اتفق اجتماع الرئاسات والقوى السياسية العراقية، في 5 سبتمبر، على ست توصيات، من بينها تشكيل فريق فني لبلورة الرؤى والأفكار وتقريب وجهات النظر بغية الوصول إلى انتخابات مبكرة، وذلك خلال الجلسة الثانية من جلسات الحوار الوطني، والتي عقدت على الرغم من استمرار مقاطعة التيار الصدري لها.
وعقدت الجولة الأولى من الحوار الوطني، في 17 أغسطس، بمشاركة قيادات الإطار التنسيقي، فضلاً عن بعض أطراف القوى السياسية الأخرى، وكذلك ممثلة الأمم المتحدة بالعراق جينين بلاسخارت.
المناخ العام للاجتماع:
جاءت دعوة الكاظمي لاستكمال جلسات الحوار الوطني، في ظل عدد من التطورات التي شهدتها الساحة السياسية والأمنية العراقية على مدار الأيام الماضية، وهو ما يمكن استعراضه في النقاط التالية:
1- أحداث المنطقة الخضراء: شهدت المنطقة الخضراء ببغداد اشتباكات مسلحة بين المئات من أنصار التيار الصدري، وميليشيات الحشد الشعبي الموالية للإطار التنسيقي، أسفرت عن مقتل حوالي 30 شخصاً، وذلك عقب إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، اعتزاله النهائي للسياسة، وإغلاق المراكز التابعة له بصورة مفاجئة في 30 أغسطس 2022.
كما حدثت مواجهات بين أنصار الصدر والحشد الشعبي في بغداد والبصرة وميسان والكوفة وبابل. ولتجنب دخول البلاد في اقتتال شيعي – شيعي، خرج الصدر عن صمته وعقد مؤتمراً صحفياً في الحنانة في مدينة النجف ودعا أنصاره إلى إنهاء الاعتصام والانسحاب من أمام البرلمان، وهو ما لاقى إشادة من أغلب قوى الإطار التنسيقي، إلى جانب الكاظمي، ورئيس الدولة العراقية برهم صالح، كما طالب الأخير بضرورة الذهاب إلى انتخابات مبكرة، في تماهي مع موقف الصدر.
2- تدخل مباشر للمرجعية الدينية: كشفت وكالة رويترز بعد إجراء مقابلات مع حوالي 20 مسؤولاً في الحكومة العراقية والتيار الصدري وفصائل شيعية أخرى، عن إرسال المرجع الديني الأعلى في العراق، علي السيستاني، رسالة إلى الصدر مفادها أنه إذا لم يوقف العنف فسيضطر المرجع الأعلى إلى إصدار بيان يدعو إلى وقف القتال، وهو ما كان سيضعف موقف الصدر، لأنه كان سيبدو أن السيستاني يحمله مسؤولية المواجهات.
ولكن على الجانب الآخر، قام حسين النوري، ممثل السيستاني، بزيارة، على رأس وفد حوزوي رفيع المستوى، لمجلس العزاء المقام على ضحايا تظاهرات أنصار الصدر لتقديم التعازي، وهو ما يشير إلى وجود دعم ضمني من المرجعية للصدر.
3- تجدد الدعوة لحل الفصائل المسلحة: جاءت كلمة الصدر في الحنانة عقب أحداث المنطقة الخضراء، وكلمة المتحدث باسم الصدر، صالح محمد العراقي، والمعروف كذلك باسم "الوزير القائد" عقب اشتباكات البصرة، لتؤكد إصرار التيار الصدري على حل الفصائل المسلحة وإخراجها من المنطقة الخضراء، وإنهاء سيطرتها على المنافذ الحدودية خلال الفترة القادمة، بالإضافة إلى مطالبة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، بتغيير رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، نظراً لأنه شخصية مسيسة وغير قادر على إدارة الحشد.
ويكشف ذلك عن إصرار الصدر لاتخاذ كافة الخطوات لإضعاف الحشد الشعبي، الموالي لإيران في الداخل العراقي، وذلك بعد فترة من مخاطبة بعض الفصائل المنضوية تحت الحشد بلغة هادئة، في محاولة لإثنائهم عن الدخول معهم في موجهات مسلحة، ولذلك، فإن عودته لتبني خطاب حاد ضدهم يكشف عن عودته مرة أخرى لسياسته الرامية إلى إضعافهم في الداخل العراقي، وهو ما يتسق مع سياساته الرافضة للنفوذ الإيراني على بغداد، والساعية لتقويضها كذلك.
4- تأجيل ثانٍ لقرار المحكمة الاتحادية: قررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق تأجيل قرارها بخصوص الدعاوى المرفوعة أمامها لحل البرلمان العراقي، نظراً لعدم الالتزام بالمدد الدستورية المحددة لاختيار رئيس الدولة ورئيس الوزراء، حيث تم التأجيل إلى 7 سبتمبر 2022 للبت في الدعوى. وفي حالة إقرار المحكمة لحل البرلمان، فإن ذلك سوف يمثل حلاً للأزمة السياسية، أما إذا أحجمت عن ذلك القرار، فإنه سوف يتم الدخول في مفاوضات حول كيفية إدارة الفترة التي تسبق إجراء الانتخابات المبكرة.
