علّق الرئيس الصومالي المنتهية ولايته، محمد عبدالله فرماجو، مهام رئيس وزرائه، محمد حسين روبلي، في 27 ديسمبر 2021، بسبب ضلوعه في فساد، وفق مزاعم الأول، فيما وجه الأخير اتهامات للرئيس الصومالي بتدبير محاولة انقلاب على الحكومة، كما اتهم روبلي الرئيس بتقويض العملية الانتخابية، بعدما أعلن الأخير سحب تكليف روبلي بتنظيم الانتخابات، في مؤشر على محاولة فرماجو عرقلة إجراء الانتخابات ضماناً لبقائه في السلطة.
أبعاد الأزمة الحالية
شهدت الأيام الأخيرة عدة تطورات مهمة، عكست في مجملها عودة الصراع بين الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء، تمثل أبرز هذه المتغيرات فيما يلي:
1- عرقلة فرماجو إجراء الانتخابات: بدأت ملامح الأزمة الأخيرة في مقديشو في إعلان الرئيس الصومالي المنتهية ولايته، عبدالله فرماجو، تعليق مهام رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، بدعوى تورط الأخير في شبهات فساد واختلاسه أرضاً تابعة للجيش الصومالي، فضلاً عن التقصير في أداء مهامه المتعلقة بتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ودعا فرماجو رؤساء الولايات الفيدرالية الخمسة إلى عقد مؤتمر تشاوري، لصياغة ترتيبات جديدة تتعلق بتنظيم الانتخابات وتصحيح مسارها، والاتفاق على قيادة جديدة تتولى مسؤولية تنظيمها.
ويلاحظ أن اتهامات فرماجو باطلة، خاصة في الجزئية المتعلقة بإجراء الانتخابات، فقد انتهت مدة فرماجو، في فبراير 2021، بيد أنه عمد إلى تعطيل عملية الانتخابات البرلمانية والرئاسية لضمان استمراره في الحكم، ولجأ في أبريل الماضي إلى تمديد فترة حكمه لعامين إضافيين، بيد أن الضغوطات الخارجية من قبل الشركاء الدوليين، فضلاً عن رفض المعارضة الصومالية هذه الخطوة، دفعت فرماجو للتراجع عن قراره، وتكليف روبلي بمهام الأمن في البلاد والتحضير للانتخابات.
2- رفض روبلي إجراءات فرماجو: جاء رد رئيس الوزراء الصومالي على اتهامات فرماجو صارماً، حيث أكد أن فرماجو يسعى لتعطيل اجراء الانتخابات للبقاء في السلطة، مشيراً إلى أن الخطوات التي اتخذها فرماجو تمثل محاولة انقلاب على الحكومة وانتهاك للدستور.
وأكد نائب وزير الإعلام الصومالي، عبدالرحمن يوسف العدالة، في 25 ديسمبر 2021، وجود مخطط تديره بعض الدوائر الرسمية، في إشارة إلى فرماجو، من أجل عرقلة جهود رئيس الوزراء لإجراء الانتخابات البرلمانية.
فقد انتهت انتخابات مجلس الشيوخ، الغرفة العليا للبرلمان الصومالي، غير أن انتخابات مجلس الشعب، الغرفة الدنيا، لا تزال تواجه تحديات كبيرة، إذ إنه على الرغم من انطلاقها مطلع نوفمبر الماضي، فإنها لم تفرز سوى انتخاب 24 عضو فقط من أصل 275 عضو يتكون منهم المجلس.
ووفقاً للدستور الصومالي، يتم انتخاب رئيس الصومال من قبل مجلسي الشعب والشيوخ، أي أنه في أعقاب الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب، سيتم اختيار رئيس البلاد الجديد، ولذلك، فإن الإطاحة برئيس الوزراء المكلف بإدارة الانتخابات البرلمانية يعني تعطيل انتخاب رئيس جديد للبلاد، وهو ما يصب في صالح فرماجو.
