يرى المتابع للأخبار ووسائل الإعلام العالمية الآن أن فيروس "كورونا"، والوباء التاجي المترتب عليه، أحد أكبر التهديدات التي تواجه العالم في الوقت الراهن، إن لم يكن أكبرها بالفعل، وذلك من جميع الأوجه، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وسياسياً. فالوباء الذي أُعلِن عن اكتشافه منذ قرابة الشهرين في مدينة ووهان الصينية، وصلت حصيلة ضحاياه في الصين وحدها حتى الآن إلى 1,770 حالة وفاة، و70,548 إصابة مؤكدة. كما أن متوسط عدد الوفيات اليومية في الصين حالياً يدور حول 140 حالة، ومتوسط حالات الإصابة اليومية الجديدة المؤكدة هناك أيضاً بات يدور حول 2,500 حالة. أما خارج الصين، فقد ظهرت نحو 500 حالة إصابة به، في حوالي 24 دولة، كما أنه تسبب في وفاة 4 أشخاص في اليابان وهونغ كونج والفلبين وفرنسا.
قلق متواصل:
تدعو هذه الأرقام، من دون شك، إلى الحيرة والتوجس مما يحدث، كما أنها تثير القلق بشأن ما يمكن أن يحدث جراء هذا الفيروس في المستقبل، لاسيما وأن العدد الإجمالي لمن لقوا حتفهم جراء هذا الفيروس حتى الآن تخطى عدد الذين توفوا في الصين وهونج كونج عامى 2002 و2003 بسبب فيروس "سارس" (الالتهاب الرئوي الحاد)، والذين بلغ عددهم 349 حالة وفاة.
وقد سبب ذلك الفيروس في حينه حالة من القلق العالمي الشديد في الأسواق العالمية، ما كبد الاقتصاد العالمي في هذه الفترة خسائر تقدر بنحو 40 مليار دولار، في الوقت الذي تشير بعض التقديرات، التي تعود إلى وكالة "بلومبيرج" للأنباء الاقتصادية، إلى أن الخسائر الاقتصادية العالمية المتوقعة بسبب فيروس "كورونا" الجديد يتوقع أن تبلغ نحو 160 مليار دولار، أى نحو أربعة أمثال خسائر فيروس "سارس" المذكور.
ويُنبئ ما بدا على الأسواق العالمية من أداء، وحالة التخبط الشديدة التي دخلت فيها جميع هذه الأسواق، وخاصة أسواق المال والنفط، بأن الاقتصاد العالمي في انتظار المزيد من الخسائر. لكن برغم أنه ليس من المنطقي، أو أنه ليس بالأمر الجيد، التهوين من أمر الفيروس وخطورته على البشر وحياتهم، وعلى الاقتصاد والاستقرار العالمي ككل، فمن الضروري بمكان التأكيد على أن ما يشهده العالم الآن من خسائر اقتصادية، وأداء غير مطمئن في العديد من الأسواق، هو جراء حالة من التهويل والمبالغة في ردود الفعل بشأن الفيروس، والخوف الزائد عن الحد إزاء ما يمكن أن يترتب عليه من تبعات في المستقبل.
مؤشرات مطمئنة:
إذا كانت هناك مؤشرات يمكن استخدامها كدليل على أن فيروس "كورونا" قد يتسبب في كارثة صحية في مدنية ووهان الصينية، بالتوازي مع توقعات بارتفاع عدد الإصابات به إلى نحو 500 ألف حالة، وفق تقديرات لمدرسة "النظافة والطب الاستوائي" بالعاصمة البريطانية لندن، وهو رقم كبير للغاية ومقلق (في حال تحققه)، إلا أنه في المقابل هناك بادرة تدعو إلى التفاؤل، وتتعلق بتوقعات تشير إلى أن انتشار الفيروس سيصل إلى مداه في نهاية شهر فبراير الجاري، ومن ثم يتجه إلى الانحسار شيئاً فشيئاً.
كما أن هناك مؤشرات يمكن استخدامها كدليل على أن العالم قد وقع في حالة من الهستيريا الشديدة والخوف المبالغ فيه من فيروس "كورونا"، أهمها أن الفيروس حتى الآن مازال محسوراً في الصين، وأنه لم يتحول لوباء عالمي بعد، وأن جميع حالات الإصابة والوفيات التي تم اكتشافها خارج الصين حتى الآن هى لصينيين منتقلين ومسافرين إلى دول أخرى.
بجانب ذلك، هناك بادرة مهمة تتعلق بأن معدل انتشار فيروس "كورونا" في الصين بدأ في التباطؤ، حيث تشير البيانات المعلنة من قبل لجنة الصحة الوطنية الصينية أن يوم الأحد (16 فبراير) شهد رصد 2009 حالة إصابة جديدة، بينما كان عدد الإصابات الجديدة التي تم رصدها في اليوم السابق (السبت 15 فبراير) قد بلغ 2,641 حالة إصابة، ليس هذا فقط، فحالات الوفيات الجديدة التي شهدها يوم الأحد أيضاً بلغت 142 حالة وفاة، انخفاضاً من 143 حالة وفاة في اليوم السابق.
ومن زاوية أخرى، فإن جميع حالات الوفاة التي شهدها ذلك اليوم حدثت في إقليم هوبي، ما عدا أربع حالات فقط وقعت خارجه. وهذه المؤشرات في مجملها تدل على أن فيروس "كورونا" ربما يكون قد دخل في طريقه إلى الانحسار الآن، وأن الأسابيع القليلة المقبلة قد تشهد بوادر حقيقية لانحساره وانتهائه بشكل تدريجي، ومن ثم تراجع مخاطره على الاقتصاد العالمي.
وهناك بجانب ذلك مؤشرات عديدة تدلل على أن "كورونا" ليس إلا فيروساً من بين العديد من الفيروسات التي يتم رصدها حول العالم كل عام، والتي يتوفى بسببها عشرات الآلاف، ففيروس الأنفلونزا الموسمية المعتاد يتسبب في وفاة ما يتراوح بين 250 ألفاً إلى 500 ألف شخص سنوياً حول العالم، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية. كما أن وباء الكوليرا يصيب ما يتراوح بين 1.3 مليون شخص و4 مليون شخص سنوياً، ويقتل ما يتراوح بين 21 ألف شخص و143 ألف شخص حول العالم كل عام. كما أن التكلفة الاقتصادية التي يتحملها العالم بسبب الأوبئة كل عام تتراوح بين 500 مليار دولار و570 مليار دولار، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، وهذه القيمة تساوي نحو 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
في الختام، فإن جميع هذه المؤشرات والمعطيات تعني أن كل ما شهده العالم خلال الأسابيع الماضية من اضطراب اقتصادي ليس بالأمر الذي يمكن تبريره بحجج اقتصادية حقيقية، بل هو نتاج تدهور سريع ومبالغ فيه في معنويات المتعاملين في الأسواق العالمية، وإذا كان هذا الأمر مقبولاً بالنسبة للمستثمرين، الذين يخافون على رؤوس أموالهم، فإنه في مواجهة ذلك على حكومات الدول ألا تنساق وراء هذه المبالغات، وأن تضبط ردود فعلها وسياساتها لتكون بمثابة عامل استقرار للاقتصاد العالمي، وحماية له في مواجهة المخاطر المحتملة للفيروس.