تواجه السوق العالمية للنفط متغيرات ضاغطة جديدة وسط تصاعد حالات الإصابة بفيروس "كورونا" في أنحاء مختلفة من العالم، وما يفرضه ذلك من استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي والقطاعات الرئيسية المستهلكة للنفط وفي صدارتها الطيران، وعلى نحو دفع أسعار الخام للهبوط مؤخراً بعد موجة انتعاش دامت عدة أسابيع، وتخطت أسعار الخام خلالها 45 دولاراً للبرميل في بعض الأحيان. وكما يبدو، فإن أساسيات سوق النفط لازالت ضعيفة في ظل تراجع الطلب وتصاعد مخزونات الخام، وبما يضعف فرص انتعاش الأسعار إلى مستويات ما قبل جائحة "كورونا".
تراجع لافت:
هبطت أسعار النفط العالمية في الأسبوع الفائت بنسبة قاربت 6% على نحو فاجئ الأوساط الاقتصادية والنفطية، وذلك بعد أن تخطت الأسعار في الشهرين الأخيرين مستوى 45 دولاراً للبرميل في بعض الأحيان، وأنهى خام برنت وغرب تكساس الوسيط يوم 11 سبتمبر الجاري عند 39.8 دولاراً و37.3 دولاراً للبرميل على التوالي، وهو انخفاض لافت يشير إلى مدى الضغوط التي تتعرض لها السوق العالمية للنفط.
وقبل التطور السابق، كانت المملكة العربية السعودية قد خفّضت أسعار تسليم الخام لشهر أكتوبر للأسواق في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة ما بين دولاراً إلى دولارين، وهى خطوة من المتوقع أن يتبناها باقي منتجي النفط داخل "أوبك"، وذلك في إشارة إلى استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من اتفاق "أوبك+" لخفض سقف الإنتاج الذي أكسب سوق النفط زخماً كبيراً في الأشهر الأخيرة، إلا أن بعض المؤسسات حذرت من أن أسعار النفط قد تمر بدورة تصحيح، حيث ستتجه للانخفاض بما لا يقل عن 20% من سقف 40 دولاراً للبرميل وذلك وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي بسبب جائحة "كورونا".
اعتبارات مختلفة:
مع التراجع الملحوظ لأسعار النفط مؤخراً، يبدو جلياً أن أساسيات سوق النفط لا تتحسن بالسرعة المتوقعة وفق ما نوه إليه بنك "مورجان ستانلي" مؤخراً، فلايزال الطلب العالمي على النفط الخام ضعيفاً بسبب جائحة "كورونا"، بالتوازي مع تصاعد مستويات المخزونات العالمية من النفط والمشتقات النفطية.
وعلى هذا النحو، أبقت المؤسسات الدولية على توقعاتها المنخفظة للطلب العالمي على الخام، وبدورها تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يبلغ الطلب العالمي على النفط 91.9 مليون برميل يومياً بانخفاض سنوي قدره 8.1 مليون برميل، ويمثل هذا انخفاضاً بمقدار 140 ألف برميل يومياً عن التوقعات السابقة للوكالة.
وفي الفترة الأخيرة، ازدادت المخاوف العالمية من استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي وسط تصاعد حالات الإصابة بـ"كورونا"، والذي يُضعف بدوره من فرص تعافي القطاعات العالمية المستهلكة للمنتجات النفطية ولاسيما الطيران والصناعة، كما يتضح جلياً أيضاً في بروز مؤشرات حول استمرار ركود الاقتصادات العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة والهند والصين، بجانب دول منطقة الاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة للصين، أكبر مستهلك للنفط، فقد بلغت واردات الخام نحو 11.18 مليون برميل يومياً في أغسطس الماضي وبانخفاض 7.5% عن 12.08 مليون برميل يومياً في يوليو وأقل بكثير من الرقم القياسي البالغ 12.94 مليون برميل يومياً في يونيو الماضي.
ووفقاً لشركة "ريستاد إنيرجي" النرويجية، فإذا واجهت دول العالم جولة ثانية من إغلاق الاقتصادات، فإن ذلك سيمحو نحو 3.7 مليون برميل يومياً من الطلب العالمي على النفط. وفي هذه الأثناء أيضاً، تشهد الأسواق العالمية ارتفاعاً في مخزونات النفط والوقود سواء في مواقع التخزين العائم أو البرية، مما يشير إلى أن مستويات الطلب الحقيقية لازالت ضعيفة.
وعلى جانب آخر، تثير الأوساط النفطية مخاوف بشأن فعالية اتفاق "أوبك+" لتقليص تخمة المعروض في الأمد المتوسط، حيث لازال امتثال بعض الأعضاء في التحالف لحصص الإنتاج أقل من المستوى المتفق عليه، مما قد يزيد من تخمة المعروض النفطي وضغوط السوق.
وقد ارتفع إنتاج "أوبك+" من النفط الخام بمقدار 1.71 مليون برميل يومياً إلى 34.63 مليون برميل يومياً في أغسطس مقارنة بالشهر السابق. ومن المقرر أن تعقد "أوبك+" اجتماعاً لمراقبة السوق في 17 سبتمبر الجاري، وسيكون على الأرجح امتثال الأعضاء لحصص الإنتاج أحد الملفات التي سيناقشها، وذلك في مسعى لزيادة فعالية وتماسك الاتفاق.
آفاق مستقبلية:
يبدو أن آفاق انتعاش أسواق النفط في الأمد القصير غير مؤكدة. فعلى نحو واضح، لازال الاقتصاد العالمي يعاني من ركود واسع يتضح في انخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وارتفاع مستويات البطالة وإفلاس كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة. وإضافة إلى ذلك، تشير الترجيحات إلى أن تعافي القطاعات الرئيسية ولاسيما الطيران قد يستغرق ما لا يقل عن ثلاثة أعوام.
وعلى هذا النحو، خفّضت الوكالة الدولية للطاقة توقعاتها للطلب العالمي على النفط الخام لعام 2021 بمقدار 240 ألف برميل يومياً إلى 97.1 مليون برميل يومياً. وبالتالي، ففي ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي، سوف يستغرق الطلب العالمي على النفط على الأقل عامين حتى ينتعش إلى مستويات ما قبل الجائحة.
وفضلاً عن ذلك، فعلى الرغم من الجهود العالمية، لم يتوصل العالم بعد للقاح لعلاج "كورونا"، وهو الأمر الذي قد يستغرق شهوراً طويلة للتأكد من قدرته على احتواء الفيروس، فضلاً عن الترتيبات المالية واللوجستية اللازمة لتوزيعه بالأسواق الدولية.
هذه الاعتبارات في مجملها تفرض ضغوطاً عبر مسبوقة على أسعار النفط، وستبقى مستويات الخام على الأرجح عند نطاق يدور حول 40 دولاراً، أقل أو أكثر دولارين، للبرميل في الأمد القصير.