3- دعم المعارضة لروبلي: دعم اتحاد المرشحين للانتخابات الرئاسية، التي تمثل قوى المعارضة الرئيسة في الصومال، بجهود روبلي، خاصةً فيما يتعلق بتصحيح مسار الانتخابات، كما دعا اتحاد مرشحي الرئاسة، في 28 ديسمبر 2021، إلى ضرورة إجراء تحقيق عاجل ضد الانقلاب الذي قاده فرماجو وكل من ساعده في هذه الخطوة، ووجهوا اتهامات لفرماجو بعرقلة الانتخابات.
وتجدر الإشارة إلى أن المعارضة اتهمت فرماجو بالتورط في عمليات تزوير طالت بعض المقاعد الـ 24 التي تم انتخابها، وعقد رئيس الوزراء اجتماعاً مع قوى المعارضة الأسبوع الماضي، وتوصل خلالها لتوافقات لضمان نزاهة العملية الانتخابية، وهو ما لاقى دعماً من المعارضة.
4- تحذيرات أمريكية وأوروبية لفرماجو: حذر مكتب وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، في 27 ديسمبر 2021، من أن واشنطن سوف تتحرك ضد أولئك الذين يعرقلون مسار الانتقال السلمي في الصومال، في إشارة للرئيس الصومالي، كما أشار المكتب إلى أن مساعي تعليق مهام رئيس الوزراء مقلقة، ملمحاً إلى دعم الولايات المتحدة لجهود روبلي في تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، وحثت الخارجية الامريكية الأطراف الصومالية كافة على ضرورة الكف عن أي إجراءات أو تصريحات تصعيدية.
وأصدر الشركاء الدوليون للصومال بيانات منفصلة، في 27 ديسمبر 2021، بما في ذلك بعثة الاتحاد الافريقي في الصومال والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة ومنظمة الإيجاد، وجهوا خلالها دعوات للأطراف الصومالية بضرورة تغليب مصلحة البلاد.
دوافع التصعيد الراهن
يمكن تفسير أسباب التصعيد الراهن بالرجوع إلى العوامل التالية:
1- إقالة الموالين لفرماجو من اللجان الانتخابية: توصل الاجتماع الأخير الذي عقده روبلي مع اتحاد مرشحي الرئاسة، ورؤساء الولايات الصومالية الخمسة، في 18 ديسمبر 2021، إلى إقالة 7 أعضاء من لجنة فض النزاعات المتعلقة بالانتخابات، بسبب عدم التزامها الحيادية، وذلك قبل أيام من تصويت أعضاء مفوضية الانتخابات الفدرالية العامة، في 25 ديسمبر 2021، على قرار إقالة رئيس المفوضية، محمد حسن عرو، من منصبه، بسبب اتهامات تتعلق بانتهاك اللوائح الداخلية للمفوضية، وهي القرارات التي اعترض عليها الرئيس الصومالي، حيث اعتبرها تستهدف استبعاد العناصر الموالية له من عملية الإشراف على الانتخابات.
2- مخاوف فرماجو من الإطاحة به: عكست التطورات التي شهدتها الصومال خلال الفترة الأخيرة مؤشرات مهمة بشأن احتمالية تسوية العراقيل التي تعطل عملية الانتخابات، والتي انعكست بوضوح في الاجتماع الأخير لرئيس الوزراء بقوى المعارضة ورؤساء الولايات الفيدرالية، والتي أفرزت توافقات جديدة تتعلق بضمان نزاهة الانتخابات، فضلاً عن الضغوطات الدولية المتصاعدة بشأن ضرورة إجراء الانتخابات لتجنب انجراف البلاد نحو حرب أهلية جديدة، وبالتالي بات فرماجو يخشى من إنجاز الانتخابات، الأمر الذي سيضعف من احتمالات إعادة انتخابه مرة أخرى.
