مع إشراق صباح يوم السبت 7 نوفمبر 2020، بالتوقيت المحلي الأمريكي، وبعد مرور أربعة أيام على التصويت في انتخابات الرئاسة يوم الثلاثاء 3 نوفمبر؛ لم يتم حسم نتائج هذه الانتخابات، وما زال الأمريكيون لا يعلمون على وجه اليقين من هو رئيسهم القادم، وذلك رغم وجود مؤشرات كافية تؤكد فوز "بايدن" في هذه الانتخابات، وأنه الرئيس الأمريكي القادم، حيث يتوقف الأمر فقط على الإجراءات اللوجستية المتعلقة بعد الأصوات في ولايات جورجيا وبنسلفانيا ونيفادا وأريزونا، حيث باتت المسألة تتعلق بالوقت فقط، متى ينتهي عد الأصوات، وإعلان النتائج شبه النهائية.
هذا الوضع الذي نتج عن تأثير التصويت بالبريد على العملية الانتخابية، أدى إلى تعقيدات أكثر تتعلق بتحركات فريق "ترامب" القانونية، لتعطيل نتيجة الانتخابات في بعض الولايات التي يتقدم فيها "بايدن"، هذا بالإضافة إلى مؤشرات حول احتمالات رفض "ترامب" لنتائج الانتخابات، في ظل تشكيكه المستمر في نتائجها.
وانطلاقًا مما يجري، واحتمال إعلان النتائج قريبًا، تظل التحديات التي تواجه الأمريكيين خلال الفترة القادمة موضع تساؤل، فهناك أسئلة عديدة، أبرزها: هل ينجح فريق "ترامب" في تعطيل نتيجة الانتخابات؟ وما هي تداعيات عدم قبول "ترامب" بالاعتراف بالنتائج؟ وما هو المسار المتوقّع للمرحلة الانتقالية؟ هل ستسير بمرونة، أو ستكون هناك مشكلات تعطل انتقال السلطة؟.
تحركات قانونية:
كشفت نتائج التصويت في اليومين الأخيرين (الخميس 5 نوفمبر، والجمعة 6 نوفمبر) عن تقدم "بايدن" على "ترامب" في عددٍ من الولايات، وهذه الأصوات جاءت نتيجة التصويت بالبريد التي تم حسابها بعد عدّ أصوات الناخبين الذين صوّتوا مباشرة يوم الاقتراع العام يوم الثلاثاء، ونظرًا لأن هذه الأصوات لم يتم عدها قبل عد أصوات الاقتراع العام، كان "ترامب" متقدمًا، ولكن بعد إضافتها اختلف الموقف تمامًا، وهذا دفع الفريق القانوني في حملة "ترامب" للقيام بعدة تحركات لتعطيل النتيجة، وذلك على النحو التالي:
1- الدعاوى القانونية: رفع فريق "ترامب" دعاوى في محاكم ولايات جورجيا وبنسلفانيا ونيفادا، لتعطيل نتائج الانتخابات، وركزت هذه الدعاوى على عدم قانونية عد بعض الأصوات نتيجة أنها جاءت بعد يوم الاقتراع العام، الثلاثاء 3 نوفمبر، أو نتيجة خروقات في التصويت في بعض الولايات. وتُطالب تلك الدعاوى إما بوقف عد الأصوات التي جاءت بالبريد، أو إعادة فرز هذه الأصوات.
2- تشكيك "ترامب" في النتائج: وبالتوازي مع تحركات الفريق القانوني، أدلى "ترامب" بتصريحات للتشكيك في العملية الانتخابية، وتحدث عن أن الانتخابات تمت سرقتها منه، وعن أصوات قانونية في الانتخابات، وأخرى غير شرعية، مشيرًا إلى أنه إذا تم عد الأصوات القانونية فسيفوز في الانتخابات، ولكن مع عد الأصوات غير القانونية فالانتخابات سُرقت منه.
3- موقف الجمهوريين: أدت تصريحات "ترامب" وتحركات الفريق القانوني، إلى انقسام داخل الحزب الجمهوري، فهناك تكتلان داخل الحزب حاليًّا؛ الأول يدعم موقف الرئيس "ترامب"، ويؤيد التشكيك في نتائج الانتخابات ونزاهة العملية الانتخابية، وهذا الفريق تشير تقارير صحفية إلى أنه يسعى حاليًّا إلى جمع 60 مليون دولار لتغطية تكاليف الدعاوى القانونية التي سيرفعها فريق "ترامب"، والمجموعة الثانية داخل الحزب ترى ضرورة عدم التشكيك في نزاهة الانتخابات، وضرورة التعقل في التعامل مع الموقف.
