تعرَّضت بعض القواعد والمناطق التي توجد بها قوات أو مصالح أمريكية في العراق لهجمات صاروخية مجدداً، كان أولها في مطار أربيل الدولي بإقليم كردستان العراق في 16 فبراير الجاري، حيث أسفر الهجوم عن مقتل متعاقد مدني كان يعمل مع الولايات المتحدة وإصابة ثمانية آخرين، على خلفية وصول 14 صاروخاً إلى منطقة المطار بحسب بيان لقيادة التحالف الدولي في العراق. وكان آخرها في المنطقة الخضراء بعد ذلك بستة أيام حيث لم يسفر الهجوم عن وقوع خسائر. ويقارن أغلب المراقبين هذه الهجمات بتلك التي سبق أن نفذت في الفترة الماضية، على غرار الهجوم الذي وقع في مطار أربيل أيضاً في 30 سبتمر 2020، خاصة وأن التقديرات الرسمية العراقية وتقديرات التحالف الدولي تنسبها إلى مجموعات مسلحة في صفوف الحشد الشعبي على غرار مجموعة "سرايا أولياء الدم". وأبدت الولايات المتحدة استيائها من هذا التصعيد الذي يعد الأول من نوعه في عهد الإدارة الجديدة التي تشارك في التحقيقات حول الهجمات، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في 22 فبراير الجاري: "عندما يتعلق الأمر بردنا، فسوف نرد بطريقة محسوبة في إطار جدولنا الزمني وباستخدام مزيج من الأدوات في الوقت والمكان المناسبين".
دلالات مختلفة:
رغم تعدد الهجمات التي تستهدف قوات التحالف الدولي في العراق بشكل مستمر، إلا أن أغلبها يتم باستخدام عبوات متفجرة، ولا يسفر عنها خسائر كبيرة، وغالباً ما تتم نسبتها إلى عناصر موالية لتنظيم "داعش" الذي يستهدف التحالف ويحاول استعادة نشاطه مجدداً. لكن تصاعد استهداف مواقع عسكرية ودبلوماسية أمريكية بالصواريخ تنامى بشكل ملحوظ بعد عملية اغتيال قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب أمين عام مليشيا الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في 3 يناير 2020، إلا أن وتيرتها تراجعت من جديد خلال الشهرين الأخيرين بالتوازي مع تغير الإدارة الأمريكية. ويطرح هذا السياق عدة دلالات ومؤشرات منها على سبيل المثال:
1- هجمات نوعية: يتمثل التطور الأساسي في عملية أربيل في أنها استهدفت القاعدة بكثافة أعلى بواسطة الصواريخ التي أطلقت على مستوى منخفض، لتفادي المنظومات الدفاعية الأمريكية في المطار (Patriot Pac -3- CARM) وهى منظومات متوسطة وبعيدة المدى، على نحو ما أشار إليه البيان المنسوب لمجموعة "سرايا أولياء الدم" كرسالة تفيد أن المنظومات الدفاعية لن تُحصِّن القاعدة الأمريكية من الاستهداف. ويعتقد أن اختيار موقع مطار أربيل لتنفيذ العملية كان نتيجة فرض مزيد من الإجراءات الأمنية حول العديد من المواقع الأخرى مثل قاعدة عين الأسد التي أصبحت أشد تحصيناً بعد أن تعرضت لهجمات صاروخية إيرانية في 8 يناير 2020 رداً على اغتيال سليماني.
2- التوقيت: يحمل التوقيت دلالة أخرى في سياق تعزيز أدوات الضغط الإيرانية على الولايات المتحدة التي تتجه الى إعادة التفاوض مع إيران، وهو تكتيك تقليدي غالباً ما تلجأ إليه الأخيرة لإثبات مدى قوتها في التأثير والضغط على الولايات المتحدة من خلال استهداف وجودها في الإقليم، سواء في العراق، أو في دول أخرى. كذلك فإن طهران، بغض النظر عن الموقف الخاص بالملف النووي، تتمسك بإنهاء الوجود الأمريكي في العراق وفى غيرها من الساحات الأخرى باعتباره يشكل عامل ضغط بالتبعية على المصالح الإيرانية. وبالتالي تحاول التأكيد على أنها هى الأخرى يمكنها أن تضع شروطاً إضافية قبيل استئناف المباحثات على النحو الذي تبديه الولايات المتحدة التي تتمسك بضم البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي إلى المفاوضات المحتملة، ومن ثم تضع لكل ملف استحقاقاته الخاصة، وهو ما لا يحظى بقبول من جانب إيران التي تصر على حصر أية تفاهمات محتملة في الاتفاق النووي.
3- تكتيك التمويه: ارتبطت أغلب العمليات المماثلة التي شهدتها العراق في العام الماضي بأسماء وهمية لتنظيمات مجهولة وصلت الى نحو 9 فصائل وفق التقديرات العراقية، وغالباً ما تقوم ببضع عمليات محدودة تحت مسمى "المقاومة" ثم تختفي من المشهد، ومن هنا يمكن القول إن "سرايا أولياء الدم"، التي نسب إليها على مدار عام ثلاث هجمات، هى مجرد "ستار" أو "واجهة" لوكلاء آخرين، ربما يكون منهم تنظيم "عصائب أهل الحق" بناءً على موقف العصائب المتشدد تجاه الولايات المتحدة، وموقف الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي من إيران.
موقف مضاد:
أظهرت ردود الفعل الأمريكية تعليقاً على الهجمات الأخيرة حالة الاستياء من تلك العمليات الأولى من نوعها في عهد الإدارة الحالية، وإن لم تؤكد الأخيرة في بياناتها على وقوف إيران خلفها، منتظرة ما ستسفر عنه التحقيقات التي تتعاون فيها مع الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. لكن المتغير الرئيسي الذي أشار إليه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكين في حديثه في إطار حوار مجموعة الرباعية الأمريكية – الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في 18 فبراير الجاري، هو أن مثل هذه العمليات تؤكد على ضرورة بقاء التحالف الدولي ضد "داعش" في العراق، الأمر الذي يطرح بدوره دلالة مهمة بالنسبة لدور التحالف في العراق، والذي تحولت قيادته من الولايات المتحدة إلى حلف الناتو، للتعامل مع تهديدات أخرى بخلاف الحرب على تنظيم "داعش" الذي يعيد بناء شبكاته في العراق، وهو ما عكسته العملية الإرهابية التي نفذها في بغداد في 21 يناير الفائت. كذلك فسرت تصريحات بلنكين على أن هناك تراجعاً أمريكياً عن خطة الانسحاب من العراق التي تم إقرارها في إطار الحوار الاستراتيجي المشترك، بينما يقول مراقبون أمريكيون أن الإدارة الجديدة سيكون لديها تقدير موقف مختلف في إطار هذه العمليات وغيرها من العمليات الأخرى التي تشن ضد تحركات التحالف في العراق، ومن ثم يبدو أن ثمة اتجاهاً أمريكياً لعدم المرونة مع ايران في العراق من هذه الزاوية.