أما الرجل فهو قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية الذي تنتهي زيارته التاريخية لدولة الإمارات العربية اليوم، وهو الذي أثار اختياره لهذا المنصب الرفيع منذ البداية شعوراً بالارتياح لدى الجميع، لما عُرِف عنه من بساطة لافتة وتواضع جم ونزعة إنسانية يحتاجها هذا العالم الذي تجتاحه موجات من الكراهية والبغضاء. وكان لافتاً أن يرحب باختياره على الفور رجال الدين الإسلامي في مدينته بيونس أيرس، والتي كان يرأس أساقفتها، لما عُرف عنه من احترام للإسلام، فوصفوه في بيانهم بصديق المجتمع الإسلامي في المدينة. ومنذ توليه هذه المسؤولية الجسيمة أثبت البابا فرنسيس بجدارة أن كل ما قيل عن مناقبه وصفاته الحميدة كان عين الصواب.
وأما المكان فهو دولة الإمارات العربية المتحدة التي تأسست على مبدأ التسامح بين الأديان والأعراق والطوائف والمذاهب، وهو خير دليل على التزامها الحق بالدين الإسلامي الذي أُسس على هذا المبدأ السامي الرفيع، وهو مبدأٌ جعل احترامُه الإمارات ساحةً غير مسبوقة للتسامح العالمي، حيث تعيش نحو مائتي جنسية من أديان ومذاهب وأعراق وطوائف شتى، وبها أزيد من سبعين دار عبادة للديانات المختلفة.. الأمر الذي دفع البابا فرنسيس لاختيارها (الإمارات) مكاناً لزيارته الرابعة للعالم العربي والأولى للخليج. ويبدو البابا شديد الوعي بحقيقة التسامح الذي تعيشه الإمارات بقوله في رسالته التي وجهها لشعب الإمارات قبل الزيارة، وهو تقليد جميل يتبعه قبل كل زيارة خارجية له، إنه فَرِح بهذه الزيارة لدولة الإمارات التي أكد أنها أرض الازدهار والسلام ودار التعايش واللقاء التي يجد فيها الكثيرون مكاناً آمناً للعمل والعيش بحرية تحترم الاختلاف، ونَوه بسعيها لتكون نموذجاً للتعايش واللقاء بين مختلف الحضارات والثقافات.
أما الزمان فهو الشهر الثاني من عام 2019 الذي أعلنته الإمارات عاماً للتسامح، تأكيداً لهويتها الإسلامية السمحة التي دفعتها على الدوام لأن تكون نموذجاً إنسانياً راقياً للتعامل بين بني البشر في زمن برزت فيه دعاوى التطرف الديني التي أفضت إلى الصراعات وإسالة الدماء خلال السنوات الأخيرة وإلى هذا الكم المفزع من الكوارث الإنسانية قتلاً وتشريداً لبني البشر وتدميراً لعمرانهم.
وبالتزامن مع زيارة البابا ينعقد الملتقى العالمي للأخوة الإنسانية بهدف التقريب بين بني البشر وتعزيز التلاقي فيما بينهم مهما اختلفت معتقداتهم والوصول إلى صيغة مشتركة لتحقيق هذه الأخوة التي من شأنها إنقاذ العالم من «مجاعة المحبة» وفقاً للتعبير الذي صكه البابا فرنسيس في كلمة ألقاها في مصر إبان زيارته لها عام 2017. وفي رسالته إلى شعب الإمارات قبل الزيارة أكد على أن هذا المؤتمر سوف يكتب «صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الأديان، نؤكد فيها أننا أخوة حتى وإن كنا مختلفين». ولفت إلى أن تنظيم حوار للأديان خلال زيارته، «يعكس الشجاعة والعزم في التأكيد على أن الإيمان يجمع ولا يُفَرق وأنه يقربنا حتى في الاختلاف ويبعدنا عن العداء والجفاء».
ولا شك أنه مما يزيد صدقية هذا المؤتمر طبيعة المدعوين إليه من أبرز القيادات الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وفي مقدمتهم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين وصاحب الدور التنويري الرائد في مجال الفهم المتسامح لطبيعة الدين الإسلامي الحنيف وشريك العلاقة المتفردة مع البابا فرنسيس والتي صارت مصدراً للأمل في أن يسود التسامح والوئام بين بني البشر على اختلافهم.
ولم تقتصر الزيارة على هذا المؤتمر العالمي بالغ الأهمية لمستقبل السلام والأمن في العالم، وإنما شهدت أحد أكبر القداسات التي أقامها البابا لأتباع كنيسته، إن لم يكن أكبرها، حيث قُدر عدد المدعوين له بأكثر من مائة وثلاثين ألف شخص، فهنيئاً للإمارات مضيّها قدُماً في تعزيز رسالتها الإنسانية في هذا العالم المضطرب.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد