يُلاحظ المُتتبع لنشاط تنظيم القاعدة في اليمن، تنامي هذا النشاط خلال العام 2022، بعد تراجع هجماته خلال السنوات الماضية. ولهذه العودة دلالات ومؤشرات وأسباب مكّنت التنظيم الإرهابي من الظهور بقوة، وكانت لهجماته فاعلية وتأثير بين أفراد مؤسستي الجيش والأمن، كما أثارت عودته قلقاً محلياً وإقليمياً ودولياً، خوفاً من أن يكون قد استجمع قواه وجذب إليه عناصر جديدة، حيث يتركز في محافظات أبين وشبوة والبيضاء وحضرموت.
هجمات مُتكررة:
يمكن استعراض بعض الهجمات التي قام بها عناصر تنظيم القاعدة والتي ألحقت خسائر بشرية ومادية وساهمت في إعادة انتشار الخوف والذعر بين أوساط اليمنيين الذين تنشط هذه العناصر في مناطقهم. وجاءت أبرز هذه الهجمات الإرهابية كالتالي:
- 11 فبراير 2022: اختطف تنظيم القاعدة خمسة من موظفي الأمم المتحدة وهم في طريقهم من محافظة أبين إلى محافظة عدن، وطالب التنظيم بفدية قدرها 5 ملايين دولار مقابل إطلاق سراحهم، وهم مازالوا مختطفين.
- 15 مارس 2022: وقع هجوم بسيارة مفخخة يقودها عدد من الانتحاريين على موكب قائد الحزام الأمني في أبين، العميد عبداللطيف السيد، المُصنف بالخصم التاريخي للتنظيم الإرهابي، مما أسفر عن إصابته ومقتل 4 جنود من مرافقيه.
- 14 أبريل 2022: استطاع تنظيم القاعدة تحرير 10 من عناصره المسجونين بالسجن المركزي في مدينة سيئون بحضرموت، وهي عملية نوعية كشفت عن وجود اختراق أمني داخل القوات اليمنية.
- 6 مايو 2022: قُتل ضابطان كبيران في الأمن اليمني بهجوم شنه تنظيم القاعدة على مقر أمني بمحافظة الضالع، فيما تمت تصفية 5 من المهاجمين.
- 22 يونيو2022: استهدف تنظيم القاعدة، بهجومين متزامنين، حاجزاً أمنياً لقوة دفاع شبوة قرب مدينة عتق، ودورية لمحور أبين العسكري في مديرية أحور، مما أدى إلى 10 قتلى و7 جرحى من القوات اليمنية.
- 6 سبتمبر 2022: وقع الهجوم الأكثر دموية لتنظيم القاعدة مُستهدفاً حاجزاً أمنياً في مديرية أحور بمحافظة أبين، وأدى إلى مقتل 21 شخصاً من قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي و6 عناصر على الأقل من القاعدة.
- 12 سبتمبر 2022: قُتل 3 من قوات الحزام الأمني وأُصيب 6 آخرون في انفجار عبوة ناسفة، أثناء ملاحقة عناصر من تنظيم القاعدة في أبين.
دلالات عديدة:
تثير هجمات تنظيم القاعدة في جنوب اليمن خلال الفترة الأخيرة العديد من الدلالات، ويتمثل أبرزها في التالي:
1- وجود قدرات تنظيمية كبيرة: تشير الهجمات المُتكررة إلى الاستعداد العالي لتنظيم القاعدة، والناتج عن وضعه خططاً مُرتبة سلفاً. فمن خلال هذا النشاط وآلياته المُتبعة، تتضح قدرة عناصر القاعدة على التخطيط والتنفيذ في أكثر من موقع جغرافي وفي أكثر من محافظة، بما يشير إلى قدرته على الحركة والتنقل والضرب في مواقع أمنية ذات دلالة تؤكد الإمكانيات المادية والبشرية للتنظيم.
2- التمتع بقدرة بنيوية عالية: مكّن ذلك القاعدة من إعادة تشكيل أعضائه واختيار قيادات جديدة بالرغم مما لحق بقياداته خلال السنوات الماضية من تصفيات، مثل ناصر الوحيشي وقاسم الريمي وأنور العولقي.. وغيرهم، بالإضافة إلى قدرة التنظيم أيضاً على استقطاب عناصر ودماء جديدة مكّنته من رفع كفاءته وتوسيع عملياته.
3- توظيف الصراعات المناطقية: استغل تنظيم القاعدة الصراعات والاختلافات بين مكونات المجتمع اليمني، مثل الخلافات والصراعات المناطقية من أجل السلطة والنفوذ، والتي تؤدي إلى صراعات داخلية في مؤسسات الدولة وظفها التنظيم واخترق من خلالها بنية المجتمع.
4- استغلال الانقسامات بين بعض مكونات الشرعية: ساهم عدم الاستقرار الذي تعيشه بعض مناطق الشرعية في بروز تنظيمات فاعلة خارج جسد السلطة، كان لها دور في زعزعة الأمن والاستقرار، وأدت إلى انتشار الفوضى، ومنها تنظيم القاعدة الذي تمدد وجنّد عناصر تابعة له، بوجود معسكرات معروفة في جبال ووديان عدد من المحافظات لاسيما الجنوبية. كما أن البنية الاقتصادية الهشة والصراع السياسي بين بعض مكونات الشرعية اليمنية، استخدمه التنظيم كورقة رابحة جذبت إليه الأموال من الخارج، وكان سبباً رئيساً في توسيع نشاطه.