3- إضعاف قبضة الرئيس على الجيش: أجرى رئيس الوزراء، محمد حسين روبلي، تعديلاً وزارياً مطلع الأسبوع الجاري، تضمن نقل وزير العدل، عبدالقادر محمد نور، إلى تولي مهام وزارة الدفاع، فيما تم اسناد وزارة العدل إلى حسن حسين حاج، والذي كان يشغل حقيبة الدفاع، في تطور ربما يعزز من سلطة روبلي على الجيش الصومالي، مقابل تراجع هيمنة فرماجو، والذي يعول على وحدات من الجيش في إطار مساعيه للاستمرار في السلطة.
4- دعم تركي لفرماجو: عكست التوترات التي شهدتها الصومال في مايو 2021، بعد قرار فرماجو بتمديد فترة ولايته لعامين إضافيين، أن ثمة انقسامات حادة داخل المؤسسات الأمنية بمقديشو، وهو ما أضعف من موقف الرئيس الصومالي المنتهية ولايته في هذا الوقت، ودفعه للتراجع وتبني سياسة المهادنة خلال الأشهر الماضية لتفادي أي تصعيد غير محسوب.
وشهدت الأشهر الأخيرة بعض التغيرات التي طرأت على المشهد الأمني، تمثلت في تعزيز الدعم التركي لنظام فرماجو، كان آخرها صفقة طائرات الاستطلاع المسير، وتدريب ضباط صوماليين في تركيا، والتي ربما تهدف إلى تعزيز من قوة القوات الموالية لفرماجو في مواجهة خصومه، خاصةً في ظل قلق أنقرة من سقوط نظام فرماجو، حليف أنقرة في الصومال.
انعكاسات مهمة
تحمل التطورات الراهنة في الصومال مؤشرات خطيرة بشأن الانعكاسات التي يمكن أن تفرزها هذه المتغيرات، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- مواصلة الضغوط الدولية: يرجح أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الضغوط الدولية للحيلولة من دون تفاقم الوضع والانزلاق إلى حرب أهلية، كما وضح في التصريحات المتتالية من قبل الشركاء الدوليين، فضلاً عن الاتصالات التي أجرتها مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، مولي في، برئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، دعماً له.
2- بقاء احتمالات التصعيد قائمة: هناك مخاوف من تحول الأزمة الراهنة إلى أعمال عنف واسعة، وحرب أهلية، خاصةً في ظل الدعم الدولي لجهود لروبلي لإجراء الانتخابات، فضلاً عن قرارات الأخير المتعلقة بعمل اللجان الانتخابية والتي ستعزز شفافيتها، ومن ثم ربما لن يجد فرماجو أمامه سوى مسار التصعيد لتفادي ترك رئاسة الصومال.
ويعزز من هذا الطرح الانتشار العسكري الذي شهدت شوارع العاصمة الصومالية مقديشو خلال الأيام الأخيرة، حيث حشد كل من الرئيس ورئيس الوزراء القوات المسلحة الموالية له في شوارع الصومال، في مؤشر على استعداد كل منهما للجوء للخيار العسكري لتسوية الأزمة الراهنة.
3- تصاعد نفوذ الشباب وأهل السنة: سوف تستغل حركة الشباب الإرهابية التوترات السياسية الراهنة لتوسيع نطاق سيطرتها الميدانية، فضلاً عن تنامي نشاط ميليشيات حركة أهل السنة والجماعة، والتي يبدو أنها بدأت تنشط مؤخراً للتأثير على الانتخابات البرلمانية وضمان وجود ممثلين لهم في هذه الانتخابات.
وفي الختام، تنذر الأزمة الأخيرة في الصومال بتداعيات خطيرة على الاستقرار الداخلي، من خلال تكريس حالة الانقسام في المؤسسات السياسية والأمنية، والتي يبدو أن فرماجو يسعى لتعزيزها لعرقلة إجراء العملية الانتخابية. وعلى الرغم من مساعي الشركاء الدوليين لتجنب مسار التصعيد، فإن احتمالية الدفع نحو هذا المسار لا تزال قائمة.