على الرغم من الطابع العائلي لفيلم "مولان"، إلا أنه أثار جدلاً واسع النطاق في الأوساط السياسية حول رسائل ومضامين للفيلم والتي اعتبرها البعض تتضمن دعماً للصين، في وقت تحتدم فيه لبكين بسبب بعض سياساتها في إقليم شينجيانج وهونج كونج واحتدام التوترات مع الولايات المتحدة والدول الغربية، ولهذا فإن الضجة التي أثيرت حوله لم تكن من النقاد السينمائيين، بل من المحللين السياسيين. حيث أثار توقيت عرض الفيلم استهجانًا كبيرًا لدى بعض المحللين والكتاب الأمريكيين، خاصة في ظل التوتر الشديد الذي تتسم به العلاقات بين واشنطن وبكين.
رسائل سياسية:
أثار عرض الفيلم استهجان جانب واسع من المحللين والسياسيين الأمريكيين، الذين رأوا أن الفيلم يعمل على تعزيز وتحسين صورة الصين الدولية. بل إن البعض قال إن الفيلم بمثابة قيام الولايات المتحدة بضخ 200 مليون دولار (وهي ميزانية الفيلم) لعمل احتفال أمريكي بالقومية الصينية. وقد استندوا في ذلك إلى عدة مؤشرات، منها أن الفيلم الروائي الجديد لمولان يختلف عن فيلم الرسوم المتحركة الذي سبق وأن تم تقديمه وكانت بطلته المطلقة هي "مولان". إلا أن الفيلم الجديد تم تأطيره على أنه قصة والدها الذي يقوم برواية الفيلم بأكمله. وأبرز الفيلم بسالة الجيش الإمبراطوري الصيني في قتال وهزيمة الغزاة المغول، وإحكام السيطرة الصينية على الحدود.
كما قامت الممثلة الصينية "ليو ييفي"، وهي التي قامت بتجسيد دور "مولان" في الفيلم الجديد، بتقديم الدعم العلني لشرطة هونج كونج لقمع المتظاهرين. وعندما احتُجزت الناشطة "أغنيس تشاو" البالغة من العمر 23 عامًا في هونج كونج، قام عدد كبير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بتصميم صور وتداولها عبر الإنترنت لوصف "تشاو" بأنها "مولان الحقيقية". وانتشرت دعوات مقاطعة الفيلم في هونج كونج.
وفي سياق متصل صرحت "نيكي كارو"، مخرجة الفيلم -وهي نيوزيلندية الجنسية- لوكالة أنباء شينخوا الصينية بأنه "من نواحٍ كثيرة، يعد الفيلم رسالة حب إلى الصين". وقالت أيضًا لقد "كان لدي جيش من المستشارين الصينيين". وبررت ذلك بأن العديد من الصينيين يشعر بملكية شديدة لشخصية "مولان"، وذلك بعد أن نشئوا وهم يتعلمون في المدرسة عن قصة "مولان" والأشعار المرتبطة بها والبالغ عمرها 1500 عام.
وفي نهاية الفيلم، وتحديدًا في الدقيقة التاسعة من خاتمة الفيلم البالغ مدتها 10 دقائق، قام صانعو الفيلم بتقديم الشكر لثمانية كيانات حكومية في إقليم شينجيانج، حيث تم تصوير جزء من الفيلم في هذا الإقليم. ويقطن هذا الإقليمَ مسلمو الإيجور الذين تدور بشأنهم نزاعات حادة بين الصين والولايات المتحدة، حيث تتهم الأخيرة الصين باحتجاز ما يقرب من مليون من مسلمي الإيغور في معسكرات اعتقال وتعذيب، في حين تنفي الصين هذه الاتهامات.
كما تضمن الفيلم أحد الصور التوضيحية التي كتب عليها أن "شمال غرب الصين -أي شينجيانج– هي جزء لا يتجزأ من الصين، ويجب أن تدافع عنه مولان من أجل والدها وعائلتها وإمبراطورها". ولكن أشارت "جانيت نج" في مجلة Foreign Policy إلى أن "هذه ليست الحقيقة التاريخية، أو حتى حقيقة القصيدة الأصلية التي تستند إليها القصص" حول مولان.
