في الوقت الذي يتسابق فيه العالم لمحاولة اكتشاف علاج لفيروس (كوفيد-19)، أو المعروف إعلاميًّا باسم فيروس كورونا المستجد؛ تلعب التكنولوجيا الذكية دورًا هامًّا في محاولة الحد من انتشار هذا المرض عبر تحسين عملية إدارة هذه الأزمة، وتضييق اتساع نطاقها المستطاع، وذلك بالاعتماد على نظم الذكاء الاصطناعي من الروبوتات والدرونز وإنترنت الأشياء المتصلة جميعها بالبنية التحتية للجيل الخامس للاتصالات، في محاولة منها لاكتشاف المصابين بالمرض من ناحية، وتعقيم الشوارع والمناطق من ناحية أخرى، وتوجيه النصائح والإرشادات الطبية في حالة مخالفة التعليمات من ناحية ثالثة، وغيرها من الاستخدامات غير التقليدية التي تعتمد عليها الدول وعلى رأسها الصين لتُحسّن عملية إدارة الأزمة بالاعتماد على التقنيات الحديثة، وهو ما يمكن توضيحه في التالي:
1- الروبوتات بديلًا مكملًا للطواقم الطبية والمعاونة في المستشفيات:
إحدى المشكلات الرئيسية التي ينجم عنها اتساع دائرة انتشار هذا المرض، هو مخالطة الحالات المصابة للطواقم الطبية، وهي مشكلة حرجة وملحة نظرًا لمحدودية عدد الطواقم الطبية اللازمة للتعامل مع هذه الحالات مقارنة بأعداد المصابين، ومن هنا كان استخدام الروبوتات الطبية لمعاونة الطاقم الطبي ومنعه من مخالطة الحالات المصابة، حيث تقوم الروبوتات بالكشف على المرضى، وتسجيل حالاتهم الطبية ودرجة خطورتها وبياناتها الصحية مثل العمر ودرجة الحرارة والأمراض الأخرى التي تعاني منها، ثم رفع تقارير للطواقم الطبية التي تحدد نوعية العلاج والجرعة اللازمة، كما تقوم روبوتات أخرى بتوصيل العلاجات والمواد الطبية المقررة إلى المرضى، دون أن يحدث احتكاك مباشر بينهم وبين الطاقم الطبي لمنع اتساع دائرة انتشار المرض.
2- سيارات إسعاف بدون سائق لنقل المرضى وتوصيل المواد الطبية:
تستخدم الصين أيضًا سيارات إسعاف بدون سائق تقوم بنقل الحالات المصابة إلى المستشفيات، حيث تستطيع هذه السيارات أن تحمل حتى 6 أشخاص مصابين في المرة الواحدة، وتقوم بنقلهم إلى المستشفيات المخصصة لتلقي هذه الحالات دون أن يحدث احتكاك مباشر بينهم وبين غيرهم من أفراد الطواقم الطبية. كما يتم أيضًا استخدام سيارات بدون سائق لتوصيل الطلبات والأغذية والمواد الطبية إلى المستشفيات، منعًا لاحتكاك باقي الأفراد بطواقم المستشفيات، في محاولة لتحجيم انتشار المرض، وتقليل التعامل البشري المباشر قدر المستطاع.
3- الطائرات بدون طيار للتوعية والتطهير والمسح الطبي للأفراد:
إحدى التقنيات الذكية المستخدمة في إدارة أزمة كورونا هي الدرونز، أو الطائرات بدون طيار، حيث يتم استخدامها في عمليات المسح السريع للمارة في الشوارع، وتوجيه الإرشادات والتعليمات الطبية والتوعوية لهم. فمثلًا تُحذّر الطائرة من لا يرتدي القناع الواقي في الشوارع، وتقوم بالكشف العشوائي عن الحالات التي يمكن أن تكون مصابة، من خلال قياس درجة حرارتها بالاعتماد على كاميرات حرارية تحملها هذه الطائرات، ويتم تشخيص الحالة المصابة عبر المختصين في غرف التحكم المركزية، كما أن طائرات بدون طيار أخرى يتم استخدمها في عمليات التعقيم عبر رش المواد الطهرة على الأشخاص في المناطق المزدحمة وفي الشوارع، لمكافحة انتشار الفيروس.
