إطار الوساطة التي تقودها مجموعة دول شرق أفريقيا.
2- شكوك حول فاعلية القوات الكينية: يثار التساؤل حول فرص نجاح القوات الكينية المرسلة إلى شرق الكونغو في تحقيق الاستقرار، في ظل العدد المحدود الذي سيتم ارساله إلى هناك، والذي يبلغ حوالي 900 جندي تقريباً، خاصة في ضوء فشل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، البالغ عددها 13 ألف جندي، في تحقيق هذه المهمة، لاسيما بسبب انتشار عناصر المجموعات المتمردة في مناطق واسعة.
وفي المقابل، هناك تقديرات أخرى تشير إلى أن الخبرات الواسعة التي تمتلكها القوات الكينية، وتجربتها السابقة في تقويض البنية التحتية لحركة الشباب وتعطيل هجماتها ضد الأراضي الكينية، يعزز من فرص نجاحها في التعامل مع التهديدات الأمنية في شرق الكونغو.
3- أدوار متكاملة: يتوقع أن يتم توزيع الأدوار بين الدول المشاركة في القوة الإقليمية المشتركة، حيث سيتم نشر عناصر هذه القوة في المقاطعات الثلاث الأكثر اضطراباً في شرق الكونغو، وهي كيفو الشمالية، والجنوبية، وإيتوري.
كما أن كل وحدة من هذه القوات ستكون مسؤولة عن أهداف محددة، ففي حين تستهدف القوات الكينية المتمردين في شمال كيفو ودعم جهود القوات الأممية، ستعمل القوات الأوغندية في المقابل على ملاحقة عناصر "قوات الحلفاء الديموقراطية" المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي، والمنتشرة في كيفو الشمالية وإيتوري، خاصة أن هذه العناصر شنّت هجمات متفرقة ضد أوغندا، بينما ستتركز القوات البوروندية في كيفو الجنوبية، وستكون مسؤولة عن شن هجمات مكثفة على مليشيا "تابارا" (Tabara)، أما بالنسبة لقوات جنوب السودان فقد تم تكليفها بمواجهة فلول "جيش الرب للمقاومة".
ارتدادات محتملة:
هناك عدد من الارتدادات المحتملة للمتغيرات الراهنة التي طرأت على شرق الكونغو، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- تعاون مشترك: رجحت بعض التقديرات أن تعمل القوات المشتركة لمجموعة دول شرق أفريقيا على تنسيق عملياتها العسكرية مع قوات البعثة الأممية "مونوسكو" في الكونغو الديمقراطية، في محاولة لتعزيز فاعلية العمليات المشتركة ضد المجموعات المسلحة.
2- استئناف السلام: لعبت كينيا دوراً حاسماً في جهود الوساطة بين الحكومة الكونغولية ومجموعات المتمردين، والتي أفرزت في النهاية اتفاق سلام بين الجانبين، غير أن عدم الالتزام ببنود هذه الاتفاقية أدى إلى تجدد التوترات بشرق الكونغو، لكن يبدو أن هناك تحركات راهنة تقوم بها نيروبي لاستئناف جهود الوساطة مرة أخرى، وهو ما انعكس في تعيين كينياتا للدفع نحو العودة لطاولة المفاوضات، واستئناف محادثات السلام، مع وجود تقديرات تطرح احتمالية إشراف نيروبي على تنفيذ بنود اتفاق السلام، وربما يعزز من هذا الطرح تصريحات حركة "23 مارس" المتمردة، والتي أبدت ترحيبها بانخراط نيروبي في جهود دعم الاستقرار في شرق الكونغو.
وفي الختام، جاء قرار مجموعة دول شرق أفريقيا بإرسال قوة مشتركة للكونغو الديموقراطية في أعقاب انضمام الأخيرة إلى المجموعة في مارس الماضي، وهي المرة الأولى التي ترسل فيها هذه المجموعة قوات مشتركة إلى إحدى الدول الأعضاء بها. وتسعى المجموعة للجمع بين العمل العسكري والدبلوماسي لإيجاد حلول مستدامة في شرق الكونغو تسهم في استعادة السلام والاستقرار المنشود.