4- تأثير محدود: من غير المتوقع أن تؤثر التحركات القانونية لفريق "ترامب" على نتائج الانتخابات، فالتعويل على أنها قد تؤدي إلى تعطيل النتيجة أمر غير واقعي، خاصةً إذا وضعنا في الاعتبار أن "بايدن" اقترب من رقم 270 صوتًا في المجمع الانتخابي، فإذا تجاوز هذا الرقم، والتقديرات تشير مبدئيًّا إلى أنه سيصل إلى 306 أصوات، فالأمر لن تُجدي معه أي محاولات لتعطيل النتيجة.
مخاطر انتقالية:
تشكيك "ترامب" في نتائج الانتخابات، والتحركات القانونية لفريقه، وتحديات أكثر في الفترة الانتقالية وهي الفترة من بعد إعلان النتائج وحتى تنصيب الرئيس رسميًّا يوم 20 يناير 2021؛ كانت متوقعة من قبل أكثر من مائة مسؤول أمريكي حالي وسابق، وعدد من الخبراء والمتخصصين في الشأن الانتخابي الأمريكي، وذلك وفقًا لتقديرات "مشروع النزاهة الانتقالية" الذي عقد في شهر يوليو 2020 عدة ورش عمل واجتماعات، ونماذج محاكات، شارك فيها هؤلاء الخبراء، وصدرت خلاصتها في تقرير للمشروع في أغسطس 2020، بعنوان "منع تعطيل الانتخابات الرئاسية والمرحلة الانتقالية"، والذي يرسم السيناريوهات المحتملة للمرحلة الانتقالية، وما الذي سيجري فيها، وفيما يلي عرض لهذه السيناريوهات وفقًا لتقديرات المشروع، وما حدث فعليًّا بناء على تطور الأحداث المرتبطة بنتائج الانتخابات:
1- سيناريو نتيجة غير محسومة: وفقًا لهذا السيناريو، يتوقع "مشروع العدالة" الانتقالية أن تبقى نتائج الانتخابات غير واضحة لفترة طويلة، وذلك بسبب نتائج ولايات ثلاث: نورث كارولينا، وميشيغان، وفلوريدا. والتي يمكن أن تؤدي إلى عدة احتمالات، منها تعادل "ترامب" و"بايدن" في المجمع الانتخابي، 269 صوتًا لكل منهما. ورغم تقديرات مشروع العدالة الانتقالية، إلا أن هذا السيناريو لم يحدث فعليًّا، فنتائج الانتخابات التي تم حسمها، حتى يوم السبت، تشير إلى أن "بايدن" حصل على 253 صوتًا في المجمع الانتخابي، و"ترامب" 213 صوتًا مع تقدم "بايدن" في ولايات بنسلفانيا وأريزونا ونيفادا وجورجيا.
2- سيناريو فوز "بايدن": يفترض هذا السيناريو فوز "بايدن" بالمجمع الانتخابي والأصوات العامة، وهذا سيؤدي إلى قيام حملة "ترامب" بالطعن في نتيجة الانتخابات، وستعمل الحملة على الزعم بأن هناك عمليات احتيال واسعة النطاق في الانتخابات، وسيشن فريق الحملة والحزب الجمهوري ووسائل الإعلام الداعمة لهم، حملة للتشكيك في نتائج الانتخابات. ووفقًا لتقدير "مشروع العدالة الانتقالية" فإن هذه التحركات لن تنجح.
فعليًّا، أثبتت تطورات الأحداث صحة توقعات "مشروع العدالة الانتقالية"، فهذا السيناريو هو بالضبط ما يجري حاليًّا على الساحة الأمريكية، فالمؤشرات الأولية تظهر تقدم "بايدن" في المجمع الانتخابي والأصوات العامة، ويشن فريق "ترامب" والجمهوريون حملة وتحركات قانونية لتعطيل النتيجة، لدرجة أن تقارير صحفية تحدثت عن أن قناة "فوكس نيوز" الإخبارية الداعمة للرئيس "ترامب"، وجّهت مذكرة داخلية للعاملين فيها وكبار المذيعين بعدم استخدام لقب "الرئيس المنتخب" لوصف "بايدن"، وذلك حتى يتم البت في الدعاوى القضائية، وتحرك القناة هو جزء من توجهات الجمهوريين لإرباك الموقف، إذا صحت التقارير الصحفية التي تتحدث عن توجهات القناة.
