يسعى تنظيم "داعش" في الفترة الحالية إلى البحث عن آليات جديدة للتعامل مع التطورات الميدانية والسياسية التي تشهدها الساحة الأفغانية، لاسيما في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة "طالبان" في 29 فبراير الماضي، على نحو بدا جلياً في إعلان وكالة الاستخبارات الأفغانية، في 6 مايو الجاري، عن تفكيك خلية إرهابية مشتركة تضم عناصر من التنظيم وشبكة "حقاني" وجهت إليها اتهامات بتنفيذ عدة هجمات إرهابية في الفترة الأخيرة، وذلك بعد أن تمكنت قوات الأمن من اقتحام موقعين تابعين للخلية في عملية أسفرت عن مقتل 5 إرهابيين وتوقيف 8 آخرين، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول مدى إمكانية تأسيس تحالف بين الطرفين خلال المرحلة القادمة لمواجهة الضغوط التي يتعرضان لها.
قواسم متعددة:
ربما يمكن القول إن ما يضفي مزيداً من الأهمية على هذه التساؤلات هو القواسم المشتركة التي تجمع بين "داعش" و"حقاني"، والتي تجعلهما يختلاف، على سبيل المثال، عن حركة "طالبان"، التي تمتلك النفوذ الأكبر من بين التنظيمات الإرهابية في أفغانستان، والتي بدأت في تبني سياسة مغايرة انعكست في وصولها إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، في 29 فبراير الماضي، يقضي بسحب القوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهراً شرط أن تبدأ الحركة في إجراء مفاوضات مع الحكومة الأفغانية حول الترتيبات السياسية والأمنية في البلاد خلال المرحلة القادمة.
وقد بدأت المعطيات التي يفرضها الاتفاق تظهر على الأرض، خاصة مع بدء عمليات تبادل الأسرى بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، والتي اعتبرها المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان زالماى خليل زاد، في 13 إبريل الفائت، خطوة مهمة نحو السلام، بالتوازي مع تلميح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكثر من مرة إلى رغبته في سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، كان آخرها عندما قال في 25 مايو الجاري: "نحن هناك منذ 19 عاماً، نعم، أعتقد أن هذا يكفي"، وإن كان أشار في الوقت نفسه إلى أن ذلك لا ينفي أن الولايات المتحدة الأمريكية "يمكنها العودة متى أرادت"، حيث تتكهن اتجاهات عديدة بأن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان سوف يكون محوراً رئيسياً في الحملة الانتخابية للرئيس ترامب.
وتتمثل أبرز القواسم المشتركة بين "داعش" و"حقاني" في:
1- العداء المشترك: تمثل القوات الأجنبية والأفغانية هدفاً مشتركاً للعمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم "داعش" وشبكة "حقاني"، حيث يرى التنظيم أن استهداف تلك القوات عبر عمليات إرهابية مستمرة في المناطق التي تتواجد بها يعزز من نشاطه داخل أفغانستان ويساعده في توسيع نطاقه ليصل إلى مناطق ومواقع جديدة، كما يدعم قدرته على استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية سواء من داخل حركة "طالبان" أو من خارجها. في حين ترى الشبكة أن أحد أهداف تأسيسها من البداية يكمن في تنفيذ هجمات ضد تلك الأهداف، على غرار الهجوم الذي وقع في مايو 2017 بالعاصمة كابول وأسفر عن سقوط 150 قتيلاً، حيث تعتمد الشبكة على السيارات المفخخة كآلية رئيسية في هذا الصدد.
2- الأهداف العابرة للحدود: يسعى كل من تنظيم "داعش" وشبكة "حقاني" إلى تحقيق أهداف عابرة للحدود على نحو يجعلهما يختلاف عن حركة "طالبان". فالأول يتبنى مشروعاً أيديولوجياً سعى منذ تأسيسه في عام 2014 إلى تنفيذه على الأرض، ورغم أنه فشل في ذلك بعد الهزائم التي منى بها في كل من العراق وسوريا والضربات القوية التي تعرض لها بالتوازي مع ذلك وأهمها مقتل زعيمه السابق أبوبكر البغدادي في 27 أكتوبر الماضي عبر عملية عسكرية أمريكية في محافظة إدلب السورية، إلا أنه ما زال حريصاً على محاولة تطبيقه وتصديره إلى مناطق ودول جديدة، وهو ما يجعله يقترب، إلى حد ما، من أهداف شبكة "حقاني" التي تتمركز في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان وتتبنى بدورها مشروعاً يتجاوز الحدود الأفغانية، على نحو قد يرى معه "داعش" أن "حقاني" ربما تكون حليفاً يستطيع الاعتماد عليه في صراعه المستمر ضد حركة "طالبان".
3- احتواء "طالبان": تتسم العلاقة بين حركة "طالبان" من ناحية وكل من "داعش" و"حقاني" بالتوتر المستمر على نحو جعل الصراع هو النمط الرئيسي في التفاعلات التي تجري فيما بينها، لاسيما في ظل حرص الأولى على تعزيز موقعها داخل البلاد، باعتبارها، حسب ما يروج قادتها، التنظيم الأكثر قوة، وهو ما يتعامل معه "داعش" و"حقاني" على أنه يمثل تهديداً لوجودهما ونفوذهما، لاسيما بعد أن أقدمت الحركة على التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل يمكن أن يفرض معطيات جديدة على المشهدين السياسي والأمني في أفغانستان، سوف يرى الطرفان أنها لا تتوافق مع حساباتهما.
ومن دون شك، فإن ذلك سوف يدفع "داعش" و"حقاني" إلى العمل على عرقلة تنفيذ الاتفاق، خاصة أنه يمثل مقدمة لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان حسب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما أنه سيعزز من الموقع السياسي للحركة بشكل قد لا يمكن استبعاد مشاركتها في السلطة في مرحلة لاحقة، وهو الاحتمال نفسه الذي سبق أن ألمح إليه الرئيس ترامب على ضوء انتهاء المفاوضات التي جرت بين الإدارة الأمريكية والحركة وانتهت بالوصول إلى هذا الاتفاق، وهى كلها عوامل تعني أن أفغانستان تبدو مقبلة على مرحلة جديدة سوف تشهد تطورات سياسية وأمنية فارقة.