تصاعدت حدة عمليات تنظيم "داعش" على الساحة العراقية منذ يوليو 2020، على نحو يوحي بأن التنظيم يسعى حالياً إلى إعادة تعزيز دوره مجدداً في العراق. وقد تنوعت العمليات الإرهابية التي يقوم بها التنظيم ما بين استهداف عناصر أمنية ومنشآت مدنية وعسكرية ومواطنين ومليشيات مسلحة. وربما يساهم ذلك في تحويل العراق إلى إحدى أبرز الساحات التي تشهد نشاطاً متزايداً للتنظيم في عام 2020، خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار التي تتعرض لها حالياً.
نشاط لافت:
تمكن تنظيم "داعش"، منذ يوليو الماضي، من توسيع نطاق العمليات الإرهابية التي يقوم بها على الساحة العراقية. ويعتبر يوم 10 ديسمبر من كل عام هو عيد النصر في العراق، وهو ذكرى الإعلان عن هزيمة تنظيم "داعش" في الموصل وإسقاط ما يسمى بـ"دولة الخلافة" في العراق في ديسمبر 2017. لكن مع حلول الذكرى الثالثة، استطاع "داعش" تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية داخل العراق والتي أسفرت عن سقوط ما يقرب من 35 قتيلاً وجريحاً في يوم واحد، وهو استمرار لتصاعد قوة التنظيم في العراق خلال المرحلة الجارية، حيث يأخذ نشاطه منحنى تصاعدياً داخل الساحة العراقية في الشهور الستة الأخيرة، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب تركيز "داعش" في عملياته الإرهابية على الساحة العراقية.
دوافع عديدة:
يمكن تفسير تصاعد عمليات "داعش" على الساحة العراقية خلال الشهور الستة الأخيرة في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- استغلال الانسحاب الأمريكي: يبدو أن التنظيم يحاول ملء الفراغ الذي يمكن أن ينتج عن بداية الانسحاب الأمريكي من العراق، لاسيما في ظل الدور الذي تقوم به القوات الأمريكية في مساعدة القوات العراقية على مواجهة التنظيم وفي العمليات التي يقوم بها التحالف الدولي ضده. وربما يرى التنظيم أن الانسحاب الأمريكي تدريجياً من العراق يمكن أن يؤدي إلى تراجع، أو توقف، العمليات الأمنية التي تشنها قوات التحالف الدولي ضده، بشكل قد يساعده في إعادة السيطرة على بعض المناطق داخل العراق.
2- دور "الحشد الشعبي": لا تنفصل مساعي التنظيم لتعزيز نفوذه على الساحة العراقية عن الدور الذي تقوم به مليشيا "الحشد الشعبي". ففضلاً عن أنها سعت إلى الترويج لدورها في الحرب ضد التنظيم والانتصار عليه واستعادة المناطق التي سبق أن سيطر عليها، فقد اتُهِمت بارتكاب انتهاكات في بعض المناطق التي تم تحريرها من "داعش"، على نحو استغله التنظيم في دعم قدرته على استقطاب عدد من العناصر للانضمام إليه.
3- رمزية العراق: تكتسب العراق مكانة رمزية خاصة لدى التنظيم، ففضلاً عن أنها كانت نقطة الانطلاق الأساسية للأخير في عام 2014، فقد بدا لافتاً سيطرة العديد من العراقيين على المناصب القيادية داخل التنظيم، وهو ما يدفعه إلى منحها الأولوية باستمرار عند تصعيد العمليات الإرهابية التي يقوم بها، حتى بعد أن انتقل الثقل إلى المجموعات الفرعية التابعة للتنظيم، لاسيما التي تسعى إلى توسيع نطاق نشاطها ونفوذها داخل بعض دول القارة الأفريقية.
4- سياسات الكاظمي: مع تولي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، بدأت العراق تنخرط في عملية بناء تحالفات إقليمية مع بعض الأطراف، بالتوازي مع تبني سياسة جديدة تقوم على استعادة سلطة الدولة وتقليص نفوذ المليشيات والمؤسسات الموازية، على نحو اعتبره "داعش" مصدر تهديد لنشاطه، الذي كان يعتمد في الأساس على تصاعد حدة عدم الاستقرار على المستويين السياسي والأمني.
5- إعادة فرض السيطرة: يسعى "داعش"، عبر التركيز على الساحة العراقية خلال النصف الثاني من العام الجاري، إلى إعادة فرض السيطرة على بعض المناطق الجغرافية التي افتقدها في أعقاب الإعلان عن هزيمته في الموصل في يونيو 2017 بجانب التمدد داخل بعض المناطق الجديدة بالعراق، كنوع من إعلان القوة في أعقاب تولي أبي إبراهيم الهاشمي القرشي قيادة التنظيم بعد مقتل أبو بكر البغدادي في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في محافظة إدلب السورية في 27 أكتوبر 2019.
6- توجيه رسائل للغرب: يحاول التنظيم عبر التركيز علي الساحة العراقية توجيه رسائل للمجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، تفيد أنه ما زال يمتلك القدرة على استعادة نشاطه ورفع مستوى عملياته الإرهابية مجدداً رغم كل الضربات الأمنية التي تعرض لها في المرحلة الماضية، حيث تمارس تلك القوى دوراً بارزاً في العمليات التي يقوم بها التحالف الدولي ضده.
7- استقطاب مقاتلين جدد: يمثل رفع مستوى العمليات الإرهابية آلية رئيسية يستند إليها "داعش" في استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية، وهو ما بات يكتسب أهمية خاصة لدى التنظيم، في ظل الخسائر القوية التي تعرض لها في الفترة الماضية بفعل العمليات العسكرية التي شنتها القوى الدولية والإقليمية ضد قياداته ومواقعه.
في النهاية، ربما يمكن القول إن العراق تبدو مقبلة على مرحلة صعبة، خاصة أن تنظيم "داعش" يحاول في الوقت الحالي استغلال تصاعد حدة عدم الاستقرار، على المستويين السياسي والأمني، من أجل استعادة نشاطه من جديد، وربما يكون استمرار التصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية على الساحة العراقية متغيراً مهماً قد يساعد التنظيم في تحقيق أهدافه، لاسيما في حالة ما إذا لم تصل التفاهمات المحتملة بين إيران وإدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى نتائج بارزة تزيد من احتمالات تقليص حدة التوتر العالق بين الطرفين، وهو ما يمكن أن يفرض بدوره تداعيات مباشرة على الساحة الداخلية العراقية.