مخاطر فراغ في الساحل الأفريقي المضطرب يطرحها مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، ما يستدعي إعادة صياغة للمقاربات الأمنية خشية تمدد الإرهاب.
رحيل مفاجئ يطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل تشاد ومعضلة الأمن في منطقة الساحل الكبير، وتداعياته على دول الجوار والحلفاء الدوليين، وفق ورقة بحثية للدكتور حمدي عبدالرحمن، نشرها "مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" (مستقل).
وفي ورقته البحثية، تطرق الكاتب إلى المشهد التشادي عقب مقتل ديبي في جبهة القتال مع متمردين، وإلى "حالة الغموض وعدم اليقين" في هذا البلد الأفريقي الذي خسر رئيسه قبل أن يتسلم نجله محمد إدريس السلطة عبر مجلس انتقالي، مع أن الدستور الذي تم تعليقه، يشترط أن يتولى رئيس الجمعية الوطنية السلطة في حالة شغور منصب الرئيس أو عدم قدرته على القيام بمهامه.
تشاد بعد ديبي.. 3 قوى
في تحليل للمشهد التشادي بعد ديبي، يرى الكاتب أن 3 قوى فاعلة ستحدد مستقبل نظام الحكم بالبلاد على المدى القريب؛ أولها عرقية "الزغاوة" التي ينتمي إليها الرئيس الراحل، فهذه "النخبة" لطالما كانت تشكل القاعدة الرئيسية الداعمة له، ولكن أيضا المعارضة له في آن.
فاعل تشي الحيثيات بأن نيران الانشقاقات ستلتهمه قريبا خصوصا أن هذه القبيلة لطالما أعربت عن غضبها من تعيينات ديبي لأبنائه وأصهاره من أصول عربية.
أما الفاعل الثاني المحدد لمصير تشاد فهي -وفق عبدالرحمن- "القوى السياسية والجماهير الساخطة" المطالبة بالتغيير تنديدا بمعاناتها في عهد ديبي رغم الثروة النفطية التي تزخر بها البلاد.
ويمثل المتمردون قوة مؤثرة أخرى في رسم معالم المستقبل القريب لتشاد، وهو "ما يطرح إمكانيات تورط أطراف إقليمية ودولية في دعمهم"، بحسب المصدر نفسه.
طرح يظل مفتوحا وسط احتمالات استئناف المتمردين توغلهم نحو العاصمة نجامينا بهدف الاستفادة من حالة عدم اليقين السائدة بعد رحيل ديبي، وليس ذلك فقط، بل قد يفرز الوضع المضطرب ظهور جماعات أخرى مناهضة للمجلس العسكري المؤقت بقيادة نجل ديبي.
معطيات متنافرة وفاعلون كثر، بينهم المعلن وبينهم الخفي، ترفع منسوب التوتر بالداخل التشادي وتضاعف الضغوط والتحديات بوجه المجلس العسكري، خصوصا في ما يتعلق بالإرهاب المتربص بالبلاد والمنطقة.
مقاربات أمنية جديدة؟
غياب ديبي؛ "رجل الساحل القوي" في خضم حالة عدم اليقين المهيمنة، يتابع عبدالرحمن، يبعث برسائل سلبية لكافة أنحاء المنطقة وجوارها، مرجحا أن يؤثر ذلك على مبادرة دول الساحل الخمس (بوركينا فاسو وموريتانيا ومالي والنيجر إضافة إلى تشاد)، والتي تدعمها فرنسا بشكل أساسي، وتساهم فيها واشنطن.
ورغم عسكرة مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي المضطرب، إلا أن أنشطة الجماعات الإرهابية العنيفة في تصاعد مستمر، ما فجر جدلا في الغرب -بلغ حتى الدوائر الرسمية – وسط مطالبات بتبني مقاربات أمنية جديدة.
عبدالرحمن أشار أيضا إلى أن التأثير الثاني المباشر لرحيل ديبي سيكون على العلاقة المركبة مع إقليم دارفور السوداني الذي يُعد منطقة تداخل وامتداد بشري واجتماعي بين تشاد والسودان.
المتغيرات قد ترفع أيضا سقف السخط ضد باريس، حيث لفت إلى الكاتب إلى صحيفة "لوموند" سبق أن حذرت، في 2019، من أن الضربات الجوية الفرنسية لدعم ديبي جعلت باريس "تبدو كحامية لنظام مفترس وفاسد".
كما أن الحلفاء الأوروبيين يبدون قلقا بالغا من الدعم الفرنسي غير المشروط لنظام ديبي، وذلك رغم اعترافهم بأهمية تشاد في مكافحة الإرهاب بالساحل.
تنامي الإرهاب
عدم استقرار تشاد يمكن أن يعرقل أيضا، وفق الباحث، مهمة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في شمالي مالي لصالح فرع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل، خصوصا أن نجامينا تعتبر واحدة من أكبر 10 مساهمين في "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي" (مينوسما).
وفي ظل الأزمة التشادية، يرجح عبد الرحمن احتمال أن يستغل الإرهابيون التوتر لاستهداف تشاد أو قواته العاملة في إطار قوات حفظ السلام الدولية.
طرح آخر يقدمه الكاتب، وهو إمكانية أن يقرر المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في تشاد سحب القوات التشادية من مالي، في خطوة يقول إنها قد تقوض عمليات البعثة الأممية في مالي.
انسحاب محتمل من شأنه أن يقلل من المقاومة الفعالة للجماعات الإرهابية الساعية إلى تقويض هياكل الحكم في مناطق بمالي لإقامة دولة الخلافة الموعودة، وقد يساعدها في تحقيق أهدافها الأبعد مدى؛ وهي التوسع والامتداد في دول غرب أفريقيا.