تعهد رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد شياع السوداني، الخميس 27 أكتوبر 2022، بتعزيز علاقات بلاده الخارجية على أساس مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، خاصة مع دول الجوار، وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى، وعدم السماح بأن يكون العراق ممراً أو مقراً للاعتداء على أي دولة، والطلب من الدول الأخرى المعاملة بالمثل. وجاء ذلك في البرنامج الحكومي للسوداني، والذي وُزِع قبيل انعقاد جلسة مجلس النواب العراقي، والتي حاز فيها على الثقة بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس، أي النصف زائداً واحداً من 329 نائباً.
ترحيب خارجي حَذِر:
جاءت ردود الفعل الدولية والإقليمية حول منح الثقة لحكومة السوداني، إيجابية في معظمها. وفي هذا السياق، يمكن استعراض أهم ردود الأفعال الخارجية في النقاط التالية:
1- المواقف الدولية: رحبت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وممثلية الأمم المتحدة في العراق بحكومة محمد شياع السوداني الجديدة، كما التقى السوداني، عقب إعلان كابينته الوزارية، السفيرة الأمريكية لدى العراق، السيدة آلينا رومانوسكي، والسفير البريطاني في العراق، مارك برايسون.
ويؤشر ذلك إلى وجود رغبة أمريكية وأوروبية في إنهاء الفراغ السياسي والإبقاء على الحلول التوافقية للعملية السياسية، حتى ولو لم يكن تشكيلها على نحو يرضي تلك الأطراف بشكل كامل، إلا أن ذلك أقل كلفة بالنسبة لها من انعدام الاستقرار في العراق.
2- المواقف الإقليمية: رحب عدد من دول المنطقة بحكومة العراق الجديدة، فقد استقبل رئيس الوزراء العراقي الجديد في مكتبه ببغداد، السفير الإيراني، محمد كاظم آل صادق، والسفير السعودي، عبدالعزيز الشمري، كما أجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً بكل من الرئيس العراقي الجديد عبداللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني. ورحبت وزارة الخارجية التركية بالحكومة الجديدة، ويُشير ذلك إلى رغبة الأطراف السابقة في إقامة علاقات تعاونية مع حكومة السوداني، واستكشاف مدى قدرتها على تبني سياسات مستقلة عن التوجهات الإيرانية.
عوائق التعاون مع الدول العربية:
على الرغم من الترحيب الدولي والإقليمي بحكومة السوداني الجديدة في العراق، فإن ثمة تحديات تواجهها، في مسار إدارتها لتفاعلاتها الإقليمية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- الدور السلبي للتنسيقي: أكد السوداني أن حكومته لن تكون حزبية، وأنها ستكون مستقلة، غير أن طريقة اختيار الوزراء لا تتصالح مع ذلك الادّعاء، حيث هيمن عليها الإطار التنسيقي، باعتباره صاحب النصيب الأكبر في التشكيل الحكومي الجديد، بعد انسحاب التيار الصدري منها.
ومن جهة أخرى، فإن السوداني ذاته استقال من حزب الدعوة عام 2019، وأسس "تيار الفراتين"، والأخير يمتلك ثلاثة مقاعد داخل مجلس النواب، بما فيها مقعد السوداني نفسه، وقد طرح الإطار التنسيقي اسمه كحل وسط بعد تصاعد الخلاف بين ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي وتيار الفتح بزعامة هادي العامري، وهو ما يرجح خضوعه لتوجهات المالكي والعامري، وكلاهما مقرب من إيران.
2- تهديد ميليشيات طهران: يلاحظ أن القوى السياسية العراقية المحسوبة على إيران، والتي تمتلك ميليشيات مسلحة، كانت من المهددات للاستثمارات العربية في العراق، وذلك عبر شنّها هجمات إعلامية على المشاريع الاقتصادية العربية في العراق، أو من خلال عرقلة الموافقات الحكومية، وإجهاض بعض المشروعات، وهي كلها عوامل قد تهدد أي تعاون عربي مستقبلي.
دعائم الانفتاح على الدول العربية:
على الرغم من وجود تحديات أمام تعامل حكومة السوداني مع محيطها الإقليمي، فإن هناك بعض الدوافع التي قد تعزز من فرص تقوية علاقاتها بدول المنطقة، ولعل من أهمها ما يلي:
1- إرث الانفتاح على الدول العربية: تواجه الحكومة العراقية الجديدة تحدياً يتمثل في مدى قدرتها على مواصلة نهج الانفتاح على محيطها العربي، والذي حرص على تبنيه رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي، والذي كان أبرز سماته محاولة تعزيز التعاون الاقتصادي مع مصر والأردن، وهو النهج الذي استكمله مصطفى الكاظمي.
كما حرصت بغداد على تجنب تحويل نفسها إلى منصة إيرانية لتهديد الدول العربية، وذلك من خلال محاولة الكاظمي الوساطة بين السعودية وإيران، في مسعى لتهدئة التوتر بينهما، إذ استضافت بغداد خمس جولات من المباحثات بين السعوديين والإيرانيين، برعاية مباشرة من الكاظمي، كما قام الأخير بزيارة إلى مدينة جدة السعودية للقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في 25 يونيو الماضي لتحقيق هذا الهدف.