فرص نجاح الحوار الوطني:
على الرغم من وجود فرص حقيقية لإنجاح الحوار الوطني للخروج من حالة الأزمة الحالية، فإن هناك العديد من التحديات التي قد تعوق نجاح الحوار، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- تجاوب مبادرة الحلبوسي مع الصدر: قدم رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، مبادرة للخروج من الانسداد السياسي الحالي، والتي جاءت متوافقة مع مطالب التيار الصدري، حيث أكد الحلبوسي من خلالها على ضرورة تحديد موعـد للانتخابات النيابيـة المبكـرة وانتخابات مجالس المحافظات في موعـد أقصاه نهاية عام 2023، وانتخاب رئيس الجمهورية، واختيار حكومة كاملة الصلاحية متفق عليها ومحل ثقة، بالإضافة إلى إعادة تفسـير المـادة 76 مـن الدستور، وهي المتعلقة بالكتلة الكبرى التي يحق لها تشكيل الحكومة، إضافة إلى إقرار قانون الموازنة العامة الاتحادية، علاوة على تعديل قانون انتخابات مجلس النواب، وكذلك تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا وفق المادة 92 من الدستور.
2- دعوة الجولة الثانية من الحوار لانتخابات مبكرة: توافق القادة السياسيون العراقيون، في جلسة الحوار الثانية التي انعقدت في 5 سبتمبر، بدعوة من الكاظمي، على 6 توصيات، بينها تشكيل فريق فني يعمل على إنضاج الرؤى والأفكار وتقريب وجهات النظر بغية الوصول إلى انتخابات مبكرة. كما جددوا، في الوقت نفسه، الدعوة للتيار الصدري للمشاركة في الاجتماعات الفنية والسياسية، لمناقشة كل القضايا الخلافية، والتوصل إلى حلول لها.
3- غموض موقف التيار الصدري: على الرغم من أن دعوات واتصالات رئيس الوزراء الكاظمي مع أغلب الأطراف السياسية لاقت قبولاً من أغلب الأطراف، فإن استمرار مقاطعة التيار الصدري قد يعرقل نجاح جلسات الحوار المرتقب، في ظل إدراك القوى السياسية كافة عدم إمكانية المضي قدماً في أي خطوة مستقبلية من دون مشاركة التيار، غير أن الصدر قد يلجأ للمشاركة بعد إقرار مبدأ الانتخابات المبكرة.
4- الخلافات داخل الإطار التنسيقي: لايزال الإطار التنسيقي منقسماً بين فريقين، أحدهما يؤيد التوجه نحو جلسة البرلمان وتشكيل الحكومة، والآخر يعارض تلك الخطوة ويعتبر استفزازاً للتيار الصدري وقد تفتح المجال لعودة التصعيد إلى الشارع. وسعت قيادات الإطار إلى تجنب المواجهة واتفقت في اجتماعها في 2 سبتمبر الجاري، بحضور غالبية قيادات التنسيقي الرئيسية، وتحديداً هادي العامري وفالح الفياض وعمّار الحكيم وحيدر العبادي وقيس الخزعلي، على ضرورة ترحيل الأزمة إلى ما بعد "زيارة الأربعين"، التي توافق 17 سبتمبر 2022، من أجل تهدئة الأوضاع بشكل مؤقت وهو ما جاء بدور إيراني فاعل.
تطورات محتملة:
قد يحد أحد التطورين التاليين في العراق خلال الفترة المقبلة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- عودة نواب الصدر المستقيلين: قدم أحد المحامين العراقيين دعوى إلى المحكمة الاتحادية العليا للطعن بقبول استقالات نواب الكتلة الصدرية من قبل رئاسة مجلس النواب، وتم تحديد موعد عقد الجلسة الأولى للنظر في الدعوى بتاريخ 28 سبتمبر الجاري. ويرى الطاعن أن رئيس مجلس النواب قد وافق على استقالة نواب الصدر، مخالفاً بذلك المادة 12 أولاً من النظام الداخلي لمجلس النواب، والتي تنص على أنه عند تقديم أحد أعضاء هيئة الرئاسة لاستقالته، فإنه يجب عرضها على البرلمان والتصويت عليها بالموافقة، وهو ما لم يتم إذ وافق عليها الحلبوسي من دون الرجوع إلى البرلمان.
وعلى الرغم من أن نواب الصدر قد تبرؤوا من الطاعن، غير أنه في حالة قبول المحكمة للطعن، وإعادة نواب الصدر، فإن هذا سيمكن الصدر من الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، حتى في حال رفضت المحكمة الاتحادية الطعن الذي تقدم به الصدر، مطالباً إياها بحل مجلس النواب، لتجاوزه المدد الدستورية المحددة لانتخاب رئيسي الدولة والحكومة.
2- عودة الاحتجاجات الشعبية: قد تشهد المحافظات العراقية، خاصة الشيعية منها، عودة الاحتجاجات مجدداً، ضد الهيمنة الإيرانية على بغداد، وضد نخبة السياسيين المرتبطين بها، وهو ما قد يعيد التوتر للمحافظات العراقية، خاصة مع توقع مصدر أمني عن ضباط عراقيين في وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني، وقوع حوادث اغتيال تستهدف ناشطين من التيار الصدري وقوى تشرين، خاصة إذا ما عادوا إلى مطالبهم بإسقاط الأحزاب الشيعية النافذة المرتبطة بإيران.
وفي الختام، يمكن القول إن مختلف القوى السياسية العراقية تترقب قرار المحكمة الاتحادية في 7 سبتمبر 2022، سواء بحل البرلمان، أو برفض الدعوى، وفي حالة رفض الدعوى، فإن الصدر لايزال يملك خيار إعادة نوابه إلى البرلمان، إذا ما تم قبول الدعوى التي تم رفعها أمام المحكمة بالطعن على استقالة نوابه. وعلى الرغم من استمرار الأزمة السياسية، فإنه بات من الواضح أنه ليس هناك من خيار سوى الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وإن كان ليس من الواضح آليات تحقيق ذلك بعد.