وفي هذا السياق، سارع النشطاء إلى إطلاق حملة لمقاطعة الفيلم، وبالتالي وجدت شركة ديزني نفسها في خضم النزاع الصيني-الأمريكي، وقد أشارت "كريستين إم مكارثي"، كبيرة الإداريين الماليين في شركة ديزني، إلى أنه من الممارسات الشائعة في هوليود أن يتم تقديم الشكر إلى الكيانات الحكومية التي سمحت بالتصوير. وأكدت أنه على الرغم من أن جميع المشاهد التي تضم فريق التمثيل الأساسي تم تصويرها في نيوزيلندا، إلا أن الشركة قد صورت بعض المشاهد في الصين بغرض "تصوير بعض المناظر الطبيعية والجغرافيا الفريدة لهذه الدراما التاريخية".
إلا أن عددًا كبيرًا من المحللين يرون أن قرار تصوير أي جزء من الفيلم في إقليم شينجيانج كان قرارًا خاطئًا. خاصة وأن التصوير قد تم في أغسطس 2018، أي بعد انتشار الأنباء حول وجود معسكرات لاعتقال وتعذيب مسلمي الإيجور في شينجيانج كما تشير الولايات المتحدة.
تسييس "ديزني":
قد يستغرب البعض موقف شركة ديزني، الذي قد يفسره بعض المحللين والمهتمين بالشؤون الصينية، بأنه موقف يوصف بأنه مغازلة من الشركة للصين في خضم التوترات الشديدة التي تموج بها العلاقات الأمريكية-الصينية.
وقد يُعزَى ذلك إلى أن الصين تعد السوق الأهم لشركة ديزني، فالصين تقترب من أن تتجاوز الولايات المتحدة وكندا باعتبارها المحرك الأول في شباك التذاكر في العالم. فضلًا عن أن الحكومة الصينية تشارك ديزني في ملكية منتجع شنغهاي ديزني الذي تبلغ قيمته 5.5 مليارات دولار، والذي قال مسؤولون تنفيذيون في ديزني إنه أعظم فرصة للشركة منذ أن اشترى والت ديزني بنفسه أرضًا في وسط فلوريدا في الستينيات.
لذا فقد سعت ديزني إلى أن يكون فيلم "مولان" جاذبًا للجماهير الصينية. فلقد تم اختيار ممثلَيْن صينِيَّيْن لهما شعبية في الصين ليقوما بتجسيد دور "مولان" ودور قائد الجيش الصيني. كما قامت ديزني بمشاركة السيناريو مع المسؤولين الصينيين (وهي ممارسة غير شائعة في هوليود) واستجابت لنصيحة المستشارين الصينيين، الذين أخبروا ديزني بعدم التركيز على أسرة حاكمة صينية معينة.
ويستدل على الأهمية الاقتصادية لفيلم "مولان" بالنسبة لشركة ديزني من خلال تصريح أدلى به "آلان إف هورن"، الرئيس المشارك لأستديوهات والت ديزني، لصحيفة "هوليود ريبورتر" العام الماضي، حيث قال: "إذا لم ينجح مولان في الصين، فستكون لدينا مشكلة".
كما تجدر الإشارة إلى أن الصين قد سبق وأن منعت إطلاق فيلم الرسوم المتحركة "مولان" الذي صدر في التسعينيات، لمدة ثمانية أشهر، وذلك بسبب دعم شركة ديزني آنذاك لفيلم "Kundun" للمخرج "مارتن سكورسيزي". وهو فيلم يُنظر إليه على أنه متعاطف مع الدالاي لاما.
وبسبب هذا المنع فقد انخفضت إيرادات فيلم الرسوم المتحركة "مولان" في الصين آنذاك. نعم حقق الفيلم نجاحًا في معظم أنحاء العالم؛ إلا أنه فشل في الصين، حيث كان يُنظر إليه على أنه تحريف أمريكي لقصة مولان الحقيقية. وقد حقق الفيلم فقط سدس عائدات شباك التذاكر المتوقعة في الصين أي 1.3 مليون دولار فقط . مما قد يفسر حرص الشركة على أن يخرج الفيلم الروائي حول "مولان" مرضيًا للصين وجاذبًا للصينيين.
