أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

الإدارة الرشيدة:

فرص وتحديات منتجي الطاقة الجدد في أفريقيا

22 أبريل، 2015


إعداد: أحمد عبد العليم

في ظل الحديث عن مستقبل واعد للطاقة في القارة الأفريقية، يتوقع الكثيرون حدوث طفرة، سواء في اكتشافات الغاز الطبيعي في سواحل شرق أفريقيا، أو اكتشافات النفط في غرب القارة؛ مما يجعل أفريقيا واحدة من القارات الواعدة في مجال الطاقة عالمياً.

وتأتي أهمية القارة السمراء في ذلك المجال ليس فقط بسبب تزايد مستوى الإنتاج، والكشف عن احتياطات جديدة للطاقة، بل لأنه يوجد ارتفاع كبير في أسعار الطاقة على مستوى العالم، حيث وصل النفط إلى أسعار قياسية، وهو ما يؤثر على الدول المستهلكة والمتنافسة على مصادر الطاقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

وثمة تساؤل مهم يدور حول إمكانية استفادة القارة الأفريقية من طفرتها النفطية المتوقعة، ومدى تحقيق تنمية حقيقية تؤدي إلى تحقيق توزيع عادل للثروات، من دون أن تندلع أحداث عنف أو حروب أهلية تودي بمستقبل القارة السمراء؟

في هذا الإطار، يأتي هذا التقرير الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، والمُعنون: "منتجو الطاقة الجُدد في أفريقيا: تحقيق الاستفادة المُثلى من الفرص الناشئة"، والذي أعدَّه كلُ من الباحثة "جنيفر كوك"Jennifer G. cooke ، مديرة برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، والباحث "ديفيد جولدوين" David Goldwyn ، كبير الزملاء في برنامج أفريقيا بالمركز. ويتناول التقرير عرضاً لمستقبل الطاقة في أفريقيا وأهم الدول المنتجة للطاقة، بالإضافة إلى تشابك المصالح الأمريكية مع المستقبل الواعد المتوقع للقارة السمراء، وصولاً إلى أهم التحديَّات التي تواجه مستقبل الطاقة في القارة.

نظرة عامة على الطاقة في أفريقيا

يبدأ الكاتبان بالحديث عن الطاقة في أفريقيا بشكل عام، إذ لاتزال كل من نيجيريا وأنجولا هما أكبر منتجي البترول بحوالي (2.3) مليون برميل و(1.8) مليون برميل يومياً على التوالي. أما في خليج غينيا، يعتبر إنتاج البترول أقل، فدولة مثل الجابون تنتج فقط (242) ألف برميل يومياً في ظل وجود احتياطي يبلغ (2) مليار برميل، وكذلك جمهورية الكونغو التي تنتج (278) ألف برميل يومياً في ظل وجود احتياطي يبلغ (1.6) مليار برميل.

وفي غرب القارة حيث عدم الاستغلال الأمثل للثروات، تعد نيجيريا هي الأولى من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكد في أفريقيا والتاسعة عالمياً؛ فخلال عام 2012 شكّلت صادرات نيجيريا (8%) من الغاز الطبيعي المُسال المتداول عالمياً، بل ثمة إمكانية لدولة نيجيريا أن تتوسع في ذلك المجال. فيما تتحرك أنجولا للاستفادة من احتياطاتها من الغاز بعد أن أكملت عمل منشآت للغاز الطبيعي المُسال بسعة (5.2) مليون طن عام 2013.

وعلى صعيد آخر، يشير الكاتبان إلى أن ثمة عراقيل تتعلق بالاستثمار في مجال الطاقة بأفريقيا، وتظل أخطر تلك العوائق هي سرقة النفط في دلتا النيجر، وكذلك سرقة عائدات الموارد في نيجيريا، حيث أدى هذا الوضع الخطير إلى أن شركة عالمية مثل "شل" قامت بإغلاق بعض خطوط الأنابيب بسبب السرقة المتفشية والضرر الذي يلحق بالبنية التحتية.

وبالتالي، فإن مثل هذه التحديات الأمنية تؤثر سلباً على الاستثمار في تلك المنطقة؛ حيث قامت بعض الشركات العالمية الأخرى بسحب أصولها وإفساح المجال للشركات المحلية، رغم أن تلك الشركات العالمية كانت هي الدعامة الأساسية في استكشاف وإنتاج الطاقة في الدول الأفريقية، ومن ثم فإن عمليات التنقيب في نيجيريا آخذة في التباطئ في ظل نزوح الشركات العالمية.

وفي مقابل ذلك النزوح، يؤكد الكاتبان أن ثمة اكتشافات جديدة للنفط والغاز في أفريقيا، وتحديداً جنوب الصحراء الكبرى، قادرة على جلب مجموعة أوسع من شركات النفط والغاز، خاصةً في مرحلة الاستكشاف؛ حيث توجد شركات صغيرة ومتوسطة الحجم إلى جانب الشركات الأفريقية الأصلية التي تلعب الدور الأكبر الآن، وسوف يكون لذلك انعكاساته في المستقبل على التعاون بين كلِ من الشركات والحكومة المضيفة ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية لضمان تنمية الموارد بشكل يفيد المواطنين في تلك الدول.

المصالح الأمريكية ومستقبل الطاقة في أفريقيا

يشير الكاتبان إلى أن تطور الطاقة في أفريقيا له آثار كبيرة على أمن الطاقة الأمريكية، وكذلك على العلاقات الدبلوماسية وفرص التنمية بين الولايات المتحدة والقارة السمراء، مما قد يفتح فرصاً جديدة للاشتباك بينهما. وعلى الرغم من تراجع واردات الولايات المتحدة من النفط الأفريقي بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أنه في ظل الاضطرابات الجيوسياسية التي يشهدها السوق العالمي، يبقى تنوع العرض أمراً هاماً لاستقرار أسعار النفط العالمية في المستقبل، وهو ما يُعطي أهمية كبرى لأسواق النفط الأفريقية.

وتتوقع الولايات المتحدة أن العالم سوف يستهلك (119) مليون برميل يومياً بحلول عام 2040، أي بزيادة قدرها نحو (28) مليون برميل يومياً عن الاستهلاك الحالي. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي من نحو (3.5) تريليون متر مكعب في عام 2013 إلى أكثر من (4) تريليون متر مكعب بحلول عام 2020. وبالتالي، فإن طبيعة النمو المتوقع في النفط العالمي والطلب على الغاز الطبيعي يشيران بوضوح إلى أنه سيكون ثمة ضرورة ملحة للطاقة في أفريقيا من أجل تلبية احتياجات السوق العالمي في المستقبل.

وعلى المدى الطويل، فإن الدول المنتجة للنفط والغاز في أفريقيا لديها القدرة على تحقيق تدفقات استثمارية كبيرة ومعدلات نمو عالية. ويعتبر التنوع الاقتصادي أمر هام من أجل فتح فرص كبيرة للتجارة والاستثمار مع واشنطن خارج قطاع الطاقة، وهو ما بات ضرورياً في سياسة الولايات المتحدة إزاء أفريقيا من أجل المحافظة على مصالحها، بل وزيادتها مستقبلاً. وبالتالي فإن على واشنطن أن تبذل كل الجهد من أجل ضمان مصالحها في قارة أفريقيا، وخلق بيئة مناسبة للاستثمار وتحقيق الشفافية وسيادة القانون والحد من الفساد. كما أن الإدارة الأمريكية ترغب في وجود معايير بين كل من الحكومات والمستثمرين من أجل تعزيز آليات تسوية المنازعات وإدارة منصفة للموارد الطبيعية.

التحديات التي تواجه مستقبل الطاقة في أفريقيا

يرى الكاتبان أن ثمة تحديًّات جمة تواجه كلُ من الدول والمستثمرين، وكذلك المواطنين، فيما يتعلق بمستقبل الطاقة في أفريقيا، حيث يشيران إلى أن الانتقال من الاستكشاف إلى الإنتاج، ومنه إلى تحقيق التنمية ليس أمراً مضموناً بشكل كبير. ومن ثم، فعلى الحكومات أن تبذل جهداً كبيراً من أجل توجيه الاستثمارات لصالح عمل بنية تحتية قوية.

