أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

حدود مسبقة:

لماذا لا تتعجل طهران عودة واشنطن للاتفاق النووي؟

10 يناير، 2021


وجّه المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، في خطابه بمناسبة الذكرى السنوية لانتفاضة مدينة قم ضد نظام الشاه عام 1978، في 8 يناير الجاري، رسائل عديدة للقوى الغربية، قبل وصول الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 من الشهر نفسه. وفي الواقع، فإن هذه الرسائل سوف تمثل محددات حاكمة للسياسة الإيرانية خلال المرحلة القادمة، التي سوف تشهد استحقاقات سياسية وأمنية لا تبدو هينة، أهمها إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 18 يونيو القادم.

تناقض واضح:

اللافت في خطاب خامنئي أنه عكس التناقض الذي تبدو عليه السياسة الإيرانية في الفترة الحالية. ففيما أشار إلى أن الوجود الإقليمي الإيراني يدعم الأمن والاستقرار في المنطقة، فإنه في الوقت نفسه أكد التزام إيران بدعم حلفائها. ويعني ذلك في المقام الأول أن طهران تعتبر أن نفوذها في دول الأزمات وعلاقاتها مع العديد من الفاعلين من غير الدول، لاسيما الميليشيات المسلحة، يساعد على دعم استقرار تلك الدول ويساهم في تقليص نشاط التنظيمات الإرهابية. ومن دون شك، فإن ذلك لا يتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير بوضوح إلى أن الدور الإقليمي الإيراني كان سبباً رئيسياً في تفاقم الأزمات المختلفة وعرقلة الجهود التي بذلت للوصول إلى تسويات سياسية لها.

إلى جانب ذلك، حرص خامنئي على توجيه تعليمات برفض شراء اللقاحات التي أعلنت عنها شركات غربية لمكافحة فيروس "كوفيد-19"، حيث تبنى في هذا السياق نظرية "المؤامرة"، مشيراً إلى أنه لو ثبتت فعالية هذه اللقاحات لما كانت أعداد الإصابات والوفيات قد ارتفعت بشكل كبير في الولايات المتحدة الأمريكية، ومستنداً في السياق ذاته إلى قضية "الدم الملوث بفيروس نقص المناعة البشرية" التي تصاعدت على الساحة الداخلية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن تسببت في وفاة عدد من الإيرانيين، وثبت فيما بعد أن مصدره فرنسا. 

وهنا، فإن التناقض يبدو أوضح ما يكون، حيث أن رفض شراء تلك المنتجات جاء بعد فترة وجيزة من محاولات "تسييس اللقاحات" عبر الترويج لمزاعم حول عدم قدرة إيران على شراءها بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وهو ما ثبت أنه يفتقد للمصداقية، لاسيما بعد أن أشارت تقارير عديدة إلى أن إيران سوف تحصل على 150 ألف جرعة من لقاح "فايزر" الأمريكي قدمت لها في شكل تبرعات.

خطوات متوازية:

يمكن تفسير حرص خامنئي على تأكيد أن إيران ليست متعجلة في عودة الولايات المتحدة الأمريكية للاتفاق النووي، في ضوء محاولاته تعزيز موقفها التفاوضي، والترويج إلى أنها في موقع لن يدفعها إلى تقديم تنازلات بناءً على الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، بل والوكالة الدولية للطاقة الذرية. 

وبعبارة أخرى، فإن تصريحات خامنئي تأتي رداً على محاولات تلك الأطراف توسيع نطاق أية مفاوضات محتملة في المستقبل لتشمل الملفات الخلافية الأخرى التي لم يتضمنها الاتفاق النووي، وفي مقدمتها برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي. فقد كان لافتاً، على سبيل المثال، أن جايك سوليفان مستشار الرئيس بايدن كان حريصاً، في 3 يناير الجاري، على تأكيد أن برنامج الصواريخ الباليستية سيكون مطروحاً على الطاولة إذا عادت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي.