تداعيات الأزمة:
في هذا السياق، فإن الجدل الدائر حاليًّا حول الفيلم الروائي "مولان"، يسلط الضوء مرة أخرى على المعضلة التي تواجهها الشركات عند محاولة موازنة مبادئها الحاكمة مع رغبتها في الوصول إلى السوق الصينية. ولم تقتصر تداعيات الأزمة على دعوات مقاطعة الفيلم، بل قامت مؤسسة حقوق الإنسان بالولايات المتحدة بإرسال رسالة إلى الرئيس التنفيذي لشركة ديزني "بوب تشابك" تطلب من الشركة "إدانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في شينجيانج وهونج كونج، والتفكير في التبرع بجزء من عائدات فيلم مولان لمنظمات تدعم حقوق الإنسان في هذه المناطق".
كما وجه السيناتور الأمريكي "جوش هاولي" خطابًا أيضًا إلى رئيس شركة ديزني تضمن: "كيف يتوافق تقديم شكر خاص للمسؤولين عن سجن وتعذيب وتعقيم الملايين من الأشخاص قسرًا بسبب أعراقهم ومعتقداتهم، مع التزامك المفترض بتعزيز الكرامة الإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟" .
وقد قال السيناتور "هاولي" إن سلوك ديزني قد تخطى التهاون مع الصين، وأصبح متواطئًا معها. وقد قدم "هاولي" تسعة أسئلة إلى الرئيس التنفيذي لشركة ديزني، وكان من بينها: "ما هي المساعدة التي تلقتها ديزني من مكتب الأمن العام في توربان والوكالات الحكومية الصينية الأخرى المتورطة في ارتكاب فظائع في شينجيانج؟". ويطالب ديزني بالرد عليها بحلول 30 سبتمبر.
واستكمالًا للحملة الشرسة التي تعرضت لها شركة ديزني، صرح "جاستن دانهوف"، المستشار العام للمركز الوطني لأبحاث السياسة العامة والذي يمتلك بعض الأسهم في شركة ديزني، لمجلة "نيوزويك"، بأنه يخطط لخوض حملة شاملة للضغط على ديزني لإدانة الانتهاكات في الصين. وأشار إلى أن الشركة تصنع أفلامًا ترفيهية بتكاليف تقدر بمئات الملايين من الدولارات سنويًّا ولكن يتم تعديلها في كثير من الأحيان لإرضاء الرقابة الشيوعية. بل وأشار إلى أنه دشن تحالفًا يضم عددًا من المساهمين في الشركة بهدف إعادتها للمسار الحيادي غير المسيّس.
ولكن من المرجح أنه سيصعب على شركة ديزني تقديم اعتذار عن الشكر الذي سبق تقديمه للسلطات في شينجيانج، لأن ذلك قد يغضب الصين، مما يعني تراجع إيرادات الفيلم في الصين، فضلًا عن تهديد مصير الأفلام المستقبلية التي قد تصدرها ديزني في الصين.
ختامًا، لقد تغير نمط وشكل العلاقات الصينية-الأمريكية بشكل كبير، وأصبحت الأفلام السينمائية محورًا ينعكس فيه الصراع بين البلدين. فأزمة فيلم "مولان" ليست الأولى، فلقد انتقد المدعي العام الأمريكي "ويليام بار" -مؤخرًا- الشركات السينمائية لإجراء تغييرات على أفلام مثل "Doctor Strange" (2016)، و"World War Z" (2013)، لتجنب المشاكل مع الصين.
لذا فإن فيلم "مولان" ليس هو الفيلم الأول الذي يتعرض لشبهات تسييس، ولن يكون الأخير. فمن المرجح أن تتكرر هذه الأزمة، خاصة في ضوء الحقيقة التي لا مفر منها وهي أن السينما والأفلام والمسلسلات بل والفن بشكل عام هو قوة ناعمة لا يمكن الاستهانة بها، ويصعب عدم استغلالها لخدمة الأغراض السياسية.