أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

استبعاد الأحزاب:

دلالات إعلان الرئيس التونسي عن خريطة الطريق

25 أكتوبر، 2021


أعلن الرئيس التونسي قيس في 22 أكتوبر عن خريطة الطريق التي سيتم بموجبها تغيير النظام الدستوري والانتخابي في البلاد، فضلاً عن إدخال تغييرات في القيادات الأمنية في وزارة الداخلية.  

مواصلة سعيد إجراءاته:

جاءت عملية التغيير الأخيرة في بعض القيادات الأمنية داخل تونس، في سياق عدد من التطورات السياسية المهمة، ومن أبرزها ما يلي:

1- طرح مبادرة للحوار الوطني: طرح الرئيس قيس سعيد مبادرة لإجراء حوار وطني يتضمن تعديل النظام السياسي وقانون الانتخابات في 22 أكتوبر 2021. ويعتمد الحوار الوطني هذه المرة على الشباب، وذلك بخلاف الحوارات السابقة التي تمت في 2013 و2016 و2017، والتي اعتمدت على الأحزاب السياسية والمنظمات.

وحدد قيس سعيد شروطاً للمشاركة في هذا الحوار من أهمها استبعاد المتورطين في قضايا الفساد ونهب أموال الشعب، أو الفئات التي تستقوي بالدول الأجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، في إشارة إلى حزب النهضة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين. كما أوضح سعيد أن الحوار سيكون عبر تطبيقات رقمية للتواصل بشكل مباشر مع التونسيين، إلى جانب عقد اجتماعات مباشرة مع المواطنين في كل معتمديات البلاد لبلورة مطالب التونسيين بشكل مباشر.

2- تغييرات واسعة في وزارة الداخلية: أجرت وزارة الداخلية التونسية بعض التغييرات في القيادات الأمنية داخل عدد من القطاعات الأمنية المهمة، وذلك بموجب القرارات الصادرة عن الوزارة في 23 أكتوبر 2021، وشملت القرارات عزل المدير العام السابق للحدود والأجانب لطفي الصغير، وتنصيب عماد الزغلامي خلفاً له بعد شكاوى عديدة بملف استخراج جوازات السفر للشباب التونسي المغرر بهم للسفر لبؤر الصراعات.

كما تم تعيين كل من عصام جويني، مديراً لإدارة الشرطة العدلية، ومحمد دربال، مديراً للمدرسة العليا لقوات الأمن الداخلي، وأحلام الميموني، مديراً عاماً للمصالح المشتركة، ونجاة الجوادي، مديراً للإدارة العامة للتكوين، وروضة بيوض، مديراً لإدارة الأمن السياحي.

3- تطهير وزارة التعليم: اتخذت النيابة العامة بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي (محاكم مختصة) قرارات مهمة خلال الفترة الأخيرة، قضت بتوقيف المدير المحلي للتربية بمحافظة سيدي بوزيد، إلى جانب 4 موظفين محسوبين على الإخوان المسلمين، بسبب تورطهم في القيام بأعمال تزوير وتدليس وثائق إدارية لمصلحة بعض المعلمين، وإصدار قرارات بمنع العديد من الأشخاص من السفر خارج البلاد لحين الانتهاء من التحقيقات الخاصة بقضايا الفساد المنظورة أمام القضاء التونسي.

4- رفض التدخلات الأجنبية: شهدت الفترة الماضية مطالب من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي ودول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، المطالبة جميعها بإعادة البلد إلى المسار الديمقراطي وإنهاء حالة الطوارئ، وكان آخرها إصدار البرلمان الأوروبي، قراراً في 21 أكتوبر أعرب فيه عن قلقه العميق إزاء التركيز المفرط للسلطات في يد الرئيس، مطالباً بضرورة الحفاظ على الدستور والإطار التشريعي، واستعادة الاستقرار المؤسسي في أقرب وقت.

وفي مواجهة هذه الضغوط، شنّ الرئيس سعيد حملة انتقادات لهذه الدول متهماً إياها بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وطالب الرئيس التونسي الدول الأوروبية بإعادة الأموال المنهوبة أولاً لمساعدة تونس قبل تقديم الحلول لحل الأزمة السياسية في البلاد.

5- استيعاب ضغوط الصندوق: كشف جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، عن وجود تواصل دائم مع السلطات التونسية لتوفير المساعدة الفنية والمشورة الاقتصادية، قائلاً إن الصندوق يراقب الوضع في البلاد للحصول على مزيد من المعلومات حول خطة الإصلاحات والسياسات التي ستنتهجها الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن، وهو ما قد يشير إلى أن الدعم المالي لتونس قد يكون مقروناً بمدى تقدم تونس على طريق وضع خريطة طريق للخروج من الأزمة السياسية الحالية، أي أن دعم صندوق النقد لتونس قد يكون أداة سياسية من جانب الولايات المتحدة للضغط على الرئيس التونسي.

وفي مواجهة هذه التطورات، أشارت بعض الأخبار إلى إمكانية توظيفها زيارتها إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في قمة الشرق الأوسط الأخضر من أجل بحث حصول تونس على دعم اقتصادي من السعودية. وما قد يضفي مصداقية على ذلك، إعلان تونس إجراء محادثات مع الإمارات والسعودية من أجل إيجاد تمويلات إضافية لموازنتها المالية، وفق ما أعلنه المدير العام للتمويل والدفوعات الخارجية في البنك المركزي التونسي عبدالكريم لسود في 18 أكتوبر الماضي. ويكشف هذا التطور عن حرص تونس على التخلص من الضغوط الغربية عليها. 

فهم خطوات الرئيس:

تكشف التحركات الأخيرة للرئيس التونسي عن عدد من الدلالات السياسية والأمنية المهمة، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1- مواصلة سعيد نهجه رغم الاعتراضات: تكشف خطوات الرئيس سعيد عن مضيه قدماً في طريق تنفيذ رؤيته لخريطة الطريق، على الرغم من الضغوط الدولية، والمعارضة من جانب بعض الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني. وفي حين أن معارضة حزب النهضة أمر متوقع، على أساس أنه أكبر متضرر من هذه الإجراءات، فإن الاتحاد العام التونسي للشغل قد طالب بدور للأحزاب في العملية الديمقراطية، رافضاً استبعادهم.

2- تطهير مؤسسات الدولة: يدرك الرئيس التونسي قيس سعيد أن عناصر الإخوان المسلمين نجحت في اختراق بعض مؤسسات الدولة التونسية، لاسيما الأمنية، وذلك من خلال تعيين الموالين لهم، حتى وإن لم يتمتعوا بمعايير الكفاءة. وأكدت التصريحات الأخيرة للرئيس سعيد أن العديد من المصالح الحكومية والوزارات تحولت إلى بؤر للتجسس، وهو ما يتطلب تطهير الإدارات والوزارات. 

ولذلك يمكن النظر إلى قرار تعيين عماد الزغلامي، رئيساً لإدارة الحدود والأجانب، في محاولة لتطهير المؤسسات الأمنية من عناصر الإخوان المسلمين، خاصة أن هذا القرار لاقى تأييداً كبيراً من قبل "نقابة الأمن الجمهوري التونسي" التي أشارت إلى أن اختيار الزغلامي، المعروف عنه بالنزاهة والوطنية، سوف يصب في مصلحة الأمن القومي للبلاد. 

ويلاحظ أن توفيق شرف الدين قد عُيّن وزيراً للداخلية ضمن حكومة بودن الجديدة، ومن ثم، فإن التغييرات اللاحقة في مديري ورؤساء بعض الإدارات والقطاعات الأمنية في وزارة الداخلية تأتي في إطار تعزيز قوة ووضعية سعيد بما يمكنه من الإمساك بملفات الأمن، وهو ما يسهم في تعزيز فاعلية وكفاءة هذه المؤسسات في مواجهة التحديات الأمنية.

3- مواجهة المخاطر الأمنية المتزايدة: تأتي التغييرات الأمنية الأخيرة في إطار حرص الرئيس سعيد على استيعاب أي تحركات مستقبلية من جانب التنظيمات الإرهابية، خاصة بعد تلويح حركة النهضة باللجوء إلى العنف، ووقوع عمليات إرهابية في تونس من قبل تنظيم القاعدة، فضلاً عن انتشار الجماعات الإرهابية المنتسبة للقاعدة وداعش في ليبيا المجاورة استغلالاً لعدم الاستقرار الأمني. 

وفي الختام، تكشف القرارات الخاصة بتغيير بعض القيادات الأمنية إلى إصرار الرئيس التونسي على تطبيق الإجراءات الاستثنائية التي تمكنه من المضي قدماً في تنفيذ رؤيته لخريطة الطريق، من دون الاستعانة بالقوى السياسية، فضلاً عن إحكام السيطرة على الأجهزة الأمنية، ومن المرجح أن تشهد الفترة القادمة استمرار حملات تطهير مؤسسات الدولة والمصالح الحكومية من الفاسدين والمرتبطين بحركة النهضة، وقد يتمثل ذلك في إصدار قرارات بتسريح الموظفين الذين يثبت تورطهم في الحصول على وظائفهم بناءً على ولاءاتهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية، وليس اعتبارات الكفاءة.