وهنا، بدا متعمداً أن تلك التصريحات توازت مع إعلان الحرس الثوري عن قاعدة صواريخ جديدة في الخليج، حيث قام قائد "الباسدران" حسين سلامي، في اليوم نفسه الذي ألقى فيه خامنئي خطابه، بزيارة تلك القاعدة، مؤكداً أنها "واحدة من عدة منشآت تحفظ الصواريخ الاستراتيجية لحرس الثورة"، ومشيراً إلى أن "فيها أعمدة من الصواريخ وأنظمة إطلاق تمتد إلى عدة كيلومترات، وأن هذه الصواريخ يصل مداها لمئات الكيلومترات وتتميز بدقة التصويب وبقوة تدميرية عالية جداً، كما أنها قادرة على المرور عبر معدات الحرب الإلكترونية للعدو".

اللافت في هذا السياق أيضاً، أن تلك الخطوات تزامنت مع حلول الذكرى الأولى لإسقاط الدفاعات الأرضية الإيرانية الطائرة المدنية الأوكرانية، بعد ساعات قليلة من الهجمات الصاروخية التي شنتها إيران على قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية رداً على مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني برفقة أبو مهدي المهندس نائب أمين عام ميليشيا الحشد الشعبي العراقية. وقد تسببت حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية في تصاعد حدة التوتر بين إيران والدول المعنية بها، وهى كندا والسويد وأوكرانيا وأفغانستان، التي أصدر وزراء خارجيتها بياناً مشتركاً، في 8 يناير الجاري، حثوا فيه إيران على تقدم تفسير كامل لإسقاط الطائرة، وأضافوا: "بلادنا سوف تعد إيران مسئولة عن تحقيق العدالة، والتأكد من أن تقدم تعويضات كاملة لأسر الضحايا والدول التي تأثرت من الحادث". 

ومن دون شك، فإن الرسالة واضحة، وهى أن إيران لن تتراجع عن موقفها من الاستمرار في تطوير برنامجها الصاروخي، حتى مع تصاعد حدة الضغوط التي تتعرض لها في الوقت الحالي من جانب الدول الغربية. ويعود ذلك في المقام الأول إلى أن إيران تعتبر أن البرنامج الصاروخي هو مصدر القوة الأساسي الذي تمتلكه وتستطيع من خلاله تقليص احتمالات التعرض لهجمات عسكرية واسعة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، باعتبار أن تلك الصواريخ قادرة على الوصول إلى إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران حريصة على الترويج إلى أنها لا تنتظر التفاهمات مع إدارة بايدن، ولا التغير المحتمل في السياسة الأمريكية تجاهها، وهو ما يمكن أن يدفعها إلى مواصلة تحركاتها التصعيدية على المستويات المختلفة في المرحلة المقبلة. واللافت هنا، أن بعض الميليشيات الموالية لها باتت حريصة على تصدير الرسالة نفسها، على غرار حزب الله، الذي أكد أمينه العام حسن نصر الله، في اليوم نفسه، على أنه لن "تظهر أية مؤشرات لتفاهمات إيرانية- أمريكية قريباً، ولن يكون لها تداعيات مباشرة على المشهد السياسي في لبنان"، حيث قال أنه "إذا اقتنع البعض بمفاوضات أمريكية- إيرانية فنحن لا نملك هذا الأمر وإن كان غيرنا ينتظر ذلك، أقول بأن هذا الأمر ليس وارداً، لأنه لا مفاوضات أمريكية- إيرانية على أى منطقة، ولا ينتظر أحد التفاهم الأمريكي- الإيراني"، مشيراً إلى أن "بايدن وفريقه أولويتهم الداخل الأمريكي"، وهى الرؤية نفسها التي تتبناها طهران في الوقت الحالي، لاسيما بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد اقتحام أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب للكونجرس الأمريكي في 6 يناير الجاري.