أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

محددات الإنفاق:

اقتصاديات التدخل العسكري بمنطقة الشرق الأوسط

30 أغسطس، 2016


شاركت بعض القوى الدولية في عمليات عسكرية محدودة وأخرى ممتدة بمناطق الصراع في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، إما لمواجهة النفوذ المتزايد للتنظيمات الإرهابية أو لمساندة بعض الأطراف الحليفة لها بصفة عامة. وبخلاف التوظيف المباشر لقواتها العسكرية، قدمت القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، دعمًا واسعًا شمل مهام أخرى كالتدريب والخدمات اللوجستية وكذلك المعدات العسكرية للقوت والميليشيات المتعاونة معها بالمنطقة.

ومع هذا الدعم الواسع، فقد ظلت التكلفة الإجمالية للتدخل العسكري للقوى الدولية منخفضة مقارنة بمجمل إنفاقها العسكري السنوي أو التكلفة الباهظة التي تحملتها في السابق على ضوء خبراتها السابقة بالمنطقة مثل الحرب الأمريكية على العراق. ولكن هذا لا ينفي أن الإنفاق العسكري للقوى الدولية سوف يتصاعد، على الأرجح، خلال الفترة المقبلة، في ظل الاتجاه نحو تقديم مزيد من الإمدادات العسكرية والتدريب والدعم اللوجستي بهدف وقف انتشار التنظيمات الإرهابية في المنطقة من ناحية وإجراء تغيير في توازنات القوى لصالح الحلفاء من ناحية أخرى.

أنماط متعددة

تتفاوت تكلفة التدخل العسكري من قبل القوى الدولية في مناطق الصراع بالشرق الأوسط طبقًا لمحددين رئيسيين هما نطاق التدخل وأنماط التدخل. إذ يمكن تقسيم نطاق التدخل إلى نمطين: أولهما، التدخل المحدود، على غرار تدخل قوات حلف الناتو في ليبيا لإسقاط نظام القذافي في مارس 2011، حيث لم تستغرق العمليات العسكرية للحلف سوى ثمانية أشهر أى خلال الفترة من مارس وحتى أكتوبر 2011. وانطلاقًا من مبدأ تقاسم تكلفة العمليات العسكرية، انخفضت التكلفة الحدية للتدخل العسكري للدول الأعضاء بالحلف إلى درجة كبيرة.

 ورغم ذلك، فقد تحملت الولايات المتحدة الأمريكية الجانب الأكبر من تكلفة التدخل العسكري بقيمة 2 مليار دولار، بينما بلغت تكلفة التدخل العسكري من قبل كل من بريطانيا وفرنسا على التوالي نحو 419 مليون دولار و485 مليون دولار تقريبًا. ويأتي انخراط فرنسا في مالي بداية من يناير 2013 ولمدة أقل من 4 أشهر كنموذج مشابه للتدخل العسكري محدود التكلفة، حيث بلغت نحو 113.2 مليون دولار بحسب تصريحات وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان.

وثانيهما، التدخل الممتد، والذي تعبر عنه الحرب ضد التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم "داعش"، والتي تبدو أكثر تكلفة للقوى الدولية بطبيعة الحال، نتيجة انتشار "داعش" في مناطق واسعة في العراق وسوريا، إلى جانب اكتساب بعض كوادره وعناصره خبرة عسكرية، بما يستدعي في النهاية توسيع نطاق العمليات العسكرية الموجهة ضده. وفي هذا الصدد، أشارت بيانات وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن تكلفة محاربة التنظيم منذ أغسطس 2014 وحتى منتصف يوليو 2016 بلغت نحو 8.4 مليار دولار بمتوسط يومي 11.9 مليون دولار.

 في مقابل ذلك، لم تتعد تكلفة بريطانيا التي تقوم بمهام ضمن قوات التحالف الدولي تشمل، بجانب المشاركة في المواجهات المسلحة، التدريب والاستشارات، نحو 316.9 مليون دولار بنهاية مارس 2016. وبذلك تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد تحملت الجانب الأكبر أيضًا من التكلفة حتى الآن، حيث تشارك بالنسبة الأكبر من القوات القتالية والمعدات العسكرية.

