رغم أن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أصبح هو التنظيم الأكثر نشاطاً من بين كل التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، على نحو تعكسه العمليات الإرهابية التي يقوم بتنفيذها مثل العملية التي أدت إلى مقتل تسعة جنود ماليين في 27 فبراير الفائت، إلا أن ذلك لا ينفي أنه يواجه صراعات داخلية قوية بين المجموعات العرقية والقبلية التي تأسس من خلالها في الفترة الماضية ومثلت ظهيراً اجتماعياً له سعى إلى استغلاله بصفة مستمرة من أجل تصعيد عملياته واحتواء الضربات الأمنية التي يتعرض لها.
ويبدو أن أحد أسباب تلك الصراعات يعود إلى التغيير التكتيكي الذي اتبعه التنظيم وقام على استقطاب المجموعات الإرهابية ككتلة واحدة وليس على شكل أفراد، وهو ما حرصت على تبنيه التنظيمات الإرهابية الأخرى في الفترة الماضية، على نحو أدى إلى تكوين جماعات ضغط داخل التنظيم كل منها يسعى إلى تكريس نفوذه على حساب الجماعات الأخرى. وقد انعكس ذلك في مرحلة ما بعد مقتل الزعيم السابق للتنظيم عبد الملك دروكدال في 3 يونيو 2020، حيث استغرق تعيين قائد جديد نحو خمسة أشهر، وهو يوسف العنابي الذي أعلن عن توليه قيادة التنظيم في 22 نوفمبر من العام نفسه، وهو ما يعود إلى النزاعات التي نشبت بين الجماعات العرقية المختلفة التي يتكون منها التنظيم بسبب تطلع كل منها إلى اختيار شخصية تنتمي لها لتولي منصب القائد.
خريطة معقدة:
اتسمت تركيبة تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بالتشابك والتعقيد، بسبب التنوع العرقي والقبلي داخله، على خلاف التنظيمات الإرهابية الأخرى التي تَغلُب عليها جنسية معينة تفرضها المنطقة التي يسعى التنظيم إلى تعزيز نشاطه فيها. إذ تتكون حركة "شباب المجاهدين" الصومالية، على سبيل المثال، بشكل شبه كامل، من المقاتلين الصوماليين، كما تعتمد "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة- فرع "القاعدة" في سوريا) على العناصر السورية في الأساس. ومن دون شك، فإن ذلك لا يعني أن تلك التنظيمات ترفض ضم جنسيات أخرى، لكنه يعني أن الغلبة تكون، في كثير من الأحيان، لجنسية العناصر التي تنتمي للمنطقة التي ظهر فيها التنظيم، حيث تتولى المناصب القيادية الرئيسية في حين يقوم الآخرون "الأجانب" بمهام لوجستية على غرار جمع المعلومات أو المشاركة في بعض العمليات الإرهابية.
وهنا، فإن اتجاهات عديدة اعتبرت أن هذا التشابك والتعقيد العرقي في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" يعود إلى حرصه على ضم العديد من المجموعات الإرهابية التي توجد في منطقة الساحل الإفريقي وتنتمي لعرقيات مختلفة، وذلك بشكل جماعي، وليس في صورة فردية، بما يعني انخراط المجموعة بكل قياداتها وأفرادها ومعداتها ومصادر تمويلها في التنظيم الرئيسي، على نحو جعل الأخير بمثابة "مظلة فكرية" تضم مجموعات عديدة يجمعها النهج "القاعدي" المتطرف.
ومع أن هذا التعدد ساهم في اتساع نطاق نفوذ التنظيم وتعزيز نشاطه في بعض الأحيان، إلا أنه في الوقت نفسه فرض نوعاً من التنافس الداخلي أثر على التماسك التنظيمي وعرَّض التنظيم، في بعض الفترات، لأزمات كادت أن تؤدي إلى انهياره، على غرار الخلاف الذي نشب على منصب دروكدال بعض أن أعلنت فرنسا مقتله في يونيو الماضي.
جماعات متنافسة:
يضم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" مجموعات عربية مثل "جماعة التوحيد والجهاد"، التي تسعى بصفة دائمة إلى تعزيز فرص أحد المنتمين لها لتولي منصب قائد التنظيم، إلى جانب "جماعة الموقعون بالدماء" التي يقودها مختار بلمختار، فضلاً عن المجموعات التي تنتمي إلى عرقية الفولاني وتمثلها "حركة تحرير ماسينا" بقيادة أمادو كوفا، والمجموعات التي تنتمى إلى قبائل الطوارق وتمثلها "جماعة أنصار الدين" بقيادة أياد أغ غالى، الذى يتولى حالياً قيادة "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين".
وقد فرض ذلك خيارات محدودة أمام قيادة التنظيم خاصة في التعامل مع القرارات التي يمكن أن تؤثر على تماسك التنظيم واستمراره على الساحة، في ظل سعى كل عرقية إلى الانفراد بتولي المناصب القيادية على كل المستويات. ومن هنا حرصت القيادة على تبني سياسة متوازنة عبر توزيع المناصب الرئيسية على كل العرقيات، باستثناءات محدودة، حيث تم إسناد ملف التجارة والتهريب إلى مجموعة بملختار، الذي يمتلك خبرة في هذا السياق، فضلاً عن أنه يؤسس شبكة اتصالات مع عصابات الجريمة المنظمة، على نحو مكنه من تأمين مصادر تمويل مستمرة للتنظيم. في حين تم إسناد مهمة تقليص نفوذ تنظيم "داعش" في منطقة الساحل إلى "حركة تحرير ماسينا" بقيادة أمادو كوفا، وتم تكليف "جماعة أنصار الدين" بقيادة أياد أغ غالي بملف العلاقات الخارجية، لاسيما فيما يتصل بالعلاقات مع التنظيمات الأخرى ومحاولات استقطاب بعضها للانضمام إلى التنظيم الرئيسي.
لكن توزيع السلطات داخل التنظيم لم ينجح في تقليص حدة المنافسة أو الحفاظ على قوة التماسك الداخلي، خاصة أن كل المجموعات سعت إلى استغلال تلك الصلاحيات في تعزيز نفوذها داخله لدعم قدرتها على قيادته في مرحلة لاحقة.
ومن هنا، فإن بعض المراقبين لا يستبعدون عدم قدرة العنابي على الاستمرار في منصبه أو فشله في احتواء تطلعات منافسيه، لاسيما أياد أغ غالي وأمادو كوفا، اللذين اعتبرا أن اختياره لم يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، ولا يعكس توازنات القوى داخل التنظيم، وأن هذا القرار كان لهدف واحد هو منع خروج قيادة التنظيم من المجموعات العربية، وبالتالي إحداث خلل داخل التنظيم لصالح العرقيات الأخرى.
وربما يكون ذلك، في مرحلة لاحقة، أحد العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى إضعاف التنظيم، لاسيما في ظل حالة الترقب التي تبدو عليها التنظيمات الأخرى المنافسة، خاصة تنظيم "داعش"، الذي قد يسعى إلى استغلال ذلك لتوسيع نطاق الانقسامات الداخلية في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تمهيداً لإضعاف وتهميشه في تلك المنطقة التي تحظى باهتمام خاص من جانبه.