تُعوِّل الحكومة التركية على إنشاء مطار اسطنبول الجديد، الذي افتتحه الرئيس رجب طيب أردوغان في 29 أكتوبر 2018، في دعم نمو قطاع الطيران، والذي شهد في العقد الماضي دفعة قوية بسبب الإنشاءات الواسعة التي شهدتها المطارات التركية وزادت من السعة الاستيعابية للمسافرين عبرها. ومن المتوقع أن يصبح المطار الجديد نقطة لوجستية جديدة في الربط بين أوروبا ومختلف أنحاء العالم. كما أنه قد يفرض أيضًا تأثيرات اقتصادية إيجابية عديدة يتمثل أهمها في تعزيز مكانة تركيا كمركز لوجستي في الشرق الأوسط، بجانب توفير فرص العمل ودعم النمو الاقتصادي. ورغم ذلك، سيتوقف تحقيق الافتراضات السابقة على اعتبارات تتعلق بالنمو المتحقق في حركة السياحة الوافدة لتركيا مستقبلاً ومدى قدرة الحكومة على ربط المطار الجديد بالأجواء الأوروبية والعالمية.
اهتمام ملحوظ:
يعكس افتتاح أردوغان لمطار اسطنبول الجديد، جزئيًا، الاتجاه الذي بدأه حزب العدالة والتنمية منذ أكثر من 15 عامًا لتدشين حزمة من مشروعات البنية التحتية على غرار جسر اسطنبول الثالث وقناة اسطنبول، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي للبلاد. ويبدو أن هذا الاتجاه سوف يستمر على المدى الطويل، حيث من المتوقع أن تنفق الحكومة نحو 64 مليار دولار لاستكمال مشروعات أخرى في الأعوام المقبلة.
وفي ظل حركة الإنشاءات الواسعة للبنية التحتية في الفترة الماضية، حقق قطاع الطيران نموًا كبيرًا، بعد أن زاد عدد المطارات إلى نحو 55 مطارًا، وبما دعم من حركة المسافرين عبرها وساهم في تنشيط السياحة الوافدة إلى تركيا. وفيما يبدو فإن مطار اسطنبول سوف يكون أحد المشروعات الواعدة التي من المتوقع أن تفرض تحولاً هامًا في قطاع الطيران خلال الأعوام القادمة مع السعة المتوقعة للمطار التي تقدر بـ200 مليون مسافر.
وترى الحكومة أن المطار الجديد، الذي يقع على مساحة 76.5 مليون متر مربع بما يمثل حوالي ثلاثة أضعاف مساحة مطار أتاتورك الحالي، سوف يساهم في زيادة حركة المسافرين المارين عبر المطارات التركية، حيث تخطط لأن يستوعب المطار في البداية 90 مليون مسافر، قد تتجاوز 200 مليون مسافر بحلول عام 2023، أى أكثر من مرتين مقارنة بالسعة الاستيعابية لمطارى أتاتورك الدولي وصبيحة كوكجن معًا والبالغة 94 مليون مسافر حاليًا.
دلالات متعددة:
يطرح بدء تشغيل مطار اسطنبول دلالات سياسية واقتصادية عديدة: يتمثل أولها، في أن حكومة حزب العدالة والتنمية تسعى إلى استكمال البرنامج الاقتصادي الذي بدأت تطبيقه منذ توليها الحكم في عام 2002، وذلك على الرغم من الانتقادات الدولية والمحلية التي وجهت للرئيس أردوغان بسبب الإدارة الاقتصادية للبلاد والتي تسبب في تدهور قيمة الليرة بأكثر من ربع قميتها في الأشهر الماضية.
ويتصل ثانيها، بتأسيس الحكومة الحالية لسلطة قادرة على تنفيذ المشروعات المختلفة على الرغم من الانتقادات الداخلية التي تواجهها، حيث تعرض إنشاء المطار لحملة مضادة ارتبطت بظروف العمل ومعايير السلامة الخاصة به بعد مقتل 27 عاملاً منذ بدء أعمال البناء في عام 2015، إلى جانب إثارة إشكالات بيئية مختلفة بعد أن أشارت اتجاهات عديدة إلى أن بناء المطار تسببت في تدمير الغابات وقطع الأشجار، وهو ما سوف يؤثر سلبًا على نوعية الهواء وظروف المعيشة في مدينة اسطنبول.
ويتعلق ثالثها، بمحاولات تركيا تعزيز مكانتها كحلقة وصل بين أوروبا والعالم، حيث من المتوقع أن يمارس المطار الجديد بطاقته الاستيعابية الكبيرة دورًا في ربط القارة الأوروبية بأنحاء مختلفة من العالم وخاصة دول الشرق الأوسط. كما سوف تشارك عدة شركات أوروبية، خاصة الألمانية مثل شركة "هاينيمان"، في إدارة وتشغيل المنطقة الحرة بالمطار، بالإضافة إلى شركة "دي إتش إل" التي سوف تعمل في حركة الشحن الجوي.
تقديرات مختلفة:
قد يفرض إنشاء مطار اسطنبول تداعيات إيجابية عديدة على قطاع الطيران والاقتصاد بشكل عام. لكن لن يساعد بناء مطار ثالث في اسطنبول في تقليص حدة الازدحام في المطارات التركية الأخرى، وإنما سيؤدي إلى دخول مزيد من شركات الطيران الأخرى للعمل فيه.
وتتوقع المديرية العامة لهيئة المطارات في تركيا أن يزيد المسافرون عبر المطارات التركية من 193.6 مليون مسافر عام 2017 إلى 250 مليون بحلول عام 2020، وستظهر أكبر زيادة في عدد المسافرين على الرحلات الدولية لتصل إلى 107.7 مليون في عام 2020 مقارنة بـ83.5 مليون مسافر في العام الماضي. ومن المرجح أيضًا أن يرتفع عدد ركاب الرحلات الداخلية إلى ما يقارب 140 مليون مسافر مقارنة بـ110 مليون في العام الماضي.
وسوف تكون الخطوط الجوية التركية أحد أكبر المستفيدين من إنشاء المطار الجديد، حيث سيخدم استراتيجيتها التوسعية في الوصول لعدد أكبر من المقاصد حول العالم، وهو ما دفعها مؤخرًا لتبني خطة لرفع عدد طائرات أسطولها الجوي من 260 طائرة إلى 400 طائرة.
ومن المتوقع أن يدعم إنشاء المطار خطة تركيا لاستضافة حوالي 50 مليون سائح بحلول عام 2023. وعلى مستوى التشغيل، من المرجح أن يوفر وظائف مباشرة بحوالي 80 ألف فرصة عمل أثناء الإنشاء و120 ألف وظيفة دائمة بمجرد تشغيل المرفق بالكامل.
لكن رغم التوقعات السابقة، سوف تتوقف التأثيرات الاقتصادية والتجارية للمطار على اعتبارات تتعلق بالنمو المتحقق لحركة السياحة في تركيا خلال الأعوام المقبلة، والتي ترتبط بدورها بعوامل عديدة منها الاستقرار السياسي في البلاد، إلى جانب مدى قدرة تركيا على جذب شركات الطيران الأوروبية لتركيز أنشطتها بالمطار وفتح المجالات الجوية بين تركيا وأنحاء مختلفة من العالم.