تُصر طهران منذ قرار إدارة البيت الأبيض الخروج من الاتفاق النووي معها والمعروف بـ(6+1) على التمسك به، رغم تخليها عن بعض التزاماتها النووية المتعلقة بنِسب التخصيب، ولكنها تطالب الأطراف الدولية الموقّعة عليه بإلزام الولايات المتحدة به كشرط لاستئناف المفاوضات معها، كما ترفض طهران مبدأ البحث في عقد اتفاق نووي جديد، نظراً إلى الامتيازات التي حصلت عليها نتيجة صفقتها النووية التي عقدتها مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وقد عبّر وزير خارجيتها جواد ظريف، عن هذا التمسك بالاتفاق في تصريح له يوم الاثنين الفائت في أثناء لقائه نظيره الفنلندي بيكا هافيستو، حيث أكد ظريف «أن بلاده ليست مهتمة بإجراء محادثات مع واشنطن، لكن ينبغي أن تركز أي وساطة على إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي المبرم في عام 2015».
في هلسنكي يحاول ظريف مسك عصا الاتفاق من المنتصف، فبينما يشترط على أي وساطة أوروبية أن تعود واشنطن إلى الاتفاق دون شروط مسبقة، تعتمد بلاده مجدداً لغة الابتزاز، وتهدد بأنها تدرس قراراً برفعٍ جديد لنسبة التخصيب، وبأنها جاهزة للعودة إلى مرحلة ما قبل الاتفاق. ففي جلسة لمجلس الشورى (البرلمان) عُقدت يوم الأحد الماضي وحضرها رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، ونائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ناقش خلالها الحاضرون رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 50% في إطار تقليص إيران التزاماتها الدولية للمرحلة الثالثة. ففي مرحلة «لا حرب ولا تفاوض» التي تعتمدها طهران والتي من المرجح أن تستمر حتى موعد الانتخابات الأميركية، تعمل طهران في عدة اتجاهات من أجل الحفاظ على الامتيازات التي حصلت عليها من الاتفاق الذي لا تزال الدول الخمس الموقّعة عليه متمسكة بمضمونه وتعمل ما في وسعها من أجل إنقاذه.
لعدة أسباب ترفض طهران فكرة التفاوض على اتفاق جديد، من أبرزها الحفاظ على الامتيازات النووية التي سيتيحها الاتفاق لها بعد مرور عشر سنوات على توقيعه (يونيو «حزيران» 2015)، حيث سيتم بشكل تلقائي رفع القيود الرئيسية المفروضة على برنامجها النووي، ما سيسمح لها بتشغيل عدد غير محدود من أجهزة الطرد المركزي تحت غطاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما سوف يزيد مخزونها من اليورانيوم المخصب بشكل كبير، والذي ستستفيد منه حكماً في تطوير قدراتها النووية للاستخدام غير المدني تحت ذريعة أن الاتفاق يسمح لها بمواصلة البحث العلمي، ورغم أن الاتفاق يتضمن حق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراقبة المنشآت النووية الإيرانية المعروفة، فإنه يعطي طهران مهلة 24 يوماً من أجل السماح لدخول منشآت أخرى مشكوك فيها، ما يتيح لها إخفاء نشاطها النووي السري.
من جهة أخرى، تُولي طهران أهمية لمسألة رفع الحظر عن شراء الأسلحة التقليدية بعد خمس سنوات من تاريخ توقيعها على الاتفاق، وفقاً لما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي رُفعت بمقتضاه العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران، فيما يتعلق ببيع الأسلحة التقليدية وشرائها، ما سيسمح لها بالوصول المريح إلى أسواق السلاح العالمية وإبرام صفقات تسليح نوعية مع بعض الدول مثل روسيا والصين. ففي عدده الصادر في 18 أغسطس (آب) الحالي، نشر مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي دراسة تحت عنوان «مكاسب مؤجلة: هل تحصل إيران على أسلحة ثقيلة قريباً؟». فمن الواضح أن كل الضغوط الأميركية لم تدفع طهران إلى اتخاذ قرار بالانسحاب من الاتفاق نتيجة لاعتبارات عديدة، أهمها جملة مكاسب مُؤجلة يتيحها الاتفاق النووي، حيث يقترب موعد حصول إيران عليها، وتتعلق برفع الحظر المفروض على بيع وشراء إيران للأسلحة التقليدية والثقيلة خصوصاً الدبابات ومنظومات الدفاع الجوي، والمركبات القتالية المدرعة ونظم المدفعية من العيار الكبير والطائرات العمودية الهجومية والسفن الحربية والصواريخ ومنظومات الصواريخ وما يتصل بها من عتاد لا سيما قطع الغيار.
وعليه، يتجنب الطرفان القيام بخطأ استراتيجي غير محسوب يؤدي إلى تغيير كامل في معادلة «لا حرب لا تفاوض»، لكنهما ينتظران بداية عام 2021 موعد دخول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، أو استمرار الإدارة السابقة لولاية ثانية، فيما تنتظر إيران متمسكةً بالاتفاق الذي ستُستغل بعض بنوده لابتزاز بعض الموقّعين عليه من أجل الحصول على مكاسب، لن يكون تعامل واشنطن سهلاً مع من يريد تطبيق اتفاق تحميه قرارات الشرعية الدولية.
*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط