نشرت وسائل إعلام أفغانية، الأربعاء 1 سبتمبر، صوراً لعدد من الدبابات والعربات العسكرية الأمريكية من النوع "هامفي" والتابعة للحكومة الأفغانية، تنقلها شاحنة من الجيش الإيراني من أفغانستان إلى إيران، وجاء هذا بالتزامن مع نشر قناة أفغانية أخرى على تليجرام، صوراً لمدرعات أمريكية الصنع في إيران، وكانت بحوزة الحكومة الأفغانية المنحلة.
ولم يتم الكشف عن تفاصيل أخرى حول نوع وكمية المركبات والمعدات التي تم نقلها إلى إيران، ولم يعلق مسؤولون إيرانيون على هذه التقارير بعد. وتقدر القيمة الإجمالية للمعدات العسكرية الأمريكية في أفغانستان على مدار عقدين بنحو 24 مليار دولار، في حين أن القيمة الفعلية للمعدات في أيدي طالبان ربما تكون أقل بكثير من هذا المبلغ.
دلالات الواقعة:
ليس من الواضح ما إذا كانت إيران قد استولت على المدرعات الأمريكية من طالبان بشكل مباشر، أو من خلال الميليشيات الشيعية الموالية لها في الداخل الأفغاني. وحتى في حال تمكنت إيران من الاستيلاء على هذه الأسلحة من طالبان، وهو الأمر المرجح بشدة، فإنه يمكن إجمال دلالات ذلك في النقاط التالية:
1- مصالح برجماتية مشتركة: أقامت طهران قنوات اتصال مع حركة طالبان منذ أواخر عام 2015، وأوائل عام 2016، حيث مثّل ظهور "داعش – خرسان" تهديداً أمنياً لإيران سعت لمواجهته عبر التحالف مع الحركة ضد هذا التهديد الناشئ حينها. وقد أقر المتحدث باسم طالبان بهذه العلاقة في يوليو 2016، حين أكد أن طالبان "أقامت علاقات جديدة مع طهران".
واعترفت إيران علناً بعلاقاتها بطالبان في أواخر عام 2018، حين أجرت أول محادثات علنية معها، ولكن طهران أكدت حينها أن الحكومة الأفغانية كانت على إطلاع بهذه المباحثات، وأن الهدف من هذه اللقاءات هو علاج مشاكل أمنية، دون توضيح طبيعتها.
ومن جهة ثانية، قدمت طهران الدعم العسكري لحركة طالبان في قتالهم ضد الحكومة الأفغانية المدعومة من الجيش الأمريكي، حيث أمدتهم بأسلحة خفيفة وصواريخ مضادة للدروع، كما قامت بتدريب عناصر طالبان على الأراضي الإيرانية.
وخلال العام الجاري، التقى وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، بوفد من الحركة في يناير 2021، كما استضافت طهران مسؤولين من طالبان والحكومة الأفغانية في 7 يوليو.
ويبدو أن الحكومة الإيرانية كانت تسعى لفتح قنوات اتصال مع كافة الأطراف في أفغانستان، انتظاراً لما تسفر عنه تطورات المعارك. ومع سيطرة طالبان الكاملة على أفغانستان، سعت طهران للاستفادة من هذا التطور، عبر الحصول على مدرعات أمريكية من طالبان، وذلك في مقابل تحقيق مكاسب للأخيرة، والتي قد تتمثل في موافقة إيران، على طلب الحركة، باستئناف تصدير البنزين وزيت الغاز إلى أفغانستان.
2- استثمار إعلامي إيراني: يبدو أن إيران تعمدت تسريب هذه الصور والمشاهد عن نقل المعدات الأمريكية من أفغانستان إليها، وهو ما وضح في ظهور هذه المدرعات بشكل علني في شوارع طهران، فقد كان يمكن لإيران إخفاء عمليات نقل هذه الأسلحة، مثلما يحدث عند نقل المعدات العسكرية إلى "حزب الله" اللبناني، أو تصدير الأسلحة لجماعة "الحوثيين" باليمن، إلا أن التعمد يُشير إلى إصرار طهران على توظيفها إعلامياً، وذلك لتحقيق عدد من الأهداف الدعائية، والتي تتمثل في التالي:
أ- تأكيد نفوذ طهران: تهدف طهران لإيصال رسالة لواشنطن وللدول الإقليمية المعنية، بأنها قد بات لها نفوذ داخل أفغانستان، وأنها تجاوزت العلاقات المتوترة السابقة التي جمعتها بطالبان، خاصة بعدما أقدمت الأخيرة على إعدام دبلوماسيين إيرانيين في عام 1998، في مدينة مزار شريف.
ب- إحراج الإدارة الأمريكية: تسعى طهران لإحراج واشنطن، ومحاولة استغلال الضغوط التي تمارس على الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بسبب سوء إدارته لمشهد الانسحاب من أفغانستان، وذلك عبر تصوير أن إيران تمكنت من الاستيلاء على المعدات الأمريكية التي تركتها واشنطن خلفها.
وقد بدأ الجمهوريون فعلاً استغلال ذلك ضد بايدن، وهو ما وضح من مبالغتهم في تقدير حجم وقيمة الأسلحة التي تركتها واشنطن خلفها، فقد كتب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في بيان 31 أغسطس الماضي، أنه "إذا لم تعد طالبان المعدات العسكرية الأمريكية والتي تقدر بـ85 مليار دولار، فعلينا إما الذهاب إلى هناك بقوة حاسمة واستعادة المعدات، أو على الأقل تدميرها بقنبلة. لم يتخيل أحد مثل هذا الغباء".
