تداعيات فيروس كورونا تتوالى وبالأخص الاقتصادية منها. بعضها، واضح للعيان، كالبطالة وتدهور العديد من القطاعات الاقتصادية وتراجع أسعار السلع الأساسية. ويتم التعايش معه، وتتخذ بعض الإجراءات التي ترمي إلى الحد من عواقبه، في حين هناك تداعيات أخرى خطيرة بعواقب قادمة لا يمكن التكهن بنتائجها، والتي قد تكون مدمرة، حيث يأتي الإخلال بالأنظمة النقدية العالمية من خلال التسيير الكمي وشراء السندات بطبع النقود في مقدمة هذه التداعيات المستقبلية.
لقد اتخذ هذا المنحى اتجاهاً تصاعدياً في ظل انتشار فيروس كوفيد19 باعتباره أحد الحلول السهلة لتوفير السيولة للقطاعين العام والخاص في محاولة لانقاذ الشركات وقطاع الأعمال، بل وحتى مساعدة الأفراد الذين فقدوا وظائفهم ومصادر رزقهم. لو تم ذلك في نطاق محدود، وبما يتيح احتوائه في المستقبل لهان الأمر، إلا أن ما يتخذ الآن من طبع للنقود وضخها في الأسواق يتجاوز قدرة اقتصادات هذه الدول على تدارك الآثار المحتملة.
ولنبدأ من أكبر اقتصاد عالمي وأهم عملة دولية، فالولايات المتحدة اتبعت نهج التسيير الكمي حتى قبل الجائحة، فقامت بطبع ما يقارب 4.5 تريليون دولار ومن ثم تبعتها بعد الجائحة بإصدار 3 تريليونات اخرى، حيث يتوقع أن تستمر هذه العملية لتبلغ 10 تريليونات دولار مع نهاية العام، وهو ما يشكل نصف الناتج المحلي الأميركي تقريباً.
اما في منطقة اليورو، فقد تم طبع 1.5 تريليون يورو ضمن خطة لإصدار 2.7 تريليون يورو، إلا أن الوضع هنا مختلف تماماً ويمكن أن يعرض العملة الأوروبية الموحدة للفشل، إذ أن من يقوم بهذه المهمة البنك المركزي الأوروبي دون تنسيق مع البنوك المركزية في الدول الأعضاء، ومن ثم يتم توزيع العملات المطبوعة على البلدان المتأزمة، كاليونان وايطاليا، مما أثار الدول ذات الاقتصادات القوية التي تدفع الثمن عملياً، كألمانيا، والتي أصدرت المحكمة العليا مؤخراً قراراً اعتبرت فيه أن البنك المركزي الأوروبي لا يملك وحده صلاحية شراء السندات وطبع النقد الإضافي، مما قد يعرض منطقة اليورو برمتها للانهيار.
على هذا المنوال تسير اليابان التي أصدرت تريليون دولار، وبريطانيا التي سرعت الأسبوع الماضي من عملية طبع عملتها لإيصالها إلى 100 مليار جنيه استرليني، إذ أن مجمل هذه الإصدارات لا تملك الأسس الاقتصادية والنقدية التي تستند إليها أنظمة إصدار النقد، مما يعرض النظام النقدي العالمي لأخطار جسيمة، إذ إن ما نسميه هنا بـ«فقاعة التسيير الكمي» يمكن أن تنفجر في المستقبل لتنهي أكثر من 60 عاما من الاستقرار للنظام النقدي الدولي والذي يعتبر الدولار الامريكي محوره الاساسي. اذن يقف العالم امام مخاطر انهيار هذا النظام، كاحد تداعيات فيروس كورونا غير الظاهرة للعيان، مما سيشكل ازمة عالمية وفوضى نقدية ومالية لا يمكن التكهن بانعكاساتها.
هنا يبرز تساؤل مهم، ماذا بشأن البلدان التي لا تملك القدرة على اتباع سياسات التسيير الكمي وطباعة النقد كيفما شاءت؟ بما في ذلك البلدان المرتبطة عملاتها ببعض العملات العالمية الرئيسية، كالدولار واليورو، تساؤل من الصعب إعطاء إجابة مباشرة على إمكانات تداعيات انفجار فقاعة التسيير الكمي على عملات واقتصادات هذه الدول، إلا أنه دون شك ستكون بنفس ومستوى التداعيات التي ستحدث في بلد العملة الام، سواء اليورو او الدولار.
للأسف الخيارات في هذا الجانب محدودة جداً، فأولا لا تتيح الظروف الاقتصادية والمالية الحالية هامشاً كبيراً للتحرك واتخاذ بدائل، وثانياً، فان مثل هذه البدائل بحاجة لفترة زمنية ليست قصيرة، إلا أن ذلك لا يعني عدم التفكير في اتخاذ بعض الإجراءات استعداداً للأسوأ في حالة انفجار الفقاعة، وذلك لتقليل المخاطر للمحافظة على العملات الوطنية بحدها الأدنى مع الكثير من التفاصيل المهنية التي يمكن اتباعها، وبالتالي حماية الأوضاع المالية والاقتصادية في هذه البلدان.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد