أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مؤثرات معاكسة:

الأبعاد السياسية لتكلفة الاقتراض في الإقليم

29 أغسطس، 2016


تشهد دول عدة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصةً خلال الأعوام الأربعة الماضية، تصاعدًا في اتخاذ الحكومات لقرارات اقتصادية للاقتراض من صندوق النقد الدولي، بشروط ميسرة ولكن وفق تعديلات هيكلية في اقتصادياتها تسمح لها بتجاوز الأزمات، عبر تقسيم القرض إلى شرائح متعددة وليس دفعة واحدة، رغم اختلاف أسبابها ومظاهرها وربما تأثيراتها ومساراتها من حالة لأخرى.

ويظل للأبعاد السياسية لتكلفة القرض تأثيرات "غير منظورة"، على الأقل في الفترة الراهنة، وتتمثل في فرض ضغوط متزايدة على المجتمعات، وحدوث توترات في العلاقات بين مؤسسات الدولة، واندلاع اضطرابات اجتماعية محتملة، وتصاعد الخطابات الثقافية التآمرية إزاء العلاقة مع المؤسسات المالية الدولية.

حالات انتشارية

لجأت حكومات متعاقبة في مصر والمغرب وتونس والعراق وباكستان والأردن للاقتراض، بنسب متفاوتة وفترات زمنية مختلفة، من صندوق النقد الدولي. فقد أعلن صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية، في 11 أغسطس 2016، التوصل إلى اتفاق قرض قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات لدعم البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي. كما منح صندوق النقد المغرب، في 24 يوليو 2016، خط ائتمان جديد بقيمة 3.47 مليار دولار يمتد عبر عامين.

ووافق صندوق النقد أيضًا، في 21 يونيو 2016، على منح الأردن قرضًا جديدًا، لم تحدد قيمته بعد، لدعم اقتصاد المملكة الذي يواجه صعوبات في توفير الإيرادات المالية أمام النفقات الجارية. كما أعلن وزير المالية العراقي هوشيار زيباري، في 19 مايو 2016، عن موافقة صندوق النقد على منح العراق قرضًا بقيمة 5.4 مليار دولار، سيوزع على 13 شريحة على مدى ثلاث أعوام، وسيكون السداد على ثماني أعوام. 

وأعلن مدير صندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى مسعود أحمد، في 15 أبريل 2016، عن التوصل لاتفاق مع تونس على برنامج بقيمة 2.8 مليار دولار، على أن تبلغ مدة برنامج الصندوق أربع سنوات، بهدف دعم "الرؤية الاقتصادية والإصلاحات" التي حددتها الحكومة التونسية في الخطة الخمسية )2016 – 2020( واجتياز مرحلة "الانتقال السياسي" والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي.

وقد تسلمت باكستان، في يونيو 2015، قرضًا بقيمة 506 مليون دولار من صندوق النقد الدولي بعد أن أجرت "مراجعة ناجحة" لأدائها الاقتصادي، حسب تصريحات وزير المالية الباكستاني إسحاق دار، لا سيما بعد الالتزام بمعايير الأداء النوعي المرتبط بصافي الأصول الدولية، وصافي الأصول الداخلية.

خيار صعب

يرى مؤيدو هذا الاتجاه أن قرض صندوق النقد خيار صعب لابد من تبنيه، ويستند هذا الاتجاه، في دعمه لقرارات بعض الحكومات في دول الشرق الأوسط بالاقتراض من صندوق النقد، إلى احتياج تلك الحكومات لمعالجة العجز المرتفع في الموازنة العامة ومواجهة الانخفاض الحاد في احتياطات النقد الأجنبي واحتواء التضخم ووقاية الدولة من الصدمات الاقتصادية الخارجية، على نحو ما ينطبق على المغرب بعد تراجع معدلات التجارة مع الاتحاد الأوروبي.

ومن مبررات اللجوء للاقتراض من صندوق النقد الدولي أيضًا تقوية شبكات الحماية الاجتماعية ودعم شراكة القطاع الخاص وإعادة هيكلة الدعم، وقد عبر وزير المالية المصري عمرو الجارحي عن ذلك بقوله: "عشنا 15 عامًا في أخطاء عدم وصول الدعم إلى مستحقيه"، إلى جانب مواجهة تقلبات أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، وهو ما ينطبق على العراق التي تواجه عجزًا ماليًا قدره 17 مليار دولار بشكل دفعها إلى الاقتراض من الصندوق. كما أن تكلفة الحرب على الإرهاب وخاصة تنظيم "داعش" تمثل عبئًا على الميزانية، لا سيما مع تغطية نفقات إعادة إعمار المناطق المحررة في بعض الدول.

وتعد العوامل أو بالأحرى الصراعات الإقليمية أحد الدوافع الرئيسية للحكومات للاقتراض من صندوق النقد، على نحو ما يشير إليه القرض الأردني، حيث لا ينفصل ذلك عن تبعات الأزمة السورية المتمثلة في تزايد تدفقات اللاجئين إلى الأردن، في الوقت الذي تعاني الأخيرة من تزايد معدلات الفقر والبطالة وهبوط عوائد الصادرات والسياحة وارتفاع حجم المديونية، فضلا عن السياق الثوري الإقليمي الضاغط على دول عديدة في المنطقة.

عوامل كابحة

في مقابل الاتجاه السابق، يبرز اتجاه آخر معاكس يرفض خيار الاقتراض من صندوق النقد الدولي، ويرى أن القرض ربما يمثل الفرصة الأخيرة للحصول على موارد مالية بعد تقلص المنافذ المتاحة أمام الدول للاقتراض بهدف التعامل مع المشكلات الاقتصادية القائمة، كما أنه يطرح حزمة من المتغيرات التي قد تعرقل قدرة سياسة الاقتراض من الصندوق على تحقيق كل أهدافها، وتتمثل في:

1- ضغوط داخلية متزايدة: وترتبط بالإجراءات التي تتخذها بعض الحكومات بعد الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد، حيث أشارت اتجاهات عديدة إلى أن القرض الذي حصلت عليه العراق من صندوق النقد، في مايو 2016، بقيمة 5.4 مليار دولار، سوف يفرض أعباءً متزايدة على الأجيال القادمة، لا سيما أن ديون الدول تتراكم بسرعة بفعل ما يسمى بـ"خدمة الديون الخارجية"، فضلا عن أن ثمة مشكلات عديدة تخصم من قدرة الحكومة على إجراء عملية إصلاح اقتصادي فعالة، إلى جانب أنها ستكون مضطرة لتقليص الدعم على السلع الاستهلاكية وفرض ضرائب جديدة على الرواتب وغيرها.

2- حدوث توترات بين مؤسسات الدولة: وهو ما بدا جليًا في حالة القرض التونسي بعد مقاطعة كتل المعارضة في مجلس نواب الشعب التونسي (المكونة من نواب الجبهة الشعبية وحركة الشعب والتيار الديمقراطي وحراك تونس الإرادة) لجلسة النظر في مشروع القانون المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية، إذ اعتبرت الكتلة أن إقرار هذا القانون (الذي يطرح إمكانية إفلاس البنوك لكنه لا يوفر ضمانات كاملة لاسترداد أموال المواطنين) يعد مساسًا بسيادة البلاد وانصياعًا لإملاءات صندوق النقد الدولي.

ومن هنا، أقرت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بقبول الطعن في عدم دستورية مشروع قانون البنوك والمؤسسات المالية، على نحو دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى التهديد بسحب ضمانها لتونس من قرض صندوق النقد، وفقًا لما أكده السفير الأمريكي في تونس دانيال روبنستين لعدد من نواب مجلس الشعب.

3- اندلاع اضطرابات اجتماعية محتملة: إذ أن إخفاق الحكومات في تكريس "شرعية الإنجاز" غالبًا ما يقود إلى ردود فعل قوية من قبل القوى الفاعلة داخل المجتمعات من خلال تنظيم احتجاجات ضد السياسات التي تتبناها تلك الحكومات، لا سيما أن مبررات رفضها قائمة على تبعاتها السلبية على شرائح محدودي ومتوسطي الدخل، وصعوبة هيكلة منظومة الدعم وتوجيه حصيلتها إلى برامج للحماية الاجتماعية.

وقد تكررت التظاهرات والإضرابات وأحداث الشغب في عدد من الدول العربية، أبرزها مصر والسودان والمغرب والجزائر وموريتانيا والأردن واليمن في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي نتيجة تزايد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية من ناحية، وتبنيها لسياسات التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي لمواجهة هذه الأزمات من ناحية أخرى. وفي هذا السياق، برز في بعض الكتابات ما أطلق عليه "اضطرابات صندوق النقد الدولي" أو "شغب الغذاء" أو "انتفاضات الخبز"، لا سيما بعد تصاعد الضغوط والأعباء على الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل، وتزايد الفوارق الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن تفاقم مشكلات الفقر والبطالة.

4- تصاعد الخطابات الثقافية التآمرية: غالبًا ما تفسر قطاعات من الرأي العام والنخبة في دول عديدة بالإقليم –بغض النظر عن وزنها النسبي داخل المجتمعات- شروط الصندوق بأنها "مؤامرة خارجية" وفحواها أن هناك قوى دولية تعمل من أجل زعزعة الأمن والاستقرار في هذه الدولة أو تلك، لضمان إذعانها لمطالب المؤسسات المالية الدولية عبر خلق مصالح لنخب محلية مع نخب دولية تتسم بتوجهات نيوليبرالية، وذلك رغم التصريحات المتكررة التي يدلي بها المسئولون في بعض الحكومات والتي تنفى ذلك بشكل قاطع.

خلاصة القول، إن هناك عدة أبعاد سياسية حاكمة لاقتراض بعض حكومات منطقة الشرق الأوسط من صندوق النقد الدولي، ترتبط بعدم تحميل المجتمعات أعباء الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، ومعالجة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية القائمة، لا سيما أنها من الممكن أن تتفاقم بشكل سريع وتفرض تداعيات سلبية عديدة على تلك المجتمعات خلال المرحلة القادمة.

لقراءة النص كاملاَ رجاءً الضغط هنا