يفرض تصاعد حدة التوتر على الساحة الخارجية، فضلاً عن تفاقم العقوبات التي تطبقها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران تأثيرات مباشرة على توازنات القوى السياسية الداخلية، بدت جلية في الفوز الواسع لتيار المحافظين الأصوليين في انتخابات مجلس الشورى التي أجريت في 21 فبراير الماضي، والذي مهد لوصول أحد أقطابه، وهو محمد باقر قاليباف، إلى منصب رئيس المجلس. ويبدو أن هذه الأجواء بدأت تدفع شخصيات عديدة إلى الدعوة لترشيح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية القادمة، التي سوف تجري في منتصف عام 2021، دون أن ينفي ذلك أن ثمة عقبات عديدة قد تحول دون ترشحه.
موقف غامض:
رغم أن الرئيس السابق أحمدي نجاد أعلن، في 15 يونيو الجاري، أنه "لا يفكر حالياً في الترشح للانتخابات الرئاسية"، إلا أنه ألمح إلى أنه "مستعد للتضحية"، وهى تصريحات تحمل المعنيين في الوقت نفسه. ومن دون شك، فإن ذلك سوف يزيد من حدة الجدل في الداخل حول مدى إمكانية ترشحه من عدمه، لاسيما أن هناك اتجاهاً داعماً لذلك، لكن بعد استشراف ردود فعل قوى تيار المحافظين الأصوليين، والأهم بعض مؤسسات النظام، خاصة مجلس صيانة الدستور.
وبالتوازي مع ذلك، بدأت بورصة الترشيحات في الظهور من الآن، حيث برزت أسماء مثل اسحق جهانجيري النائب الأول للرئيس حسن روحاني، وعبد الناصر همتي محافظ البنك المركزي، وسعيد جليلي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي السابق، وعلى لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام.
وبدا لافتاً في السياق ذاته أن مسئولين آخرين سارعوا إلى نفى التقارير التي تتحدث عن احتمالات ترشحهم في الانتخابات، على غرار وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ورئيس المجلس الإسلامي لبلدية طهران محسن هاشمي (نجل رئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني)، ورئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، الذي ترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وخسرها أمام الرئيس الحالي حسن روحاني الذي لن يترشح في الانتخابات القادمة، باعتبار أنه أمضى فترتين متتاليتين في منصبه الحالي.
ورغم ذلك، فإن هذه المواقف قد لا تكون نهائية، إذ ربما يكون الهدف منها هو تجنب التعرض لضغوط أو حملات مضادة مبكرة، واستشراف خريطة المرشحين المحتملين للانتخابات قبل الإقدام عليها.
اعتباران رئيسيان:
يستند الاتجاه المؤيد لترشح أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية القادمة إلى اعتبارين رئيسيين هما:
1- فوز عدد من أنصاره في الانتخابات البرلمانية: كان لافتاً أن بعض الشخصيات المقربة من الرئيس السابق تمكنت من الفوز في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي الأخيرة، على غرار شمس الدين حسيني وزير الاقتصاد في حكومته، وعلي نيكزاد وزير الطرق والتنظيم المدني السابق، وحميد رضا حاجي بابايي وزير التعليم السابق الذي نافس على رئاسة مجلس الشورى في دورته الحالية قبل أن ينسحب لصالح محمد باقر قاليباف. وهنا، فإن هذا الاتجاه يرى أن هذه النتائج تعد بمثابة استفتاء على شعبية الجناح الأصولي الذي يقوده الرئيس السابق، وأنها تعطي ضوءاً أخضر للأخير للترشح في الانتخابات.
2- تصاعد حدة التوتر مع واشنطن: يرى هذا الاتجاه أن عودة أحمدي نجاد إلى الرئاسة يمثل أحد الردود "المناسبة" لإيران على الضغوط التي تتعرض لها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. إذ أدت هذه الضغوط، لاسيما التي أنتجتها العقوبات، إلى تراجع إيرادات إيران من الصادرات النفطية إلى 8 مليار دولار سنوياً بعد أن كانت تبلغ 100 مليار دولار سنوياً، حسب تصريحات النائب الأول للرئيس اسحق جهانجيري لصحيفة "دنياى اقتصاد" (عالم الاقتصاد)، في 14 يونيو الجاري.
ويتوازى ذلك مع الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تمديد الحظر المفروض على إيران فيما يتعلق بالأسلحة الثقيلة، والذي من المزمع رفعه في 18 أكتوبر القادم، حيث بدأت واشنطن، في 15 يونيو الحالي، مشاورات مع بعض القوى داخل مجلس الأمن حول مشروع قرار في هذا السياق، والذي وجهت روسيا والصين إشارات عديدة تفيد إمكانية الاعتراض عليه.
وهنا، فإن الاتجاه المؤيد لأحمدي نجاد يشير إلى أن السياسة التي كانت تتبعها إيران خلال فترتى رئاسته (2005-2013) هى الأنسب في الوقت الحالي للتعامل مع الضغوط والعقوبات الأمريكية، لاسيما فيما يتعلق باتخاذ مزيد من الخطوات التصعيدية في البرنامج النووي، على غرار رفع مستوى اليورانيوم المخصب وزيادة كميته.
ويرى هذا الاتجاه أن ذلك يمكن أن يحقق هدفين: أولهما، أنه سيثبت أن إيران لديها القدرة على مواجهة واحتواء العقوبات والضغوط الأمريكية رغم تداعياتها القوية على اقتصادها.
وثانيها، أنه يعزز موقعها التفاوضي ويساعدها في الحصول على مزيد من أوراق الضغط التي يمكن أن تستخدمها خلال مرحلة لاحقة، في حالة ما إذا كانت هناك فرصة لإجراء مفاوضات جديدة بين واشنطن وطهران.
عقبات قائمة:
مع ذلك، فإن احتمال إقدام أحمدي نجاد على الترشح في الانتخابات الرئاسية ما زال يواجه عقبات عديدة، يتمثل أبرزها في مدى قبول القيادة العليا للنظام لهذا الخيار، حيث دائماً ما تشير التقارير إلى هناك توتراً تتسم يه العلاقة بين المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي والرئيس السابق، منذ ولايته الرئاسية الثانية، نتيجة الإجراءات والسياسات التي سعى الأخير إلى تبنيها وتم تفسيرها على أنها تمثل محاولة لتوسيع نطاق صلاحياته على حساب سلطات الأول.
وهنا، فإن الاختبار الأهم بالنسبة لأحمدي نجاد سوف يكمن في مجلس صيانة الدستور، الذي يتولى مهمة البت في ملفات المرشحين للاستحقاقات الانتخابية المختلفة، فضلاً عن مراقبة قوانين مجلس الشورى وتبيان مدى مطابقتها للدستور. ومن دون شك، فإن نفوذ المرشد داخل المجلس سوف يكون له تأثير مباشر على فرص أحمدي نجاد المحتملة في هذا السياق. وسبق أن رفض المجلس ترشيح الأخير في الانتخابات الرئاسية الأخيرة دون أن يوضح الأسباب التي دعته لتبني هذه الخطوة.
ولذا، تشير تصريحات بعض المقربين من الرئيس السابق إلى أنه يحاول في الوقت الحالي استشراف ردود فعل مجلس الصيانة إزاء احتمال ترشحه في الانتخابات، على أساس أنه سوف يعزف عن الترشح في حالة ما إذا تأكد من أنه سيتعرض للموقف نفسه الذي سبق أن واجهه قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
لكن من الصعب في الوقت الحالي ترجيح إقدام المجلس على بلورة موقف واضح إزاء هذه الخطوة المحتملة، حيث دائماً ما يفضل النظام الإيراني عدم التعجل في تحديد خريطة المرشحين طالما أنه ما زال هناك حيز من الوقت، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها إيران في الوقت الحالي.
وربما يفسر ذلك، إلى حد كبير، أسباب تفضيل العديد من الشخصيات الرئيسية الموجودة على الساحة عدم الإعلان عن موقفها من الترشح في الانتخابات أو نفى التقارير التي ترجح ذلك، انتظاراً لما سوف تؤول إليه التفاعلات التي تجري على الساحة السياسية الداخلية والتي تتأثر بشكل مباشر بالتصعيد المستمر مع الولايات المتحدة الأمريكية.