هذا إلى جانب توجه الكاظمي الواضح تجاه تعزيز علاقات العراق مع محيطه العربي، والذي تجلي في اهتمامه بمشروعات الربط الكهربائي مع دول الخليج، فضلاً عن حرصه على تعزيز آلية التعاون الثلاثي مع مصر والأردن، والتي بدأها سلفه عادل عبد المهدي.
2- إشكالية العلاقة مع إيران: ستواجه الحكومة العراقية الجديدة تحدياً يتعلق بحاجتها إلى إبداء قدر من الاستقلالية عن إيران، خاصة في ضوء تراجع شعبية طهران في الشارع العراقي، واندلاع احتجاجات غير مسبوقة في المناطق الشيعية منذ عام 2019 تطالب بإنهاء النفوذ الإيراني على الحكومة العراقية. وفي حال أخفقت حكومة السوداني في ذلك، فإن الاحتجاجات الشعبية قد تندلع من جديد.
ومن جهة أخرى، فإنه سوف يكون على حكومة السوداني التحوط للاضطرابات الداخلية التي تشهدها إيران، والتي قد تضعف النظام الإيراني أكثر، خاصة في ضوء اتجاه طهران إلى استقدام ميليشيات الحشد الشعبي العراقية لقمع الاحتجاجات، وهو ما يؤشر إلى عجز طهران عن قمعها بالاعتماد على قوتها الذاتية، كما أنه يؤشر كذلك إلى قوة ميليشيات الحشد الشعبي المرتبطة بطهران داخل العراق.
3- تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية: تأتي حكومة السوداني، في ظل تحسن بعض المؤشرات بالنسبة للاقتصاد العراقي، إذ أعلن البنك المركزي، في 29 سبتمبر الماضي، عن تحقيق أعلى احتياطي في تاريخه برقم تجاوز 87 مليار دولار، وتحسن قيمة الدينار العراقي بأكبر من قيمته الحقيقية بـ 130%، هذا إلى جانب تصدر العراق قائمة الدول العربية الأكثر نمواً في الناتج المحلي الإجمالي للعام الجاري، وجاء في المرتبة الثانية ضمن قائمة الدول العشر الأعلى نمواً في العالم لعام 2022، حسب تصنيفات صندوق النقد الدولي الصادرة في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" لشهر أكتوبر السابق، وهي كلها مؤشرات تحسب لحكومة الكاظمي السابقة.
وتمنح تلك المؤشرات فرص للحكومة الجديدة لاستكمال مسار تحقيق معدلات اقتصادية مرتفعة وإصلاح المشكلات الاقتصادية الهيكلية، مستفيدة من ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري بسبب أزمة الطاقة العالمية. ولاشك أن نجاح العراق في النهوض بأوضاعه الاقتصادية سوف يتطلب تعزيز التعاون مع الدول العربية، خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، بالإضافة إلى الاحتجاجات الداخلية التي تشهدها، والتي سوف ترتب انشغالاً إيرانياً بالأوضاع الداخلية لفترة من الزمن.
4- الاستفادة من الاستثمارات العربية: يلاحظ أن مواصلة الحكومة العراقية انفتاحها على محيطها العربي سوف ينعكس على العراق إيجاباً، إذ إنه سيجذب الاستثمارات العربية للاقتصاد العراقي، لاسيما السعودية منها، خاصة مع إعلان صندوق الاستثمارات العامة السعودي، عزمه تأسيس شركات إقليمية لاستثمار 24 مليار دولار في عدد من دول المنطقة ومنها العراق، كما أن مصر والأردن تتطلعان إلى تفعيل الشراكة الاقتصادية مع بغداد، وهو ما يخدم المصالح الاقتصادية للأطراف الثلاثة.
وقد أعلن السوداني أن حكومته ستكون حكومة خدمات، أي أن تركيزها سوف ينصب على توفير أفضل الخدمات للمواطنين، ومواجهة الفساد والبطالة والتضخم، وهي الأسباب التي أدت من قبل لاندلاع احتجاجات تشرين 2019، ولاشك أن قدرة الحكومة العراقية على تحسين الأوضاع الاقتصادية سوف ترتبط بشكل أساسي بقدرتها على تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول العربية، خاصة أن دول الخليج العربية تعرض تصدير الطاقة للعراق بأسعار تقل عن نظيرتها الإيرانية، كما أن الاستثمارات العربية سوف تساهم في تعزيز نمو الاقتصاد العراقي، بما يقلل من احتقان الشارع العراقي.
وفي الختام، يمكن القول إن الدول العربية، ليس لديها تحفظ بشكل مبدئي في التعامل مع حكومة السوداني، وأن الأمر يتوقف على أداء الحكومة وقدرتها على تبني توجهات مستقلة عن النفوذ الإيراني، وتسعى للتعاون اقتصادياً مع دول المنطقة، خاصة أنه بات من الواضح أن طهران تسعى لوضع خطوط حمراء أمام أي حكومة عراقية تتمثل في رفض تعاونها مع الدول العربية، وهو أمر ليس من الواضح ما إذا كان السوداني سيتمكن من تجاوزه أم لا.