أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

بدائل محدودة:

هل تجري حركة "طالبان" تغييرًا في سياستها؟

18 أكتوبر، 2018


تحول الارتباك إلى سمة رئيسية في المواقف التي تتخذها حركة "طالبان" للتعامل مع التطورات الداخلية الطارئة على الساحة الأفغانية، خاصة فيما يتصل بعلاقاتها مع القوى والمنظمات المعنية بهذه التطورات. فقد كان لافتًا، على سبيل المثال، إعلان الحركة، في 12 أكتوبر الجاري، عن موافقتها على عودة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للعمل في المناطق التي تسيطر عليها، مع توفير الحماية اللازمة لها، وذلك عقب اجتماع بين قادة المكتب السياسي للحركة في الدوحة ومسئولين في الصليب الأحمر، انتهى بتجديد اتفاق يسمح للمنظمة بمواصلة تقديم المساعدات الطبية لمختلف أطراف الصراع.

وقد توازى ذلك مع اللقاء الذي عقد بين كوادر في الحركة والموفد الأمريكي إلى أفغانستان زلماى خليل زاد في الدوحة. ورغم أن اتجاهات عديدة استندت إلى ذلك لترجيح احتمال اتجاه الحركة إلى إجراء تغيير في سياستها، إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن حدود التغيير ربما لن تصل إلى المستوى الذي قد يعزز من فرص الوصول إلى تسوية للأزمة الأفغانية خلال المرحلة القادمة.

تصعيد ملحوظ:

جاء قرار حركة "طالبان" بمنح اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضمانات أمنية لاستئناف العمل في أفغانستان وعقد لقاء مع الموفد الأمريكي خليل زاد، في وقت تنشط فيه الحركة على أكثر من مستوى. فقد صعّدت "طالبان" من هجماتها الإرهابية بهدف توسيع نطاق نفوذها، على غرار الهجوم الذي شنه مقاتلوها على موقعين للجيش الأفغاني في 14 أكتوبر الجاري، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 20 جنديًا، وذلك بعد يوم واحد من مقتل 13 أفغانيًا وسط تجمع انتخابي شمال البلاد، حيث ستجرى الانتخابات البرلمانية في 20 من الشهر ذاته.

كما قامت الحركة، في 6 أكتوبر، بتدمير أحد الجسور بالقرب من مدينة غزنة بوسط أفغانستان، بهدف إغلاق الطريق السريع الرئيسي الذي يربط بين العاصمة كابول وجنوب البلاد، وذلك بالتزامن مع شن هجمات أخرى متفرقة للسيطرة على أجزاء من إقليم غزنة بعد شهرين تقريبًا من قيام قوات أفغانية مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية بطرد عناصرها من عاصمة الإقليم.

ويأتي ذلك أيضًا عقب إعلان الحركة عن رفضها إجراء الانتخابات البرلمانية، وتوجيهها تحذيرات للمرشحين من المشاركة فيها، داعية عناصرها إلى استهداف قوات الأمن الأفغانية لعرقلة سير العملية الانتخابية، وهو ما أدى إلى تعرض عدد كبير من مراكز التسجيل لهجمات إرهابية.

أهداف متعددة:

يبدو أن "طالبان" تسعى من خلال السماح لأعضاء الصليب الأحمر الدولي بمواصلة العمل من جديد داخل أفغانستان خاصة فى المناطق التى تسيطر عليها، وتوفير الحماية اللازمة لضمان أمنهم، بالتوازي مع انخراطها في محادثات مع خليل زاد، إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تعزيز الموقع التفاوضي: حرصت الحركة على اتخاذ الخطوة الأولى قبل إجراء المحادثات مع المسئولين الأمريكيين، وذلك من أجل توجيه رسائل إيجابية تشير إلى رغبتها في موصلة المحادثات مع واشنطن خلال الفترة القادمة، على نحو يكشف عن سعيها إلى تعزيز موقعها التفاوضي ربما استباقًا لأية مبادرات جديدة قد تطرح للوصول إلى تسوية للأزمة في أفغانستان، خاصة أن إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في 5 سبتمبر 2018، عن تعيين السفير الأمريكي السابق لدى أفغانستان زلماى خليل زاد مستشارًا لوزارة الخارجية لشئون أفغانستان وموفدًا إليها يؤشر إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحاول دعم الجهود المبذولة للوصول إلى تلك التسوية خلال المرحلة القادمة.

2- مواجهة الانتقادات: تعرّضت الحركة خلال الفترة الماضية إلى انتقادات قوية من جانب القوى والمنظمات الدولية المعنية بالأزمة الأفغانية، حيث اعتبرت تلك الأطراف أن الإجراءات التي اتخذتها الحركة تعرقل جهودها لاحتواء تداعيات المشكلات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها أفغانستان. ورغم أن مواجهة مثل تلك الانتقادات والضغوط لا يعبر عن ظاهرة جديدة، إلا أن تزامنها مع متغيرات أخرى مثل اتساع نطاق الخلافات داخلها دفعها إلى تغيير موقفها باتجاه العمل على احتواء تلك الضغوط.

إذ يبدو أن ثمة انقسامًا داخل الحركة تجاه التعامل مع الأطراف المعنية بالأزمة الأفغانية، بين فريق يدعو إلى مواصلة التصعيد وتنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية خاصة مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية، وبين فريق يرى أن التطورات الإقليمية والدولية تفرض خيارات محدودة على الحركة، بشكل يدفع في اتجاه إبداء مرونة أكبر، سواء فيما يتعلق بالانخراط في محادثات جديدة مع بعض تلك الأطراف، أو ما يتصل بالمساهمة في إعادة تفعيل نشاط اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعد التوتر الذي نشب بين الطرفين خلال الفترة الأخيرة، على خلفية الاتهامات التي وجهتها الحركة للجنة بعدم تقديم مساعدات طبية كافية لسجناء مضربين عن الطعام في سجن كابول، إلى جانب العمليات الإرهابية التي أدت إلى مقتل 7 من موظفي اللجنة خلال عام 2017.

3- الضغط على الحكومة: تكشف مسارعة "طالبان" إلى الإعلان عن عقد لقاء مع الموفد الأمريكي خليل زاد عن محاولتها ممارسة ضغوط على الحكومة خلال الفترة القادمة التي قد تبذل فيها القوى المعنية جهودًا أكبر للوصول إلى تسوية للأزمة، خاصة بعد التغير الملحوظ في موقف واشنطن، الذي بدا جليًا في موافقتها على إجراء لقاء مع "طالبان" بعد أن كانت تصر على ضرورة أن تكون المحادثات بين الأطراف الأفغانية المنخرطة في الأزمة.

ومع ذلك لا يمكن القول إن هذا التغير قد يعزز جهود تسوية الأزمة، في ظل الارتباك الملحوظ في مواقف الحركة، وحرص كثير من قادتها وكوادرها على الضغط من أجل مواصلة التصعيد عبر رفع مستوى العمليات الإرهابية التي تستهدف مقرات الانتخابات والقوات المحلية والأجنبية على حد سواء، بما يشير إلى أن هذا الهدف يبدو بعيد المنال في المرحلة الحالية.