وعلى نحو مشابه، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مارس 2016، إلى أنه منذ اتجاه روسيا إلى رفع مستوى انخراطها العسكري في الصراع السوري في سبتمبر 2015، بلغت تكلفة العملية العسكرية خلال سبعة أشهر نحو 33 مليار روبل أي ما يعادل حوالي 478 مليون دولار وقتها. بينما أظهرت بيانات مؤسسات أخرى ارتفاع التكلفة خلال الفترة نفسها عن التقدير المذكور، فكما تشير إليه حسابات قامت بها مجموعة RBC الروسية فإن التكلفة اليومية للتدخل منذ بداية العمليات في سبتمبر 2015 بلغت نحو 3.3 مليون دولار يوميًا أى بتكلفة إجمالية 546 مليون دولار (ما يعادل 38.4 مليار روبل). في الوقت نفسه، تبدو التقديرات السابقة أقل مما أشار إليه المعهد الملكي للخدمات المتحدة البريطاني في ديسمبر 2015، حيث قدر التكلفة اليومية للتدخل بنحو 8 مليون دولار يوميًا، بما يرفع إجمالي التكلفة، وفقًا لهذا التقدير، إلى 1.6 مليار دولار.

جدول (1): التكلفة الإجمالية للتدخل العسكري (بالمليون دولار)


 المصدر: إعداد المركز بناءً على مصادر مختلفة.

* تمت الاستعانة ببيانات وزارة الدفاع الأمريكية، والبرلمان البريطاني، ومعهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام، ومعهد أبحاث الكونجرس الأمريكي.

وكما يتبين من الاستعراض السابق، فإن تكلفة التدخل اليومي الروسي قد تبدو منخفضة مقارنة مع الجانب الأمريكي. لكن اتجاهات عديدة ترى أن ضمان الإمدادات العسكرية المكلفة قد تبدو بالفعل شرطًا جوهريًا لتحقيق مزيد من الأهداف العسكرية، فمع توافر الحشد الدولي، ساهمت قوات التحالف في فقدان تنظيم "داعش"، على سبيل المثال، 40% من أراضيه بالعراق ونحو 20% بسوريا حتى الآن.

لكن اتجاهات أخرى ترى أن ذلك لا يعني وقف انتشار التنظيمات الإرهابية أو تجفيف مصادر تمويلها نهائيًا، بما يشير إلى أن تحقيق الأهداف العسكرية النهائية، التي تتمثل في هزيمة "داعش"، لا يرتبط، في رؤيتها، بحجم تكلفة التدخل العسكري. وبعبارة أخرى، ليس من المؤكد في الحالات السابقة أنه كلما زادت التكلفة العسكرية تصاعدت احتمالات نجاح تحقيق الغايات النهائية للعمليات العسكرية، إذ أن نجاح المجتمع الدولي في هزيمة "داعش" يتوقف على متغيرات عديدة من بينها تجفيف مصادر تمويله وتحرير المناطق التي يسيطر عليها.

مهام متعددة

أما بالنسبة لأنماط التدخل، فيمكن القول إنه تتضمن، بجانب الضربات الجوية ضد أهداف التنظيمات الإرهابية، مهام أخرى مثل التدخل البري المحدود والعمليات الاستخباراتية وتدريب القوات المحلية الموالية. ويمكن تصنيف أنماط التدخل حسب تكلفتها المباشرة وغير المباشرة.

إذ تشكل مهام القوات الجوية ضد مواقع التنظيمات الإرهابية الجزء الأكبر من تكلفة التدخل العسكري. ففي هذا السياق كشفت بيانات وزارة الدفاع الأمريكية أنها وجهت 10.826 آلاف ضربة جوية بالعراق وسوريا بواقع 6.393 آلاف بالعراق و4.433 ألف بسوريا. ويتبين من الإحصاءات السابقة أن القيادة الأمريكية ركزت 58.3% من ضرباتها الجوية على أهداف بالأراضي العراقية حتى الآن، ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى تركز كثير من الأصول المالية والعسكرية لـ"داعش" بالمناطق الشمالية العراقية. واستحوذت مهام الطيران الأمريكي على 44% من مجمل تكلفة التدخل العسكري الأمريكي بما قيمته 3.7 مليار دولار.

 وعلى الجانب الروسي أيضًا، ومنذ بدء التدخل العسكري، شكلت الضربات الجوية الروسية في سوريا الجانب الأكبر من التكلفة وبما يصل إلى 4 مليون دولار في اليوم الواحد، وفقًا لبيانات آي إتش إس جينس للدراسات والأبحاث.

      شكل (1): توزيع تكلفة التدخل العسكري الأمريكي بحسب طبيعة المهام (%)

 

     * النسب مقربة... المصدر: وزارة الدفاع الأمريكية. 

وعلى صعيد التكاليف الأخرى، فقد واصلت القوات العسكرية الأمريكية تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي علاوة على البرامج التدريبية للقوات العراقية وقوات المعارضة السورية المعتدلة إلى جانب الميليشيا الكردية. وفي يناير 2015 بدأ الجيش الأمريكي في تدريب قوات الجيش العراقي، ويبلغ عدد الأفراد الأمريكيين في إطار هذا البرنامج نحو 3550 فرد في العراق، ونحو 300 فرد في سوريا.

أما بالنسبة لبريطانيا، ففي غضون يونيو 2016، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أنها ستضيف 50 مدربًا عسكريًا في قاعدة الأسد الجوية في غرب العراق ليبلغ مجمل مساهمتها بشأن برنامج التدريب في العراق أكثر من 350 فرد. في حين تقوم فرنسا بمهام تدريبية واستشارية بالعراق وسوريا وبلغ عدد أفرادها في هذا الصدد نحو 1000 فرد. وفي إشارة لافتة إلى القيام بمهام استخباراتية بالمنطقة، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في يوليو 2016، أن العسكريين الفرنسيين الثلاثة الذين قتلوا في ليبيا كانوا ينفذون عمليات استخباراتية.

لكن بالتوازي مع ذلك، هناك تكاليف "غير ملموسة" تتحملها القوى الدولية جراء الخسائر البشرية والمادية لتضاف إلى مجمل التكاليف المباشرة الأخرى. ففي هذا الإطار، تعرضت المعدات العسكرية الروسية للتدمير في أحداث مختلفة على غرار إسقاط مقاتلة "سوخوي 24" في نوفمبر 2015، وهيلكوبتر "Mi-8" في أول أغسطس 2016، يضاف إلى ذلك مدفوعات التعويضات لأهالي الأفراد المقاتلين والتي تبلغ في روسيا نحو 3 مليون روبل لكل عائلة أي ما يعادل 47 ألف دولار.

وبصرف النظر عن مقدار التكاليف الراهنة، يمكن القول إنه في ظل إصرار قوات التحالف الدولي على حسم معركتها ضد "داعش" أو على أقل تقدير تكبيده أكبر قدر من الخسائر، فإن حجم إنفاقها العسكري سوف يتزايد مستقبلا، ليس في إطار زيادة وتيرة الضربات الجوية فقط، وإنما في سياق تقديم الدعم الكافي للقوات العراقية وميليشيا "البشمركة" الكردية سواء على مستوى التدريب أو الخدمات المساندة الأخرى من أجل تحرير باقي المدن العراقية.

وعلى الجانب الآخر، تواصل روسيا تدخلها في الصراع السوري من أجل إجراء تغيير في توازنات القوى لصالح نظام الأسد، وهو ما يبدو جليًا بعد الإعلان عن استخدام قاذفات "توبوليف 22 إم 3" ومقاتلات "سوخوي 34" لتوجيه ضربات جوية داخل الأراضي السورية انطلاقًا من قاعدة "نوجه" بمحافظة همدان الإيرانية. ورغم انتهاء تلك المهمة، إلا أن ذلك لا يقلص من احتمالات اتجاه روسيا إلى رفع مستوى انخراطها العسكري من أجل التعامل مع التطورات الميدانية والسياسية التي تشهدها الأزمة السورية.