وجزء من إشكاليات هذا السيناريو يتعلق بتطورين محتملين؛ الأول رفض فريق "ترامب" في البيت الأبيض التعاون مع فريق "بايدن" الانتقالي، وتعقيد عملية نقل الملفات، وتسليم وتسلم السلطة، وأيضًا احتمالات حدوث موجة عنف في البلاد نتيجة رد فعل أنصار "ترامب".
3- سيناريو فوز "ترامب": يفترض هذا السيناريو فوز "ترامب" في المجمع الانتخابي بـ286 صوتًا، وفي الوقت نفسه فوز "بايدن" في الأصوات العامة، وفي هذا السيناريو فإن التطورات المحتملة أن تسعى حملة "ترامب" لإضفاء الشرعية على نتائج المجمع الانتخابي من خلال دفع الروايات التي تُلقي بظلال الشك على فوز "بايدن" بالأصوات العامة، وتصوير الاحتجاجات التي قد يقوم بها أنصار "بايدن" على أنها معادية لأمريكا وغير ديمقراطية وتعزز حكم الغوغاء، وستسعى حملة "ترامب" لدفع عملاء استفزازيين في الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد لضمان تحول هذه الاحتجاجات إلى أعمال عنف. ويخلص هذا السيناريو إلى دخول البلاد في خضم أزمة دستورية شاملة، حيث تعم الفوضى السياسية، وانتشار التهديدات بالعنف.
فعليًّا، أثبتت تطورات الأحداث أن هذا السيناريو لن يتحقق، فالنتيجة في المجمع الانتخابي والأصوات العامة لصالح "بايدن"، لكن ما طرحه هذا السيناريو عن عنف وفوضى سياسية قد يتحقق جزئيًّا، فأنصار "ترامب" قد يخرجون للشوارع، و"ترامب" لن يقبل الاعتراف بالنتيجة، مما قد يؤدي إلى فوضى سياسية.
4- سيناريو فوز "بايدن" بفارق بسيط: يفترض هذا السيناريو فوز "بايدن" بفارق بسيط جدًّا عن "ترامب"، وتقدمه بفارق أقل من 1% من الأصوات الشعبية، وأن يحصل على 278 صوتًا انتخابيًّا. في هذه الحالة ستبدأ حملة "ترامب" بتشجيع المجالس التشريعية في ولايات بنسلفانيا وويسكونسن وميشيغان للتصديق على قائمة منفصلة من أصوات الناخبين الداعمين لترامب، وستنخرط حملة "ترامب" في حملة تضليل كبيرة ومنسقة تركز على شرعية التصويت عبر البريد، ورواية تزوير الانتخابات، وإذا وصلت حملة "ترامب" لقناعة بأن هذه الاستراتيجية غير ناجحة، فقد تدفع في اتجاه الفوضى والإضرابات، حيث يمكن للرئيس "ترامب" أن يضع نفسه باعتباره الشخص الوحيد القادر على ضمان القانون والنظام، وذلك بعد إطلاق موجة من العنف والفوضى، من خلال حث قوات الشرطة المحلية على تفكيك حركة "حياة السود مهمة"، وخروج مظاهرات لمؤيدي "ترامب" من حركات العنصريين البيض.
وواقعيًّا هذا السيناريو لم يحدث، فالمؤشرات العامة للنتائج تُظهر تقدم "بايدن" بفارق كبير جدًّا عن "ترامب"، سواء في نتائج الأصوات العامة، أو المجمع الانتخابي، لكن تقديرات "مشروع العدالة الانتقالية" بشأن العنف، خاصة من الحركات المؤيدة لترامب، واردة بشكل ما.
ختامًا، رغم اقتراب سباق انتخابات الرئاسة الأمريكية من محطته الأخيرة، وقرب إعلان الفائز فيها؛ إلا أن المخاطر المرتبطة بالمرحلة الانتقالية، خلال الفترة من الآن وحتى تنصيب الرئيس الجديد، تشير إلى التحديات المحتمل أن تفرض نفسها على الأمريكيين في الفترة المقبلة. وفي ظل سيناريو فوز "بايدن" في الانتخابات بفارق أصوات كبير على "ترامب" في المجمع الانتخابي والأصوات العامة، فمن المحتمل أن تشهد الفترة القادمة معركة قضائية وقانونية من قبل فريق "ترامب"، وتعقيدات في نقل الملفات والسلطة إلى فريق "بايدن"، بالإضافة إلى التوقعات باحتمالات حدوث عنف واضطرابات.