أثار تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في إفريقيا قلقاً لدى اتجاهات عديدة لم تعد تستبعد إمكانية اتجاه بعض تلك التنظيمات إلى تجاوز الخلافات وتأسيس تحالف أو توسيع نطاق التعاون فيما بينها، خاصة المجموعات التي تنتمي إلى تنظيمى "القاعدة" و"داعش". وقد بد ذلك جلياً في تصريحات الجنرال داغفين أندرسون رئيس العمليات الخاصة في الجيش الأمريكي في إفريقيا لصحيفة "واشنطن بوست"، في 22 فبراير 2020، والتي قال فيها أن "هذه المناطق شاسعة قد تستقطب مسلحين عراقيين وأفغاناً"، مشيراً إلى أن "ما يحدث ليس مجرد أنشطة إرهابية عشوائية ولكن حملة موجهة تهدف إلى جمع هذه الجماعات لقضية مشتركة"، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول مدى إمكانية نجاح "القاعدة و"داعش" في تكوين تحالف بينهما في تلك المنطقة.
عمليات مستمرة:
شهدت القارة الإفريقية خلال الفترة الماضية تصاعداً ملحوظاً في نشاط التنظيمات الإرهابية، ولاسيما تنظيم "داعش"، الذي تزايدت أعداد عناصره في هذه الفترة، وهو ما كشفت عنه العملية العسكرية المشتركة التي شنتها قوات من مالي والنيجر بقيادة فرنسية، في 21 فبراير الجاري، وأسفرت عن مقتل أكثر من 230 إرهابياً أغلبهم من مقاتلي تنظيم "داعش في الصحراء الكبرى". ويمكن تفسير اهتمام تلك الأطراف بشن هذه العملية في ضوء تعرض منطقة الحدود المشتركة لهجمات عنيفة من أبرزها هجومين في شهرى ديسمبر 2019 ويناير 2020، أسفرا عن مقتل 174 جندياً من النيجر، وهى أكبر خسارة تتكبدها الأخيرة منذ بداية الهجمات الإرهابية قبل ما يقرب من خمس سنوات.
اعتبارات مختلفة:
على الرغم من عدم نشوب مواجهات على نطاق واسع بين المجموعات التي تنتمي إلى تنظيمى "القاعدة" و"داعش"، والتي تتنافس على تعزيز نشاطها في منطقة غرب إفريقيا، إلا أن ذلك لا يعزز من احتمالات التحالف، أو على الأقل التعاون، بين الطرفين في تنفيذ هجمات إرهابية، وذلك لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- التباين الفكري: حرصت بعض المجموعات "القاعدية" على تجاوز الخلافات الفكرية القائمة بينها وبين بعض المجموعات الإرهابية الأخرى، من أجل الوصول إلى مرحلة ما من التعاون، وتحقيق المصالح المشتركة، على غرار التعاون بين "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وبعض المجموعات المسلحة والإرهابية في سوريا. ومع ذلك فإن الخلافات الفكرية مع "داعش" لا تبدو ثانوية، لاسيما وأن التوجهات التي يتبناها "داعش" قائمة بشكل أساسي على نقد توجهات "القاعدة"، وهو الموقف نفسه الذي يتبناه قادة التنظيم الأخير، على نحو يضعف من احتمالات اتجاه الطرفين إلى محاولة تسوية تلك الخلافات أو على الأقل تحييدها خلال المرحلة القادمة.
2- اختلاف النشاط التنظيمي: يعتمد النشاط "القاعدي" في مناطق نفوذه على استراتيجية "الانتشار التنظيمي"، التي تقوم بشكل أساسي على التوسع جغرافياً بأكبر قدر ممكن، لكن دون السيطرة عليها بشكل كامل، وذلك بهدف تجنب الضربات المركزة التي يمكن أن تقضى عليه، أو على الأقل تضعفه، في حين يعتمد النشاط "الداعشي" على مبدأ "السيطرة الترابية"، باعتبارها متغيراً رئيسياً في مواصلة عملياته، وهو ما التزمت به، على سبيل المثال، ولاية "الصحراء الكبرى" أو "غرب إفريقيا" (بوكو حرام سابقاً). ومن دون شك، فإن ذلك يوحي بأن خيار التعاون بين الطرفين قد لا يتوافق مع حساباتهما.
3- تضارب الأهداف: يسعى تنظيم "القاعدة" إلى تعزيز وجوده في مناطق شمال وغرب إفريقيا، معتمداً في هذا السياق على تعدد المجموعات الفرعية الموالية له والتحالفات القبلية والتنظيمية والعرقية التي تمكن من تأسيسها في الفترة الماضية، على غرار تحالف جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، الذي يعد أكبر تحالف "قاعدي" في العالم، وهو ما يفرض عليه، وفقاً لاتجاهات عديدة، ضرورة العمل من أسفل إلى أعلى حتى يتمكن، على المدى البعيد، من السيطرة على مناطق رئيسية وتحويلها إلى نقطة انطلاق للتمدد داخل مناطق أخرى. وفي المقابل، يحاول "داعش" دعم نفوذه في المناطق التي تقع خارج نطاق سيطرة "القاعدة"، والتواجد فيها بكثافة، حتى يتمكن من فرض سيطرته بشكل كامل ومن ثم إقامة "ولايات" تابعة له، يفرض من خلالها الأمر الواقع على السكان المحليين والمجموعات المتنافسة، وهو ما سيؤدى إلى اندلاع مصادمات بين الطرفين، باعتبار أن أى توسع من جانب أحد الطرفين سيكون على حساب الآخر.
4- استمرار التنافس: يرى قادة تنظيم "القاعدة" أن أى وجود لتنظيم "داعش" في منطقة شمال وغرب إفريقيا سوف يمثل خصماً من نفوذه في تلك المناطق، على غرار المحاولات التي قام بها الأخير، خلال الفترة ما بين عامى 2015 و2016، للتوسع في منطقة الساحل والصحراء، وهو ما أدى إلى انشقاق بعض المجموعات "القاعدية" وإعلان ولائها له، وكان في مقدمتها مجموعة أبو الوليد الصحراوي و"جند الخلافة" في تونس، وكذلك جماعة "بوكو حرام"، ومن ثم فإنه ليس من مصلحة تنظيم "القاعدة" وجود أى نشاط لـ"داعش" في مناطق نفوذه، حتى لو كان على شكل هجمات ضد القوات الحكومية أو الفرنسية أو الأممية في تلك المناطق، لأنه يدرك أنه يسعى إلى تكريس دوره باعتبار التنظيم الرئيسي فيها.
أخيراً، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن سعى التنظيمات الإرهابية، ولاسيما تنظيمى "القاعدة" و"داعش"، إلى عدم التصادم فيما بينها، خاصة في إفريقيا، لا يزيد في الوقت نفسه من احتمالات وصولها إلى مستوى معين من التحالف أو التنسيق، في ظل العقبات العديدة القائمة في هذا السياق، والتي لا يمكن تجاوزها بسهولة.