ويُوجز الكاتبان أهم التحديّات التي تواجه مستقبل الطاقة في أفريقيا، كالتالي:

1- التحديَّات القانونية والتنظيمية: من أهم التحديَّات التي تواجه مستقبل الطاقة في القارة عدم وجود أُطر قانونية أو تنظيمية ملائمة تُوضح النظم المالية، وكذلك الخلافات حول ملكية الأراضي والموارد، وعدم وجود آليات لتسوية المنازعات. ولذلك، فإنه يتوجب على الحكومات الأفريقية أن تُنظم اللوائح والقوانين بشكل يخدم كلاً من المستثمرين والمواطنين، من أجل تقليل شكوك المستثمرين من المخاطر الأمنية والتجارية. كما يجب على المستثمرين الشراكة مع الحكومات بشكل عادل للطرفين.

2- المخاطر السياسية: فوجود شرعية سياسية ضعيفة في بعض الدول الأفريقية من شأنه أن يؤثر على فرص الاستثمار في موارد القارة الجديدة؛ فالصراع السياسي يترتب عليه انعدام الأمن، مما يؤدي إلى احتمالات انهيار تام للاقتصاد. وتواجه مدغشقر - على سبيل المثال - أزمة سياسية منذ خمس سنوات، وهو ما يزيد من عدم الاستقرار وعدم اليقين بخصوص المستقبل، ويؤدي إلى تراجع فرص الاستثمار بها.

3- المخاطر الأمنية: فظهور موارد جديدة يؤدي إلى وجود توترات اجتماعية وسياسية، وانتشار النشاط الإجرامي والميليشيات، حيث شاعت سرقة النفط وعمليات الخطف والاتجار بالسلاح في بعض المناطق مثل دلتا النيجر، وتلك المخاطر الأمنية تعتبر التحديّ الأكبر بالنسبة للقارة السمراء فيما يتعلق بمستقبل الطاقة فيها.

4- استبعاد المجتمعات المحلية من عوائد الطاقة: ثمة تحد كبير للحكومات والشركات لإشراك المجتمعات المحلية في إدارة الموارد المُكتشفة حديثاً وفق جدول زمني مُعلن، حيث إنه في ظل الإعلان عن اكتشافات جديدة يكون هناك توقعات قوية من قِبل السكان بتحسن فرص العمل، وتحسين الطرق والبنية التحتية، وارتفاع مستوى المعيشة. وبالتالي، فإن تلبية احتياجات المواطنين وتطلعاتهم يُعد تحدياً كبيراً لابد للحكومات أن تتعامل معه بجديّة، لأن ثمة معضلة متعلقة بمدى الاستفادة من الاكتشافات والإنتاج في تحقيق تنمية حقيقية وشاملة للمواطنين.

5- إهمال قطاعات اقتصادية أخرى: يشير الكاتبان إلى أن أكبر خطر يواجه الدول المنتجة للطاقة هو أن فرص التنمية التي تحققها طفرة النفط والغاز الطبيعي من الممكن أن يتم تبديدها، مما يزيد من فرص الفساد، فالطفرة في مجال الطاقة قد يرتبط بها حدوث انهيار في بعض القطاعات الاقتصادية الأخرى الحرجة، وهو ما أسماه الكاتبان "لعنة الموارد". ومثال على ذلك ما حدث في نيجيريا؛ حيث تمَّ التركيز على الطاقة وصناعات النفط المُربحة في مقابل الإهمال المُزمن في مجالات أخرى حيوية مثل قطاع الزراعة.

ختاماً، يشير الكاتبان إلى أن القارة السمراء يتعين عليها أن تستفيد من الفرص المتاحة، وأن تُطوِّر ممارساتها من أجل الوصول إلى نتائج أفضل، لأن ثمة تحديات هائلة تتعلق بإدارة الثروة بشكل جيد وتعظيم الاستفادة من عائدات الموارد المتوقعة خلال الفترة القادمة، كما أن وجود الاضطرابات السياسية أو تعاظم المخاطر الأمنية سوف يضر بالاستثمارات المستقبلية، وهو ما يمثل أيضاً تحدياً كبيراً لابد من مواجهته وتجاوزه.

* عرض مُوجز لتقرير نشر تحت عنوان: "منتجو الطاقة الجُدد في أفريقيا: تحقيق الاستفادة المُثلى من الفرص الناشئة"، والصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن في يناير 2015.

المصدر:

Jennifer G. cooke and David L. Goldwyn, Africa’s New Energy Producers: Making the most of emerging opportunities (Washington, Center for Strategic and International Studies "CSIS", January 2015).