5- مقاومة البعض التغييرات في إطار السلطة الشرعية: يبدو أن هناك فئات مُتضررة من الإجراءات التي حدثت في تشكيل المجلس الرئاسي اليمني في أبريل الماضي، ويشير البعض هنا إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح "الإخواني"، حيث إن معاودة نشاط تنظيم القاعدة توافق مع التغيير الذي جرى في السلطة الشرعية وتكوين هذا المجلس برئاسة رشاد العليمي. وبالتالي مع وجود مراكز قوى مجتمعية وسياسية قد تأثرت من هذا التغيير، ربما يكون ذلك قد دفعها إلى تحريك أدوات مهمتها خلط الأوراق في محاولة للتأثير على هذا التغيير وسعياً لإفشاله.
6- توافق المصالح بين التنظيمات الإرهابية: هناك اتهامات علنية على توافق المصالح بين ميليشيا الحوثيين وتنظيم القاعدة. فمع الاتفاق على الهدنة الأممية بين الشرعية والحوثيين منذ أبريل الماضي، تصاعدت هجمات القاعدة في مناطق الشرعية فقط، وتزامن ذلك أيضاً مع أخبار متواترة عن إطلاق الحوثيين سراح عناصر من تنظيم القاعدة كانوا في سجونها منذ سنوات، ويؤكد البعض أن ثمة صفقة بين الجانبين في إطار توجه عناصر التنظيم إلى مناطق الشرعية ومباشرة نشاطهم في مواجهتها، وتأمين مناطق تركزهم في محافظة البيضاء كنقطة انطلاق.
أسباب العودة:
هناك عدة أسباب ربما تُفسر عودة نشاط تنظيم القاعدة وتصاعد هجماته في اليمن، وأهمها ما يلي:
1- حالة عدم الاستقرار في البلاد: تعاني بعض مناطق الشرعية في اليمن عدم استقرار سياسي واقتصادي وأمني، في ظل عدم قدرة المجلس الرئاسي حتى الآن على خلق واقع جديد يقوم على فرض سيادة الدولة. وهيأ ذلك المناخ لظهور وعودة نشاط تنظيم القاعدة ومحاولته إظهار نفسه كتنظيم فاعل على الساحة اليمنية مُستغلاً حالة الفوضى التي تعيشها بعض مناطق الشرعية.
2- مواجهة النفوذ الشيعي: أدى فرض ميليشيا الحوثيين المذهب الشيعي الاثنا عشري في شمال اليمن، إلى رد فعل لدى بعض الجماعات السُنية، خصوصاً من الشوافع، وذلك بالسماح بظهور تنظيم القاعدة في مناطقهم خوفاً من وصول الحوثيين إليها وفرض مذهبهم بالقوة، حيث يرى البعض من أبناء تلك المناطق أن تنظيم القاعدة حائط صد في مناطق الشرعية ضد أي تقدم لميليشيا الحوثيين. وقد يتناقض هذا السبب مع ما ظهر من توافق في المصالح بين الحوثيين والقاعدة، حيث يشير الواقع إلى وجود أهداف مشتركة للطرفين، وهي أهداف تُمليها الظروف وإن كانت مؤقته.
3- الرد على العمليات العسكرية للشرعية: جاءت الهجمات الإرهابية الأخيرة لتنظيم القاعدة في اليمن، في جزء منها، رداً على العمليات العسكرية التي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي، وبدعم من تحالف دعم الشرعية، والهادفة إلى الحد من نفوذ وتهديدات القاعدة. إذ أطلق المجلس الانتقالي عملية "سهام الشرق" في محافظة أبين يوم 22 أغسطس 2022، لتأمينها من العناصر الإرهابية. كما أطلق يوم 10 سبتمبر الجاري عملية بمحافظة شبوة تحت اسم "سهام الجنوب"، لتطهيرها من التنظيمات الإرهابية أيضاً. وأعلنت القوات الجنوبية، في 18 سبتمبر الجاري، سيطرتها على معسكر عومران الاستراتيجي في أبين، وهو أكبر معاقل تنظيم القاعدة.
كيفية المواجهة:
لمواجهة تنظيم القاعدة ومحاولة اجتثاثه وتجفيف منابعه في جنوب اليمن، لابد من وجود بيئة محلية وإقليمية ودولية مواتية. ويمكن أن يتم ذلك من خلال اتخاذ إجراءات حقيقية تُمكن الحكومة الشرعية من بسط نفوذها وتفعيل القانون وتوحيد مؤسستي الجيش والأمن، وتسليح وتدريب كل القوات على أساس ولاء وطني واحد، بالإضافة إلى تكاتف الجهود وتوحيد الصفوف لكل مكونات السلطة الشرعية. ولن يتأتى ذلك إلا بمزيد من الجهود من قِبل تحالف دعم الشرعية للوقوف وراء تحقيق هذا الهدف، مع العمل على تعزيز نقاط التوافق وتضييق الهوة فيما هو غير متوافق عليه.
الخلاصة هي أن كل التنظيمات الإرهابية وجماعات العنف بشكل عام تنشط وتزدهر عندما تجد لها بيئة محلية مهيئة ومواتية، وظروف إقليمية ودولية سانحة بقصد توظيفها لأغراض وأهداف مصلحية تجاه عدة أطراف.