تقدم مشروعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي، بمشاريع قوانين تهدف إلى كبح جماح عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية، تتضمن تقسيم كل شركة عملاقة إلى شركتين منفصلتين، أو إجبار تلك الشركات على التخلص من بعض خدماتها ومنتجاتها التي تحمل علامتها التجارية. وتأتي هذه الخطوة بعد أن أصبحت المنافسة شبه مغلقة على الجميع سوى كبار الشركات، بما يعرقل الابتكار في السوق الأميركية.
احتكار المنصات
وقُدمت مشاريع القوانين تحت عنوان "إنهاء احتكار المنصات"، التي من الواضح أنها تستهدف شركات "أمازون" و"ألفابت" و"فيسبوك" و"أبل"، بعد أن اجتذب حجم تلك الشركات ونفوذها تدقيقاً متزايداً في أميركا وأوروبا.
وإذا تحولت مشاريع القوانين هذه إلى قوانين، سيتم تجريم امتلاك منصة على الإنترنت، وفي الوقت نفسه، امتلاك شركة تستخدم المنصة في بيع منتجات أو خدمات، أو ممارسة أنشطة تجارية أخرى، بهدف تمييز المنصة عن المنافسين الآخرين. وتتضمن مشاريع القوانين أيضاً منع الاندماج بين شركة كبرى وأخرى أصغر منافسة لها.
وهذا يعني أنه لا يمكن لمحرك بحث أن يمتلك خدمة فيديو وتفضيلها في نتائج البحث، في إشارة مستترة إلى موقع "يوتيوب" الخاص بـ"غوغل"، وستتأثر كذلك الكيفية التي تدير بها "أمازون" أعمال البيع بالتجزئة، وطريقة تشغيل "أبل" لمتجر التطبيقات الخاص بها.
وتدير "أمازون" واحدة من أكبر المنصات في العالم للبائعين الخارجيين للترويج لسلعهم، إلا أنها تتنافس معهم من خلال بيع منتجات مماثلة ضمن مجموعة متنوعة من العلامات التجارية الخاصة بها. وغالباً ما تكون أسعارها أقل من المنتجات الخارجية. ويضم قسم العلامات الخاصة في "أمازون" عشرات العلامات التجارية يبلغ عددها 158 ألف منتج.
وضع فريد
وقال النائب الديمقراطي ديفيد سيسيلين، في اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار في مجلس النواب، "تمتلك شركات التكنولوجيا الكبرى غير المنظمة سلطة كبيرة على اقتصادنا. وهي في وضع يسمح لها باختيار الفائزين والخاسرين، وتدمير الشركات الصغيرة، وإخراج الشركات من العمل، وجدول أعمالنا سيعمل على تكافؤ الفرص".
وقال النائب الجمهوري كين باك، في اللجنة نفسها، إنه يدعم مشروع القانون لأنه "يكسر قوة احتكار شركات التقنية الكبيرة التي تتحكم في ما يراه الأميركيون ويقولونه عبر الإنترنت، ويعزز سوقاً عبر الإنترنت يشجع الابتكار".
ورحبت شركات تقنية أصغر بمشروعات القوانين، ووصفتها بأنها خطوة حاسمة نحو كبح السلوك المفترس والمضاد للمنافسة الذي تنتهجه بعض من أقوى الشركات في أميركا. وستحتاج مشاريع القوانين إلى 60 صوتاً للموافقة عليه في مجلسي الشيوخ والنواب، وهو احتمال يواجه عقبات كبيرة. ومرر الكونغرس الأميركي سابقاً قانون جلاس ستيجال، الذي فصل بين الأعمال المصرفية التجارية والاستثمارية، ومنع قانون هيبورن خطوط السكك الحديدية من الأعمال الإضافية مثل تعدين الفحم.
تعاون نادر
وقال الدكتور إيهاب خليفة، رئيس وحدة التطورات التكنولوجية، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إن "مشاريع القوانين تستهدف الشركات التي يصل رأسمالها إلى 600 مليار دولار أو أكثر، ويجب أن يكون لديها أكثر من 50 مليون مستخدم نشط شهرياً، أو 100 ألف عميل نشط شهرياً، وأن تكون شركة مهمة لديها القدرة على تقييد أو عرقلة وصول شركة أخرى إلى العملاء أو الخدمات. ولا تنطبق هذه الشروط حالياً في السوق الأميركية إلا على فيسبوك وأبل وأمازون وغوغل".
وأضاف أن "هذا التعاون بين أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي أمر نادر، وجاء بعد الوصول إلى نتيجة مفادها أنه أصبح من الضروري تحجيم نفوذ شركات لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، إلا أنها تتحكم في حياة الأفراد اليومية، مثل غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون، وقد فرضت هذه الشركات سيطرة كاملة على الأسواق خلال أعوام قليلة جداً".
