أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

جدلية التكامل الدولي وسيادة القانون

01 ديسمبر، 2020


ناقشت مقالة الأسبوع الماضي «جدلية الاندماج والتفكك»، أي الجدل بين الحفاظ على السلامة الإقليمية لدولة ما، باحترام حدودها الموروثة القائمة، أياً كانت الاعتبارات التي بُنيت عليها، والتطلع إلى رسم حدود جديدة، استناداً لاعتبارات عرقية أو غيرها، بما يُفضي إلى تداعيات مختلفة. ونناقش اليوم جدلية أخرى تتعلق بالتكامل الدولي وسيادة القانون، بمناسبة الأزمة الراهنة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي بخصوص إقرار ميزانيته الجديدة البالغة 1.8 تريليون يورو، تشمل 750 مليار يورو للتعافي من تداعيات جائحة كورونا، حيث اقترح الاتحاد آلية تربط تقديم المساعدات للدول الأعضاء بضرورة احترام سيادة القانون، ويشمل هذا الامتثال للقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان واستقلال القضاء. وفي القمة الأوروبية الأخيرة، في 19 نوفمبر الماضي، استخدمت كل من بولندا والمجر حق الاعتراض ضد الميزانية بسبب هذا الشرط، مما أوقف الإجراءات الخاصة بتنفيذ الميزانية وحزمة الإنقاذ المالي المخطط لها أن تنفَّذ بدايةَ العام الجديد. وبطبيعة الحال، فالدولتان المعترضتان لا يمكن أن تُسَلما بأن هذا الشرط لا يتوفر فيهما، لكنهما تعتبرانه ذريعة لانتهاك السيادة الوطنية. لذا يقول رئيس الوزراء المجري: إن هذه الآلية «تنتهك القيم والسيادة الوطنية للمجر»، بينما يقول وزير العدل البولندي: إن الأمر لا علاقة له بسيادة القانون وإنما هي ذريعة للإخضاع المؤسساتي ولتقييد السيادة. والواقع أن ممارسات نظامي الحكم الحاليين في المجر وبولندا تنطوي على ما يمكن تفسيره على أنه مساس بسيادة القانون، ومن هنا الإشكالية، خاصة أنه لا يبدو أن أياً من طرفي الخلاف عازم على التنازل.

عندما نشأ الاتحاد الأوروبي كان أحد عوامل قوته التي يسرت له التقدم بثبات نحو مزيد من التكامل، هو التشارك في القيم الديمقراطية التي بُنيت عليها النظم الأوروبية المشاركة في عملية التكامل، وكان هذا يمثل نوعاً من التعويض عن غياب الهوية القومية المشتركة بين الدول الأوربية التي أسست الاتحاد جنباً إلى جنب مع المصالح المشتركة التي ربطت بينها. ومع أن مسيرة التكامل الأوروبي لم تخل من اختلافات وتباينات في الرؤى، إلا أن الآليات الديمقراطية ساعدت دائماً على إدارة هذه الاختلافات بما لا ينال من العملية التكاملية. ومع انتهاء الحرب الباردة وخروج دول أوروبا الشرقية من هيمنة الاتحاد السوفييتي وعملية التحول الديمقراطي التي تمت فيها وإغراء الالتحاق بتجمع اقتصادي قوي كالاتحاد الأوروبي، بدأت هذه الدول تيمم وجهها شطر الاتحاد وتطلب عضويته. ومعروف أن هذه العضوية مشروطة باحترام القيم الديمقراطية، وهو ما يجعل الاتحاد يضع شروطاً معينة يجب توافرها في طالبي الالتحاق قبل انضمامهم. ولما كانت هذه الدول قد شهدت تحولاً ديمقراطياً، فقد أمكن القول بتحقق هذه الشروط. ويُضاف إلى هذا أن الاتحاد الأوروبي كان حريصاً على ضم هذه الدول كنوع من «التأمين السياسي» لها ضد احتمالات ردة غير ديمقراطية، غير أن أوروبا شهدت بعد ذلك صعوداً لليمين المتطرف المجافي لقيم الديمقراطية الأوروبية. وفي هذا الإطار وصلت إلى الحكم أحزاب يمكن أن تكون لها ممارسات تُصَنَّف باعتبارها غير متسقة مع هذه القيم، وهو ما حدث حتى الآن في حالتي المجر وبولندا. ومن الواضح أن الشرط الموضوع في الميزانية الأوروبية وخطة التعافي لم يأت عبثاً، وإنما هو شرط قُصِد به مواجهة تلك الممارسات التي تراها الأغلبية منافية للديمقراطية ولا يراها أصحابها كذلك. والأزمة حقيقية دون شك لإصرار طرفيها على موقفيهما، والأخطر من التداعيات قصيرة المدى الخاصة بتعويق تنفيذ الميزانية، احتمال تكرار النموذج نفسه مع دول أخرى، مع الاستمرار في صعود اليمين الأوروبي المتطرف ومن ثم تفاقم الأزمة.