رغم الضربات القوية التي تعرض لها تنظيم "داعش" في المناطق التي سبق أن سيطر عليها خلال الفترة الماضية، إلى جانب المناطق التي بدأ يظهر فيها بعد ذلك، إلا أن ذلك لا ينفي أن التنظيم ما زالت لديه القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية، مستندًا إلى آليات مختلفة، وفي مقدمتها "الذئاب المنفردة" و"الخلايا النائمة". وقد بدا ذلك جليًا في العمليات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها دول عديدة مثل تونس والمغرب إلى جانب بعض الدول الأوروبية، التي وجه التنظيم تهديدات لها بارتكاب عمليات أخرى عبر استخدام الأحزمة الناسفة والدهس والطعن خلال أعياد الميلاد. واللافت في هذا السياق، هو أن بعض تلك العمليات تم تنفيذها بطرق وآليات لم تستخدم على نطاق واسع في الفترة الماضية، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول مدى إمكانية حدوث تحولات أيديولوجية داخل "داعش" والخلايا النائمة والمجموعات الفرعية التابعة له على ضوء المعطيات الجديدة التي فرضتها الحرب ضد التنظيم في الفترة الماضية.
دلالات عديدة:
تكشف بعض العمليات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في بعض الدول العربية والأوروبية، عن أن بعض الإرهابيين الذين قاموا بتنفيذها سارعوا بالانتقال من الانتماء الفكري إلى التطبيق العملي للنهج "الداعشي"، وهى قاعدة يلتزم بها معظم من تبنوه، لا سيما أنهم يعتبرون أنه بدون تطبيق النهج تبقى بيعتهم للتنظيم غير مكتملة.
ومن دون شك، فإن هذه العمليات تشير بشكل مباشر إلى مدى خطورة ما يسمى بـ"المجموعات الداعشية" التي قد يتم الاعتماد عليها من جانب التنظيم بشكل أكبر خلال الفترة القادمة. فقد كان لافتًا، على سبيل المثال، إعلان السلطات المغربية أن أحد المشتبه بهم الأربعة في العملية الإرهابية التي أسفرت عن مقتل سائحتين أوروبيتين (نرويجية ودانماركية)، كان معروفًا لدى السلطات بتطرفه، وأنه سبق اعتقاله في عام 2013، بتهمة المشاركة في تجنيد بعض الشباب الذين يرغبون في الانتقال إلى الدول والمناطق التي ينشط فيها التنظيم.
وربما يتجه التنظيم إلى توسيع نشاط هذه المجموعات في حال عدم قدرته على تأسيس هياكل تنظيمية أو فروع في بعض الدول، التي وجهت سلطاتها ضربات أمنية استباقية له خلال المرحلة الماضية. وقد انعكس ذلك، في الدعوة التي وجهها التنظيم إلى عناصره ومؤيديه لـ"التخفي وسط الناس حتى لا يُعرفوا واستهداف التجمعات أثناء احتفالات أعياد الميلاد في الدول الأوروبية بأى طريقة ممكنة، خاصة الأحزمة الناسفة والدهس والطعن"، وذلك عبر مقطع فيديو جديد بثه "داعش" في 24 ديسمبر الجاري.
تداعيات محتملة:
فضلاً عن ذلك، ترى اتجاهات عديدة أن ثمة ظواهر مختلفة تكشف عنها بعض العمليات الإرهابية الأخيرة، يتمثل أهمها في أن بعض المجموعات الإرهابية الموالية للتنظيم بدأت حتى في تجاوز المحددات التي وضعها الأخير خلال الفترة التي تصاعد فيها نشاطه داخل كل من العراق وسوريا، والخاصة بطرق تنفيذ بعض العمليات الإرهابية، على نحو قد يزيد من احتمالات ظهور مجموعات إرهابية جديدة تتبنى نهجًا أكثر عنفًا خلال المرحلة القادمة.
لكن اللافت في هذا الإطار، هو أن ذلك قد يؤدي إلى نشوب خلافات ليس فقط بين "داعش" والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وإنما أيضًا داخل التنظيم نفسه، على ضوء التباينات العالقة حول آليات التعامل مع الضغوط والضربات العسكرية التي تعرض لها الأخير خلال المرحلة الماضية، واتجاهات العلاقة مع التنظيمات الإرهابية الأخرى.
وقد يتزايد هذا الاحتمال في حالة ما إذا اتسع نطاق هذا النمط الجديد من العمليات الإرهابية التي بدأت بعض المجموعات والخلايا التابعة للتنظيم في تنفيذها، على نحو قد يساعده في استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية، سواء تلك التي لم يسبق لها أن انضمت لتنظيمات إرهابية في السابق، أو التي ما زالت تنشط داخل بعض التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "القاعدة" الذي بدأ يسعى بدوره إلى تعزيز نفوذه في بعض المناطق، على غرار منطقة شرق إفريقيا.
نفوذ متواصل:
تشير مقاطع الفيديو التي تبثها المجموعات الإرهابية للعمليات التي تقوم بتنفيذها إلى أن زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي ما زال يمتلك نفوذًا بارزًا داخله، رغم كل الضربات والهزائم التي منى بها في الفترة الماضية، حيث حرصت كل تلك المجموعات على إعلان بيعتها له في تلك المقاطع.
وربما يكشف ذلك عن أن إعلان الولاء لزعيم التنظيم الرئيسي يمثل أحد الشروط الأساسية للانضمام إليه. لكن أهم ما يطرحه من دلالات هو أن هذا النفوذ قد يخصم من قوة المجموعات أو التنظيمات الفرعية، حيث كان لافتًا أن بعض المجموعات التي نفذت عمليات إرهابية في مناطق بعيدة عن سوريا والعراق، أعلنت مبايعتها للبغدادي فقط دون تأكيد ولائها لقادة التنظيمات "الداعشية" الفرعية التي تنشط في مناطقها، على غرار تنظيم "داعش" في منطقة الساحل والصحراء.
وهنا، فإن هذا النفوذ قد يتحول إلى أزمة مفاجئة داخل التنظيم، إذ أن عدم التوافق على بديل للبغدادي الذي قد يغيب عن المشهد في أى وقت، ربما يؤدي إلى نشوب صراعات على القيادة داخل التنظيم، بشكل يمكن أن يؤدي إلى إضعافه أو انشقاق بعض الكوادر والعناصر عنه وانضمامها إلى التنظيمات الأخرى.
وعلى ضوء ذلك، ربما تشهد المرحلة القادمة أنماطًا جديدة من العمليات الإرهابية التي ينفذها تنظيم "داعش" الرئيسي أو المجموعات الفرعية والخلايا النائمة التابعة له في مناطق مختلفة من العالم، على نحو يفرض ضرورة توسيع نطاق التعاون الأمني بين القوى الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة التنظيم، من أجل إضعاف قدرته على تنفيذ ذلك.