أي علاقة بين العملات المشفرة والقرصنة والجريمة المنظمة؟
هل الاقتصاد العالمي مستعد لمواجهة ما بعد "صدمة كورونا"؟
التعلم الإلكتروني والوظائف مؤقتة... واقع تلامذة أميركيين خلال الجائحة
وقال خليفة، "هذا التعاون دليل على أن هذه الشركات تمتلك من القوة قدراً مبالغاً فيه، يجعلها قادرة على سحق المنافسين، وتقييد حرية السوق، والتحكم في خيارات المستهلكين، وفرض هيمنة رقمية كاملة على الاقتصاد".
وأضاف أنه "إذا مُررت هذه الحزمة الإصلاحية المكونة من 5 قوانين، فإن ذلك سيمنع تزايد قوة هذه الشركات التي أصبحت قادرة على شراء الشركات الناشئة، والتخلص من المنافسين وصغار المستثمرين، والتحكم في الأسعار، وفرض مزيد من السيطرة على الأسواق، بما يضمن في النهاية حرية المنافسة ويشجع على دخول لاعبين جدد في سوق التكنولوجيا".
وتابع أن شركة "ألفابيت" تحتكر، من خلال شركة "غوغل"، عملية البحث على الإنترنت سواء عن معلومة أو صورة أو فيديو أو مكان، وتعتبر المحتكر الأكبر لنشر الفيديوهات على الإنترنت من خلال موقعها الأشهر "يوتيوب". وأصبحت تقدم أكثر من 200 خدمة ومنتج لعملائها، إضافة إلى محركات البحث. ومن خلال هذه الخدمات أصبحت تتحكم في سوق الإعلانات على الإنترنت، حتى أن "فيسبوك" على الرغم من قاعدة مستخدميه يقاتل لدخول سوق الفيديو والإعلانات.
وأشار إلى أن شركتي "أبل" و"فيسبوك" دخلتا في صراع لفرض مزيد من السيطرة على سوق الإعلانات الذي تحتكره "ألفابت"، بعد أن منحت "أبل" مستخدمي أجهزتها صلاحية التحكم في إعطاء الإذن للتطبيقات التي تجمع المعلومات وترسلها إلى شركات تحليل البيانات، التابعة أيضاً إلى "غوغل" و"فيسبوك"، لعرض الإعلانات التي تتوافق مع اهتمامات المستخدمين.
صعوبات
وبينما لا تزال "غوغل" تحتكر سوق الهواتف التي تعمل بنظام "أندرويد"، حققت شركة "أمازون" أرباحاً ضخمة بعد انتشار فيروس كورونا من التسوق الإلكتروني، وأصبحت الشركة الأكثر ربحاً في عام 2020. وكانت "أمازون" تحتكر نحواً من 49 في المئة من إجمالي تجارة التجزئة في الولايات المتحدة الأميركية عام 2019، وتعتبر من أكبر الشركات العاملة في قطاع التجزئة على الإنترنت.
وقال خليفة إن رأس مال "ألفابت" وصل إلى 1.185 تريليون دولار أميركي في 2020، في الوقت نفسه، وصلت القيمة السوقية لشركة "أمازون" 1.49 تريليون دولار عام 2020، فيما أصبحت "أبل" الشركة الأولى التي تساوي قيمتها أكثر من تريليوني دولار.
ولفت إلى أنه يتضح من سياق الأحداث أن حد الاحتكار بين هذه الشركات وصل إلى أن أصبحت تتنافس لفرض مزيد من الهيمنة الرقمية على الأسواق، وبدأت تتصارع كصراع الفيلة الذي يدهس تحته كل الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة التي تسعى لإيجاد موقع قدم لها في سوق التكنولوجيا العالمية.
واعتبر أن "هناك صعوبات قد تحول دون التطبيق الفعلي لهذه الحزمة من القوانين بشكلها الحالي الذي قُدم، وقد تحتاج إلى بعض التعديلات، فمثلاً حينما أصدر القاضي توماس بانفيلر جاكسون حكماً بتقسيم شركة مايكروسوفت في بداية هذه الألفية، وكانت الشركة الأكبر في البرمجيات والإنترنت في العالم ومحتكراً حقيقياً لسوق الكمبيوتر والإنترنت، فإن محكمة الاستئناف ألغت هذا القرار، الذي آثار ردود فعل متباينة داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، وهو ما يجعل هذه الحزمة من القوانين الجديدة محل مراجعة ونقاش قبل إصدارها لضمان عدم إرباك أكبر أسواق التكنولوجيا في العالم".
وختم خليفة قائلاً إنه من الصعب أن تسمح هذه الشركات العملاقة بتفكيك إمبراطوريتها العملاقة، وستبحث بالتأكيد عن حلول وسط مع المشرعين، من خلال قواعد تضمن التزامها بحرية المنافسة، من دون الحاجة إلى فصل الشركات، وحتى إن مُررت القوانين، فهذه مسألة قد تستغرق سنوات.
المصدر : INDEPENDENT