4- جلسات تشخيص فورية عن بعد لتحديد حالة المرضى:
تستخدم الصين نظم الذكاء الاصطناعي المرتبطة بتقنيات الجيل الخامس لمراقبة وتحديد حالة المرضى عن بعد. فمثلًا يتم مراقبة المرضى في مستشفيات مدينة ووهان الصينية من خلال غرف إدارة مركزية في العاصمة الصينية بكين، وذلك من خلال كاميرات ونظم طبية ذكية ونظم تحليل البيانات الضخمة التي تُمكّن الفريق الطبي المركزي من متابعة الحالة الصحية للمرضى، وتحديد درجة خطورتها، ومواعيد خروجها من المستشفيات.
5- استخدام البيانات العملاقة لتتبع خط سير المصابين:
تُساهم البيانات العملاقة في الحد من انتشار الفيروس. فمثلًا إذا أصيب أحد الأشخاص تستطيع السلطات الصينية، عبر نظم المراقبة الذكية الشاملة الموجودة في المناطق العامة والتي تستطيع التعرف على الوجوه وتحديد هويتها، أن تُحدد خط سير هذا الشخص، سواء كان استقلّ حافلة عامة أو قطارًا أو توجّه لمطاعم أو مناطق تسوق معينة، وبالتالي تعقيم المناطق التي مرت الحالة المصابة من خلالها، فضلًا عن إرسال تحذير علني إلى جميع الأفراد الذين مروا بهذه المناطق للتوجه للكشف الفوري.
6- الاعتماد على تطبيقات الهواتف الذكية لمراقبة المرضى:
تعتمد الصين على تطبيقات الهواتف الذكية للقيام بأمرين رئيسيين؛ أولًا التحكم في صلاحية دخول المرضى للأماكن العامة، وذلك من خلال إنشاء بطاقة تعريف إلكترونية لكل مواطن عبارة عن QR code تحدد ما إذا كان هذا الشخص سليمًا ولا يعاني من أعراض الفيروس، أو أن هناك احتمالية لإصابته أو أنه مصاب، وبناء على كل مستوى يتم السماح للشخص بدخول المناطق العامة مثل المطاعم والكافيهات والمحطات والمواقف الرئيسية من عدمه، كما تستخدم الصين أيضًا تطبيقات الهواتف الذكية لبناء قاعدة بيانات بالمصابين تشمل أسماءهم ومناطق إقامتهم والشركات التي يعملون بها، حتى يسهل على باقي الأشخاص معرفة المصابين، وتجنب الشركات والمناطق الموجودين بها.
7- شاشات وكاميرات ذكية للكشف عن الحالات المصابة:
في محطات القطارات والباصات والموانئ الرئيسية توفر الحكومة الصينية شاشات ذكية بها كاميرات حرارية تقوم بقياس درجة حرارة المرضى الموجودين في المحطات، وتوجه إنذارًا لمن يتم رصد ارتفاع في درجة حرارته أو تظهر عليه أعراض الفيروس، وبالتالي منعه من استخدام القطار أو الحافلة حتى تقوم الجهات المعنية بالتعامل مع الحالة ووضعها في مستشفيات الحجر الصحي.
8- الطباعة ثلاثية الأبعاد لبناء غرف العزل الصحي:
تستخدم الصين تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لبناء غرف حجر صحي مساحتها 10*10 متر مربع في ساعتين فقط، وهو ما يُمكّن من بناء عدد كبير من غرف العزل تستوعب جميع أعداد المصابين في زمن قياسي.
9- الجيل الخامس للاتصالات لربط كافة هذه التقنيات الذكية:
أظهرت أزمة فيروس كورونا المستجد كيف يمكن للجيل الخامس من الاتصالات أن يصبح من أهم أدوات مواجهة الأزمات والكوارث الطبيعية التي قد تفوق قدرة البشر في بعض الأحيان، حيث اعتمدت الصين على ربط الروبوتات والدرونز وإنترنت الأشياء بالبنية التحتية للجيل الخامس للاتصالات، وهو ما مكّنها -إلى حدٍّ ما- من محاولة الحد من انتشار هذا المرض قدر المستطاع، وتقليل سرعة توسيع دائرته بين الأفراد، وسرعة اكتشاف المرضى المحتملين والجدد، وكذلك تحديد البؤر الجديدة التي يمكن أن يظهر فيها المرض.
وبالتالي فإن التكنولوجيا الذكية أصبحت إحدى أهم أدوات إدارة الأزمات، بما تمتلكه من قدرة على توفير الوقت والجهد من ناحية، والقيام بوظائف قد يعجز البشر عن القيام بها من ناحية أخرى. ولكن تبقى القضية الأهم وهي سرعة اكتشاف مصل يُعالج الأضرار المباشرة لهذا الوباء الجديد.