رغم أن تنظيمى "داعش" و"القاعدة" ما زالا يسيطران على خريطة التنظيمات الإرهابية، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة تحولات عديدة طرأت على تلك الخريطة، تعود في المقام الأول إلى تغير توازنات القوى لصالح التنظيمات الفرعية التي باتت تمتلك القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، وربما تتجه في المستقبل إلى تهميش التنظيمين الرئيسيين، على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى تأكيد أنه لا يمكن الحديث عن تنظيم واحد لـ"القاعدة" أو "داعش"، بل تنظيمات متعددة وفي بعض الأحيان ربما تكون متصارعة.
تمدد مستمر:
تعرضت التنظيمات الإرهابية خلال المرحلة الماضية لهزائم وضربات نوعية، بفعل تصاعد حدة الحرب ضد الإرهاب التي قادتها قوى إقليمية ودولية عديدة. لكن ذلك لا ينفي أن تلك التنظيمات ما زالت لديها القدرة على تهديد أمن واستقرار بعض دول المنطقة، وتنفيذ عمليات إرهابية نوعية، لاسيما في ظل تعددها وتنوع أفكارها وانتشارها على نطاق واسع، بل وتمددها داخل مناطق جديدة لم تصل إليها من قبل، بعد أن أصبح العديد منها عابراً للحدود خاصة داخل القارة الأفريقية التي صارت توصف، حسب كتابات عديدة، بـ"كهف الإرهاب الفسيح" في المنطقة.
ويمكن تحديد أبرز التحولات التي طرأت على التنظيمات الإرهابية والتي يتوقع أن تتواصل خلال الفترة القادمة على النحو التالي:
1- الانتشار "القاعدي" في غرب أفريقيا: مع أن عام 2020 شهد ضربات وخسائر قوية تعرض لها تنظيم "القاعدة" الرئيسي، على غرار استهداف بعض القيادات الرئيسية، بشكل دفع اتجاهات عديدة إلى ربط ذلك بجهود تبذلها أطراف متعددة تهدف إلى تفريغ التنظيم من كوادره الرئيسية ومن ثم إضعافه وتهميشه، إلا أن ذلك لم يقلص من قدرة التنظيم على التحرك ومحاولة استعادة زمام المبادرة، حيث اعتمد في هذا السياق على الأفرع الخارجية، لاسيما التي بدأ نفوذها يتصاعد على مستوى خريطة التنظيمات الإرهابية بشكل عام. ويبدو أن التنظيم يركز في هذا السياق على التنظيمات الموجودة في بعض دول ومناطق القارة الأفريقية، والتي استفادت إلى حد كبير من البنية الأمنية والاجتماعية التي تتسم بها تلك المناطق. وقد دفع ذلك بعض المراقبين إلى تأكيد أن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بات يمثل الخطر الأكبر الموجود في الوقت الحالي.
واللافت في هذا السياق، أن التنظيم بدأ خلال الفترة الأخيرة في التوجه نحو مناطق جديدة مثل خليج غينيا، وهو ما يمكن أن يساهم في تحويله إلى التنظيم الأكثر انتشاراً على مستوى العالم من الناحية الجغرافية، والأكثر تهديداً للأمن والاستقرار في مناطق شمال وغرب أفريقيا. لكن ذلك لا ينفي أن تزايد نفوذ تلك التنظيمات قد لا يخدم أهداف وتوجهات التنظيم الرئيسي على المدى البعيد، لاسيما أن ذلك قد يدفع الأولى إلى محاولة تكريس سيطرتها على الساحة وربما قطع الروابط التي ما زالت تؤسسها مع الأخير في مرحلة لاحقة في حالة ما إذا اعتبرت أن استمرار تلك الروابط قد يمثل عبئاً عليها.
2- تزايد نفوذ "شباب المجاهدين" فى القرن الأفريقي: تصاعد نفوذ حركة "شباب المجاهدين" الصومالية خلال الفترة الماضية، على نحو فاقم من حدة التهديدات التي تفرضها على أمن واستقرار دول القرن الأفريقي، خاصة في ظل محاولاتها دعم نشر ما تسميه بـ"المشروع القاعدي" في المنطقة. ولم تنجح الضربات التي تعرضت لها في تحجيم نشاطها، على نحو بدا جلياً في الهجمات الإرهابية التي نفذتها، ومنها على سبيل المثال، الهجوم الإرهابي الذى استهدف ملعب لكرة القدم في مدينة جالكايو في 18 ديسمبر 2020 والذي أسفر عن سقوط ما يقرب من 12 قتيلاً إضافة الى عدد آخر من المصابين.
3- استمرار النشاط "القاعدي" في سوريا: مازالت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) الإرهابية حريصة على التأقلم مع التطورات الأمنية والسياسية التي تشهدها الساحة السورية. إذ أنها حرصت على تعزيز وجودها من خلال ذراعها الجديد الذي يسمى تنظيم "حرّاس الدين"، الذي بات يكتسب أهمية خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما أن قادته وعناصره يرفعون شعار "أولوية استهداف المصالح الأمريكية"، وهو ما دفع واشنطن الى الإعلان عبر الحساب الرسمي لـ"برنامج مكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، في 30 نوفمبر 2020، عن مكافاة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن قائده فاروق السوري، فضلاً عن مبلغ مماثل للمعلومات التي تؤدي إلى تحديد هوية أبو عبد الكريم المصري أو مكانه في التنظيم.
4- عودة "داعش": يحاول تنظيم "داعش" باستمرار تنفيذ هجمات إرهابية نوعية داخل العراق وسوريا، وهو ما كشف عنه استهدافه الأخير للعاصمة بغداد، بتفجيرين انتحاريين في 21 يناير 2021، مما أسفر عن سقوط 32 قتيلاً وما يقرب من 110 جريح. لكن لا يبدو أن "داعش" بات يركز على الدولتين الأساسيتين فقط، وإنما بدأ في الاهتمام أيضاً بالتمدد في مناطق جديدة، ولاسيما القارة الأفريقية، حيث توجه خلال الفترة الأخيرة نحو وسط أفريقيا وشن هجمات غير تقليدية مثل هجومه على سجن كانجباي المركزي في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في 20 أكتوبر 2020 مما أسفر عن فرار أكثر من 1300 من السجناء. وقد دفع ذلك اتجاهات عديدة إلى التحذير من أن التنظيم ربما يحاول تأسيس ما يمكن تسميته بـ"الهلال الداعشي" الذي يمتد من تشاد والنيجر ومالي ويمر بوسط أفريقيا وينتهي في بوركينافاسو ونيجيريا. ويبدو أن التنظيم يحاول في هذا السياق الاستفادة من وجود ثلاثة معاقل رئيسية هى الساحل والصحراء ووسط أفريقيا وغرب أفريقيا، على نحو سوف يدفعه إلى محاولة التوسع مجدداً، وغالباً ما ستكون الأولوية للدول التي كان له فروع داخلها، على غرار ليبيا وتونس والجزائر.
أخيراً، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن التحولات التي تشهدها خريطة التنظيمات الإرهابية يبدو أنها سوف تتواصل خلال المرحلة القادمة على ضوء التصاعد الملحوظ في نشاط ونفوذ التنظيمات الفرعية على حساب التنظيمين الرئيسيين.