تداعيات محدودة:
على الرغم مما يبدو من تحقيق طهران مكاسب من انسحاب واشنطن من أفغانستان، فإن مراجعة التطورات الأخيرة، واستيلاء إيران على أسلحة أمريكية يكشف عن عدد من الحقائق، والتي يمكن إجمالها في التالي:
1- تراجع قيمة الأسلحة: أكد الجنرال كينيث ماكنزي، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، في أواخر أغسطس، أنه قبل مغادرة مطار كابل، قام الجيش بـ "نزع سلاح" 70 مركبة "إم آر إيه بي" و27 عربة هامفي و73 طائرة. وأكد أن تلك الطائرات لن تطير مرة أخرى، وأنه "لن يتمكن أي شخص من تشغيلها"، أو الطيران بها.
وفي الأيام الأخيرة من الانسحاب، وازنت الولايات المتحدة بين تحميل أو تدمير المعدات، وتم أخذ بعض المعدات في رحلات جوية، أو نزع سلاحها في المطار، أو تدميرها في انفجارات خاضعة للرقابة". أما القطع منزوعة السلاح التي تُركت في المطار كانت إما "كبيرة جداً"، أو قديمة.
كما تم نقل عدد من طائرات النقل الخفيفة من طراز سيسنا 208 إلى طاجيكستان وعدد آخر إلى أوزبكستان، وذلك من قاعدة كابول، وذلك قبل سقوطها في يد طالبان.
وحتى في حالة الأسلحة الأخرى، التي كانت موجودة في القواعد الأفغانية، فقد وجدت طريقها إلى دول الجوار. فقد أفادت تقارير أن إجمالي 62 مروحية وطائرة تابعة للقوات الجوية الأفغانية تم نقلها من قاعدتي مزار الشريف وكابل إلى طاجيكستان وأوزبكستان في أغسطس، إلى جانب 685 ضابطاً بالجيش الأفغاني الذين حصلوا على حق اللجوء في البلدين.
2- تأسيس طالبان لدولة: تسعى طالبان لتأسيس دولة جديدة في أفغانستان تحت حكومتها، بما يعنيه ذلك من تأسيس علاقات برجماتية مع جميع الدول، فضلاً عن إعادة بناء قواتها الأمنية والعسكرية، وتقديم الخدمات للشعب الأفغاني، وهو ما يعني أن طالبان سوف تحتاج إلى التصرف بمنطق الدولة، وتطوير قواتها المسلحة، وهو ما يمثل قيداً أمام اندفاع طالبان للتخلي عما تمتلكه من معدات عسكرية ذات قيمة لصالح إيران.
ومن جهة أخرى، تدرك طالبان جيداً أن محاولة استعداء واشنطن سوف يكبدها خسائر، سواء فيما يتعلق بإحجام العديد من الدول على الاعتراف بالحكومة التي ستشكلها الحركة، أو تجميد الاحتياطي النقدي الأفغاني الموجود في البنوك الأمريكية. كما أن أفغانستان لاتزال معتمدة على المعونات والدعم الخارجي، وهو ما يضيف أوراق ضغط إضافية لواشنطن على الحركة.
3- استمرار المخاوف الإيرانية: على الرغم من حرص طهران على التأكيد أنها تستطيع أن تنسج تحالفات مع طالبان، فإن الواقع يكشف خلاف ذلك، إذ لا تزال دوائر عدة داخل إيران تخشى من تصرفات طالبان، ولاتزال تجري تقييماً لتوجهاتها.
ففي 10 يوليو، أكدت صحيفة كيهان الإيرانية في افتتاحيتها أن إيران لن تقبل بأي تهديد لحدودها، في إشارة إلى تهديدات نابعة من طالبان. كما أن بعض العناصر المنتمين لميليشيات "فاطميون"، وهي ميليشيا شكلتها إيران من الشيعة الأفغان، قد عبروا عن استعدادهم لقتال طالبان، قبل أن يتراجعوا عن هذه التصريحات وينفوها، وهو ما يؤشر على أن طهران لاتزال في مرحلة تقييم علاقاتها بطالبان.
وفي الختام، يمكن القول إن طهران سوف تستمر في تعزيز علاقاتها بطالبان، وهو ما يتضح في عدم إغلاقها لسفارتها في كابول وقنصليتها في مدينة هرات الأفغانية، بعد سيطرة طالبان على كامل أفغانستان، وذلك على الرغم من وجود هواجس من سياسات طالبان المستقبلية.
ومن جهة أخرى، سوف تسعى إيران لتقديم الحوافز المادية لطالبان، خاصة أنها قد تعمل على مد أفغانستان باحتياجاتها من النفط والغاز، حتى لو تعرضت كابول لعقوبات أمريكية، وفق أسوأ سيناريو، خاصة أن إيران لاتزال مثقلة بالعقوبات الأمريكية هي الأخرى.
وفي المقابل، فإن مكاسب إيران العسكرية من أفغانستان لن تكون كبيرة، كما أنها لم تكن الأولى، فقد سبق، وأن استخدمت الميليشيات الموالية لإيران في العراق الأسلحة والمدرعات الأمريكية في حربها ضد داعش الإرهابي في عام 2014.